أصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قراره العفو عن 82 شاباً من المحبوسين لصدور أحكام ضدهم في قضايا ما بعد عام 2013، ليثبت بما لا يدع مجالاً للشك تحكم الأجهزة الأمنية في إجراءات اختيار الأسماء. ويهدف بذلك إلى تحقيق استعراض إعلامي، وليس فتح صفحة جديدة مع شباب القوى السياسية، نظراً لما تضمنه القرار من الإفراج عن محبوسين ليس لمعظمهم انتماء سياسي محدد، كما أن معظمهم تكاد تنتهي فترات حبسهم.
فعلى رأس من تم العفو عنهم الإعلامي، إسلام البحيري، مقدم البرامج الشهير الذي عوقب بالسجن بعد اتهامه بازدراء الدين الإسلامي من مشيخة الأزهر، إذ يتم الإفراج عنه قبل 40 يوماً فقط من انقضاء فترة عقوبته المحددة بعام واحد من محكمة النقض.
وتضم القائمة يسرا الخطيب، إحدى الفتيات المحكوم عليهن في قضية تظاهرات جامعة المنصورة التي وقعت في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013، والتي تم الإفراج عن معظم زميلاتها في القضية بموجب قراري عفو أصدرهما السيسي العام الماضي. أما يسرا فقد صدر القرار الأخير باسمها وهي تستعد للخروج من السجن، إذ قضت 3 سنوات و6 أيام محبوسة في سجن المنصورة، وهي الصادر ضدها حكم بالحبس لثلاث سنوات.
الطبيب أحمد سعيد وهو من النشطاء الليبراليين، وواحد من الذين طالب المجلس القومي لحقوق الإنسان طويلاً بالإفراج عنهم، لكن الواقع أن سعيد قضى نصف فترة حبسه المحددة بعامين فقط. قُبض عليه في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي خلال التشديدات الأمنية التي جرت تحسباً لحدوث تظاهرات، لإحياء أحداث شارع محمد محمود.
وفي السياق ذاته، كشفت أوراق تداولتها مواقع إخبارية مصرية أن اللجنة الخماسية التي شكلها السيسي لتلقي الأسماء المقترحة للعفو وضعت في قائمتها اسم سناء أحمد سيف الإسلام عبدالفتاح شقيقة علاء عبدالفتاح، والتي انقضت بالفعل، منذ ثلاثة أيام، فترة عقوبتها وتم الإفراج عنها بعد حبسها 6 أشهر بتهمة إهانة القضاء، ما أثار عاصفة من التهكم والسخرية على عمل اللجنة في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
وشملت القائمة أشخاصاً بعينهم من المدانين في قضايا تظاهر وتجمهر نظرتها المحاكم المدنية والعسكرية، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، معظمهم لا تزيد عقوبته على السجن 10 سنوات.
وقال مصدر مطلع بالمجلس القومي لحقوق الإنسان إن "القائمة التي تم اختيارها بمعرفة الأجهزة الأمنية جاءت محبطة لأعضاء المجلس، نظراً لعدم مراعاة توصياتهم في ما يخص الإفراج عن الصحافيين، والاكتفاء بالإفراج عن 3 فقط من إجمالي 20 صحافياً محبوساً. بالإضافة للإفراج فقط عن المتهمين الذين ليست لهم ملفات سابقة لدى الأجهزة الأمنية، ما يشير إلى عدم انتمائهم إلى تيارات الإسلام السياسي أو الأحزاب الثورية".
وأضاف المصدر أن الملاحظة الثالثة التي "أحبطت" مسؤولي المجلس هي أن القائمة اعتمدت تصنيفاً عمرياً بحتاً للاختيار، فتم استبعاد الأسماء الأكبر من 40 عاماً، وكأن هؤلاء ليس من حقهم العفو إذا كانوا بالفعل من المظلومين، على حد تعبيره.
وأوضحت قائمة العفو صحة ما نشره "العربي الجديد" عقب إعلان السيسي قرارات مؤتمر الشباب نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من وجود صعوبة عملية لتحقيق ما وعد به من الإفراج عن الشباب المحبوسين على ذمة قضايا منظورة أمام المحاكم. علماً أنه كان قد اشترط ذلك خلال إعلانه القرار، وكان قد استبعد العفو عن الشباب المحكوم عليهم بالفعل.
وعلى النقيض تماماً خرج القرار الأخير متضمناً فقط أسماء 82 محكوماً، أي بالمخالفة لما تعهد به السيسي من قبل، وهو ما يكشف بحسب مراقبين اعتراض الجهات القضائية والأمنية على الإفراج عن الشباب الذين لا يزالون في طور المحاكمة. كما يكشف هذا الأمر أن عمليات الاختيار قد تمت بمعزل تماماً عن النيابة العامة التي من حقها الآن تنفيذ قرارات إخلاء سبيل المحبوسين احتياطياً أو قبول التماسات بالإفراج عنهم.
ويفسر مصدر بوزارة العدل هذا الأمر قائلاً، إن "الحكومة لم تستطع، حتى الآن، إيجاد حل لتنفيذ قرار السيسي. فعلى الرغم من أن سيناريو وضع قانون للعفو الشامل عن بعض الجرائم هو الحل الوحيد الممكن لرفع الحرج عن السلطة القضائية في ما يتعلق بالإفراج عن الشباب المحبوسين احتياطياً، هناك صعوبات في صياغة هذا القانون، حتى لا يسري على أشخاص لا تريد الأجهزة الأمنية إخراجهم من السجون".
وأوضح المصدر لـ"العربي الجديد" أن "هناك لجنة سرية مشكلة من الرئاسة والنيابة العامة والبرلمان ووزارة العدل لبحث وسائل لتحديد نوعيات الجرائم التي يمكن النص عليها في قانون العفو الشامل، وتحديد الاستثناءات، وفقاً لتصور الأجهزة الأمنية، وتمهيداً لإصداره وإسناد سلطة الإفراج في هذه الحالة للنائب العام بموجب هذا القانون".