محاولات حكومية مصرية لاسترضاء السعودية... وتسليم تيران وصنافير أولوية

27 أكتوبر 2016
لاقى قرار السلطات تسليم الجزيرتين للسعودية غضباً شعبياً (الأناضول)
+ الخط -
يبذل رئيس الحكومة المصرية شريف إسماعيل جهوداً من خلال وزاراته للتواصل مع المسؤولين السعوديين لتحسين العلاقات التي اضطربت أخيراً بين البلدين بسبب الخلاف حول الملف السوري وموقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المؤيد لروسيا في بقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد، وذلك لضمان ضخ السعودية كميات البترول المتفق عليها إلى مصر بناء على الاتفاقية الموقعة بين البلدين في إبريل/نيسان الماضي.
وكشفت مصادر حكومية مطلعة عن أن إسماعيل عقد اجتماعاً مغلقاً منتصف الأسبوع الماضي مع وزراء الخارجية والبترول والمالية والاستثمار والتعاون الدولي والشؤون النيابية والعدل ومسؤولين آخرين ممثلين لوزارة الدفاع وجهات أخرى، أكد فيه "ضرورة إرسال رسائل طمأنة للسعودية للتأكيد على علاقة الصداقة والأخوة بين البلدين، خصوصاً على صعيد حوافز الاستثمار المقدّمة لرجال الأعمال السعوديين وتسوية المنازعات العالقة بينهم وبين الحكومة المصرية، وعلى صعيد قضية جزيرتي تيران وصنافير المقلقة للجانب السعودي في ظل بطء الحراك القانوني بالمحاكم المصرية، وعدم عرض الاتفاقية المبرمة بين البلدين على الحكومة حتى الآن".
وأوضحت المصادر أن رئيس الوزراء ذكر بشكل قاطع أن "موقف الحكومة محسوم، وستظل تبذل كل الجهود القانونية والبرلمانية الممكنة لإلغاء حكم القضاء الإداري ببطلان توقيع الاتفاقية وإبقاء الجزيرتين تحت السيطرة المصرية"، مشيراً إلى أن "هذا المسار منفصل تماماً عن أي خلافات يمكن أن تطرأ على العلاقات بين البلدين، وأن مصر جادة في تسليم الجزيرتين للسعودية، ولكن بعد أن يتم وقف حكم البطلان بشكل قانوني يرفع الحرج عن الحكومة".
وكشفت المصادر عن أن رئيس الوزراء "أصدر تعليمات حاسمة قال إنها صادرة من السيسي شخصياً، بضرورة تقديم كل الوثائق التي تثبت ملكية السعودية للجزيرتين إلى المحكمة الإدارية العليا التي تنظر في طعن الحكومة على حكم البطلان، بما في ذلك الوثائق الصادرة من وزارتي الدفاع والخارجية، وتلك الموصوفة بالسرية، في محاولة جادة لقلب موازين القضية التي لم تقدّم فيها الحكومة أي وثائق مهمة أمام القضاء الإداري".
وأكدت المصادر أن وزارتي الدفاع والخارجية تحركتا بالفعل بسرعة، وأرسلتا إلى هيئة قضايا الدولة التي تتولى الدفاع عن الحكومة عدداً من الوثائق المهمة قدمتها في جلسة المحكمة السبت الماضي، مشيرة إلى أن "هناك رغبة حكومية في إلغاء حكم البطلان بأي طريقة، وإذا لم يتم إلغاؤه بالطريقة القانونية فسوف يتم عرض الاتفاقية على البرلمان بطريقة أخرى.
وعن سبب الاهتمام المفاجئ من الحكومة بالجانب القانوني من القضية بعد فترة من الاكتفاء بالدفاع الروتيني من دون تقديم وثائق مهمة، رأت المصادر أن "هناك محاولات لإرضاء السعودية بعد رد فعلها الذي لم يكن متوقعاً، بعد تصويت مصر لصالح القرار الروسي بشأن سورية"، لافتة إلى أن اللقاءات والاتصالات بين المسؤولين المصريين والسعوديين شهدت التأكيد على رغبة القاهرة في تجاوز الأزمة بأي شكل، خصوصاً في ظل ارتفاع قيمة أي تعاقدات بترولية بديلة للعقد الموقّع سلفاً مع أرامكو السعودية.
ونفت المصادر أن تكون هناك تعهّدات سعودية واضحة باستئناف ضخ الاحتياجات البترولية لشهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، قائلاً: "المؤشرات حتى الآن سلبية، فالمسؤولون السعوديون ما زالوا يتحدثون عن صعوبات في التصدير، من دون تحديد ما إذا كانت تقنية أم سياسية فقط". ووفق المصادر نفسها، فإن رئيس الوزراء المصري تحدث خلال اللقاء الحكومي المغلق عن "ضرورة اتّباع سياسات محكمة لترشيد استهلاك المنتجات البترولية تحسباً لوقف الضخ من السعودية لفترات طويلة"، لكنه عاد وأكد أنه "يبذل مع السيسي والجهات السيادية جهوداً حثيثة لاستئناف الضخ، ولكن من دون وجود مؤشرات إيجابية حتى الآن".


وبحسب المصادر، فإن إسماعيل كلّف وزيرة التعاون الدولي بـ"الإلحاح" على الجانب السعودي لضخ المساعدات المالية التي كانت الرياض قد وعدت بها قبل نهاية العام بقيمة ملياري دولار في مشروعات تنمية مشتركة، بالإضافة لملياري دولار أخرى عبر استثمارات مباشرة، وهو ما ردت عليه الوزيرة بأن "الجانب السعودي لم يتواصل معنا بهذا الشأن منذ أغسطس/آب الماضي" كما رجحت ألا تحصل مصر على أي مبلغ إضافي قبل ربيع العام المقبل.
ووصفت المصادر الاجتماع الحكومي المغلق بأنه "كان متوتراً، نتيجة عدم تحقيق انفراجة حتى الآن في العلاقة الثنائية بين البلدين"، خصوصاً عندما تحدث وزير البترول طارق الملا عن صعوبة توفير الاحتياجات البترولية من الأسواق المجاورة بأسعار جيدة، وهو ما استدعى تدخّل وزير المالية عمرو الجارحي الذي حذر من "صعوبة بل استحالة" فتح اعتمادات جديدة في موازنة الدولة لاستيراد الطاقة في ظل الضغوط على عاتق مصر في إجراءات الاقتراض من صندوق النقد الدولي، والمتوقع أن تنتهي قبل نهاية العام الحالي.
يُذكر أن الخلافات المكتومة بين السيسي والسعودية، تفجّرت على الملأ لأول مرة الأسبوع قبل الماضي، بعد تصويت مصر لصالح مشروعي قرارين متناقضين بشأن الأحداث الدامية في مدينة حلب السورية، أحدهما تبنته فرنسا وإسبانيا وحظي بقبول السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا، والثاني تبنته روسيا وعارضته جميع الدول المذكورة.
وعلّقت السعودية إمداداتها البترولية المتعاقد عليها لمصر لشهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وعزت مصادر سعودية ذلك القرار إلى توجيهات سياسية عليا، مما اضطر مصر للتباحث مع دول أخرى لتوفير احتياجاتها البترولية. وتبدو جهود الحكومة المصرية لاسترضاء السعودية قائمة على رغبة في صرف نظر الرياض عن الملف الرئيسي الذي يغضبها من السيسي، وهو الاندفاع الذي تحوّل من السر إلى العلن نحو روسيا وحلفائها كنظام الأسد وإيران.
وأكد مصدر دبلوماسي مصري أن تزامن المناورات التي أجرتها مصر وروسيا في منطقة الحمام بمطروح تحت اسم "حماة الصداقة" مع الإعلان عن زيارة مدير جهاز الأمن الوطني التابع للنظام السوري علي المملوك إلى القاهرة، "يضاعف الحساسيات بين القاهرة والرياض". وأوضح المصدر أن المشكلة التي كان السيسي يتهرب منها على مدار عامين بمحاولة اصطناع الحياد في سورية، أصبحت أمراً واقعاً، وبات عليه الآن تحديد أولوياته ما إذا كانت في روسيا أم السعودية، لأن الأخيرة تحديداً لن تقبل باستمرار الوضع الحالي باستفادة السيسي الاقتصادية منها مقابل مساندته لروسيا.
فيما قالت المصادر الحكومية إن تحركات مجلس الوزراء بتعليمات السيسي تأتي في سياق "محاولة تحييد المشاكل السياسية والتركيز على ملفي تيران وصنافير والاستثمار". ويصعب مع هذا التفسير توقع انفراجة في العلاقات الثنائية، لا سيما أن الملف السوري يحتل أولوية اهتمامات السعودية حالياً.