ليبيا: هجوم الشويرف يؤجج المخاوف من تمدد "داعش"

23 ديسمبر 2016
اخترق عناصر "داعش" الحصار في سرت (حازم تركيا/الأناضول)
+ الخط -
يجدد الهجوم، الذي شنّه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بمشاركة عشرات المقاتلين، على منطقة الشويرف في جنوب ليبيا، يوم الثلاثاء الماضي، المخاوف من أن التنظيم لا يزال قادراً على تشكيل تهديد في البلاد على الرغم من خسارته معقله الرئيسي في سرت. ويتعزز هذا الاعتقاد نظراً لأن منطقة الشويرف، التي تبعد عن سرت نحو 180 كيلومتراً جنوباً، لا تمتلك أية أهمية عسكرية، بالإضافة إلى أن التنظيم انسحب سريعاً من الموقع التابع لشركة النهر الصناعي الذي يتحكم بمنظومة إمداد مدن الشريط الساحلي، خصوصاً العاصمة طرابلس، بالماء. وتشير هذه المعطيات إلى عدم رغبة "داعش" في خوض قتال في الشويرف، بقدر الإعلان عن استمرار وجوده وإمكانية سيطرته على المواقع الحيوية المؤثرة، كمنابع المياه الرئيسية في البلاد.

لكن اللافت أن عناصر التنظيم، الذين شاركوا في الهجوم على الشويرف، أتوا من وادي سوف الجين في منطقة بني وليد، التي تقع في منتصف الطريق بين الشويرف وسرت، وتسيطر على شبكة الطرق الصحراوية في منطقة وسط الجنوب. 
وفي السياق نفسه، أكد محمد لافيرس، آمر اللواء 12، التابع لقوات اللواء خليفة حفتر، الذي يسيطر على الشويرف، وجود ما يثبت أن مقاتلي "داعش"، الذين شنوا الهجوم، قدموا من وادي سوف الجين في منطقة بني وليد التي تقع في منتصف الطريق بين الشويرف وسرت، وتسيطر على شبكة الطرق الصحراوية في منطقة وسط الجنوب.


وكان مسؤولون في بني وليد قد أكدوا تعرض وادي سوف الجين لقصف جوي مجهول. وقال مسؤول تابع للمجلس البلدي لبني وليد، لـ"العربي الجديد"، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن الأهالي عثروا، بعد سماع أصوات قصف جوي عنيف في المنطقة، على 17 جثة، إلى جانب عدد من السيارات المسلحة محترقة، وآثار لسيارات أخرى تمكن أصحابها من الفرار. ويعتقد مراقبون في الشأن الليبي أن بني وليد من المناطق المرشحة لتواجد التنظيم فيها، خصوصاً وأن هناك أودية تشكل حماية طبيعية لتمركزه وتنقله، مثل سوف الجين والمركم وصيبا، التي ترتبط أيضاَ بمناطق جبلية، وتصل إلى شبكة طرق صحراوية يصعب مراقبتها.

وتؤكد مصادر محلية من بني وليد أن تواجد قبيلة الخوازم، الموالية للنظام السابق، وبحكم قرابتها القبلية بالقذاذفة في سرت، قد تؤهل المنطقة لتكون موطناً جديداً وآمناً لخلايا التنظيم لترتيب صفوفها مجدداً، أو تكون معقلاً جديداً له. وتكشف المصادر عن رفض زعامات الخوازم رفع الغطاء الاجتماعي عن أبنائها المنتمين إلى "داعش" وآخرين يعملون على تسهيل وصول الإمدادات اللوجستية، وعلى رأسها الوقود والأغذية، للتنظيم إبان وجوده في سرت. ويرجح مراقبون لجوء عناصر التنظيم إلى مناطق ليبية أخرى، بينها القداحية وزمزم والبي الكبير وسط الجنوب الليبي، والتي ترتبط جغرافياً بمناطق في محيط بني وليد وسرت. وبالإضافة إلى توفيرها الحماية، بسبب طبيعتها والطرقات الصحراوية التي تصعب السيطرة عليها، والتي تصل إلى أقصى الغرب، حيث الحدود المرتبطة بالجزائر وتونس مروراً بالعاصمة طرابلس، فإنها تشرف أيضاً على منابع النفط في الشريط الجنوبي لمنطقة الهلال النفطي التي تسيطر قوات حفتر عليها.

على الرغم من ذلك، يرى مراقبون أنه من غير المرجح أن يكون بمقدور التنظيم الوصول إلى مناطق الجنوب الليبي، التي تخضع، من وجهة نظرهم، لسيطرة جماعات متطرفة أخرى، بينها الجماعات الموالية لتنظيم القاعدة، مثل تنظيم "الموقعون بالدم" المعروف بخلافه العقائدي مع "داعش".

وقبيل سقوط سرت، التي تعتبر عاصمة "داعش" في ليبيا، لم يخف التنظيم نيته الاستمرار في القتال في ليبيا. وأعلن زعيم التنظيم الجديد في ليبيا، أبو مصعب الفاروق، في أغسطس/آب الماضي عبر مواقع إلكترونية مقربة من التنظيم، وصول شخصيات بارزة فرت من سرت إلى مناطق ليبية أخرى، ستساعد على ترتيب صفوفه، ليعقبه تسجيل مرئي لقيادي يدعى أبو حذيفة المهاجر، نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يعلن فيه استمرار التنظيم في قتاله. وقال "إننا نعاني، لكن الدولة الإسلامية لا يزال يجتذب المزيد من المجاهدين"، مضيفاً "لا يزال أهالينا ينزحون من سرت، لكن حال المجاهدين في ولايات ليبيا الثلاث بخير عميم وفضل من الله عظيم، ومفارزهم الأمنية تنتشر في كل المدن والمناطق، وسراياهم تجوب الصحراء شرقاً وغرباً".

يذكر أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، كان قد أعلن، الأسبوع الماضي، تحرير مدينة سرت وسط ليبيا من قبضة "داعش" بعد ستة أشهر من القتال المتواصل، فيما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية، أول من أمس، نهاية عملياتها العسكرية الجوية الداعمة لقوات حكومة الوفاق. لكن "داعش" سارع إلى تنفيذ هجوم على منطقة الشويرف بمشاركة 80 مقاتلاً، من بينهم ليبيون، في تأكيد لاستمرار وجوده وقوته داخل الأراضي الليبية، مما يفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات عن نهاية التنظيم فعلياً من البلاد. وما يعزز هذه المخاوف أن الظروف، التي مهدت لتواجد التنظيم في ليبيا لا تزال متوفرة، إذ إن الحدود الليبية لا تزال مشرعة أمامه لجلب مقاتلين، كما يمكن لمهربي وتجار المخدرات تجاوز أماكن سيطرة أية قوة ليبية، والالتفاف عليها للوصول إلى المعاقل الجديدة لـ"داعش"، هذا بالإضافة إلى استمرار استفادته من الفراغ السياسي والتقاتل بين الفرقاء.

وكانت أطراف دولية فاعلة في ليبيا، على الرغم من ترحيبها بانتصار قوات المجلس الرئاسي في معاركها في سرت، قد أبدت أخيراً مخاوفها من إمكانية انتقال عناصر "داعش" إلى مناطق ليبية أخرى. واعتبر وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لودريان، أن استعادة المدينة "لا تعني أن النزاع مع التنظيم الإرهابي انتهى".
وحتى اللحظة لا يعرف أحد مصير التنظيم، الذي وصل عدده، بحسب تقارير غربية، إلى 6000 مقاتل، وهل حسم وجوده من سرت يعني نهايته في البلاد، أم أن إمكانية ظهوره مجدداً في مناطق أخرى لا تزال قائمة. واعترف مسؤول في عملية "البنيان المرصوص"، التابعة للمجلس الرئاسي، والتي كانت تقاتل التنظيم في سرت منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، بإمكانية إفلات المئات من عناصر "داعش" من المدينة، واختراقهم الحصار المضروب عليهم واحتمال فرارهم إلى خارجها، قبل أن يعلن وقوع أكثر من هجوم على الصفوف الخلفية لمقاتلي المجلس الرئاسي من قبل خلايا متحركة في الصحراء جنوب سرت. وكشف مسؤول في العملية، لـ"العربي الجديد"، عن أنه تم العثور على سيارات تحمل أسلحة ومخزن ذخيرة في أحد المنازل في وادي جارف جنوب سرت. وأكد المسؤول أن خلايا "داعش" لا تزال تتحرك، تحت جنح الظلام، عبر الطرق الصحراوية جنوب سرت.