كما تظهر الزيارات، وما يتبعها من تصريحات وتحذيرات يطلقها الزائرون، عدم رغبة وجاهزية المجتمع الدولي ليرى حرباً جديداً وعودة اللاإستقرار في القطاع، مقابل الرغبة في استمرار حالة الهدوء مع ضمان مزيد من الانفتاح والتسهيل على السكان المدنيين.
ويأتي بيان الاتحاد الأوروبي خلال الزيارة التي أجراها الوفد إلى غزة، أمس الثلاثاء، ليصب في الاتجاه نفسه. طالب الاتحاد الأوروبي "كافة الأطراف باتخاذ خطوات سريعة لإحداث تغييرات جذرية على الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في قطاع غزة، بما يتضمن إنهاء الإغلاق وفتح كامل للمعابر مع معالجة مكامن القلق الأمنية المشروعة لإسرائيل"، على حد وصفه.
كما أشار البيان إلى أنه "يجب تسهيل مرور المنظمات الإنسانية المحلية والدولية بدون إعاقة إلى غزة طبقاً للقانون الإنساني الدولي، بما فيها هيئات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، وذلك من أجل المساهمة في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة والملحة للقطاع".
يرى رئيس مجلس "العلاقات الدولية" (مركز بحثي في غزة)، باسم نعيم، أنّ زيارات الوفود الدبلوماسية إلى القطاع تعتبر مهمة ومرحب بها في ظل محاولات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة لعزل غزة عن العالم الخارجي، وعدم السماح للعالم بالاطلاع على ما يقوم به الاحتلال من إعدام بطيء على كافة الصعد.
ويقول نعيم، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الزيارات، التي كانت آخرها أمس الثلاثاء، تعتبر حدثاً مهمّاً. ويشير إلى أن وصول عدد كبير من الدبلوماسيين رفيعي المستوى إلى القطاع قد يساهم في تغيّر الوضع في القطاع عبر ما سيرفعونه من تقارير لبلادهم ولدول الاتحاد الأوروبي. ويشير إلى أنّ الغزيين يأملون في أن تترجم هذه الزيارات المستمرة للعديد من الشخصيات الدبلوماسية والأممية إلى قرارات تساهم في تحوّل وتغيير الوضع القائم في القطاع، وفي مقدمته إنهاء الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عام 2006.
كما يستبعد نعيم أنّ تكون هذه الزيارات بروتوكولية، كونها تأتي في إطار مهامهم كسفراء لبلادهم في الأراضي الفلسطينية، أو مبعوثين من أجل الاطلاع على واقع الحياة في ظل الاحتلال، وتحت الحصار الإسرائيلي المستمر منذ عشر سنوات. ويشير إلى أن هذه الوفود تعلم حساسية الوضع الذي يعيشه أكثر من مليوني مواطن داخل القطاع بفعل الاحتلال والحصار، وتخشى من أن تتحول الأوضاع الكارثية إلى مرحلة تتدهور بها الأوضاع وتصل إلى مرحلة الانفجار.
ويبيّن نعيم أن تكرار الزيارات الدبلوماسية والوفود إلى القطاع المحاصر إسرائيلياً منذ فوز حركة "حماس" بالانتخابات التشريعية عام 2006 قد يساهم في تصلب المواقف الأوروبية باتجاه الضغط على الاحتلال لإنهاء حصاره المفروض على غزة.
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي، تيسير محيسن، أنّ مجمل الزيارات التي تحصل من وفود أجنبية متمثلة في الاتحاد الأوروبي ومبعوثي الأمم المتحدة يغلب عليها الطابع الإنساني، ومتابعة المشاريع التي يجري تمويلها من مدارس ومشاريع بنية تحتية وغيرها.
ويقول محيسن، في حديث مع العربي الجديد"، إنّ زيارة وفد الاتحاد الأوروبي الأخيرة تغلب عليها المتابعة الإنسانية واستكشاف الأوضاع الإنسانية واستنباط توقعات مستقبلية إذا ما كانت الحياة اليومية بلغت مرحلة يصعب السكوت عنها أم أن الأوضاع لا تزال مقبولة. ويبيّن أنّ تكرار الزيارات والتحذيرات التي أطلقها العديد من ممثلي المؤسسات الدولية والأوروبية بشأن الأوضاع في غزة، يشير إلى عدم جاهزية المجتمع الدولي ليرى معاناة جديدة للشعب الفلسطيني في القطاع والرغبة في استمرار حالة الهدوء داخله.
ويضيف محيسن أن الاتحاد الأوروبي يخشى من أن يحرج أمام شعوبه في أي عدوان أو مواجهة جديدة مع غزة، وهو يحرص على مساعدة الاحتلال الإسرائيلي بطريقة غير مباشرة من أجل عدم التوجه لمواجهة جديدة مع القطاع.
ويشير الكاتب والمحلل السياسي إلى أن آلية الأمم المتحدة لإعادة الإعمار كانت في مجمل بنودها تستهدف عدم تسريع عملية إعادة الإعمار حتى لا يتجه الشعب الفلسطيني إلى فتح جبهة جديدة مع الاحتلال، ثم يقوم المجتمع الدولي بتمويل ما جرى تدميره مجدداً. ويبيّن محيسن أنّ الاحتلال يستخدم الدعاية عبر وسائل الإعلام في حديثه بأنّ المواجهة المقبلة مع القطاع ستكون صعبة وستبدأ من حيث انتهت بهدف إحداث حالة من الردع الذاتي لإسكات القطاع، وعدم التفكير في فتح جبهة جديدة معه. ويوضح محيسن أنّ الزيارات المتعددة للسفراء وممثلي الأمم المتحدة وغيرهم لن تلقي بأي تقدم على أي ملف يخص القطاع، خصوصاً ملف الإعمار الذي وصل بعد عامين لنحو 60 في المائة ويحتاج لنحو عامين آخرين لإتمام بناء المنازل المدمرة في القطاع.