ولفت كوك إلى أن الملا منصور قام بدور مهم في هجمات عديدة استهدفت فيها العاصمة الأفغانية كابول ومدنها، مشيراً إلى أنه كان يشكل تهديداً على الشعب الأفغاني وقوات أمنها، إلى جانب القوات الدولية. وشدد المتحدث باسم البنتاغون على أن "الملا منصور كان يشكّل عائقاً أمام جهود السلام بين طالبان والحكومة الأفغانية"، مضيفاً أنه (الملا منصور) كان مسؤولاً عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الأفغان والقوات الحكومية.
وعلى الرغم من نفي حركة طالبان أفغانستان نبأ مقتل زعيمها، وإصرار مصادر باكستانية على أن الحادث ربّما وقع في إقليم زابل جنوبي أفغانستان، تؤكد مصادر في الحركة وأخرى باكستانية وأفغانية أنّ الملا منصور لقي حتفه إثر غارة أميركية نُفّذت في منطقة أحمد أباد بإقليم بلوشستان جنوبي باكستان. وتشير هذه المصادر إلى أنّ الرجل كان مسافراً مع سائق من مدينة تفتان الباكستانية إلى مدينة كويتا عاصمة إقليم بلوشستان، جنوب غربي باكستان.
ونقلت وسائل إعلام أفغانية وباكستانية عن قيادي بارز في الحركة هو المولوي عبد الرؤوف، وعن قيادات أخرى، قولهم إنّ زعيم "طالبان" توفي إثر الغارة الأميركية، مشيرة إلى أن منصور كان برفقة سائقه في سيارته الخاصة، مسافراً من مدينة تفتان عندما تعرّض للغارة. كما نشرت قناة "أي أر واي" المحلية صوراً لسيارة مدمّرة قالت القناة إنها لزعيم "طالبان" الملا أختر منصور، التي أحاطها القبليون.
رسمياً، لا تزال باكستان تلتزم الصمت حيال القضية، لكن الرئاسة الأفغانية تؤكد استهداف زعيم منصور بغارة أميركية. كما شددت الرئاسة الأفغانية، في بيان لها، أن "قيادات ورموز الجماعات المسلحة ومسلحيها لن يكونوا في مأمن أينما حلوا وحيثما رحلوا"، مطالبة مرة أخرى قيادات "طالبان" بالعودة إلى الحوار. وأكدت الاستخبارات الأفغانية، أمس الأحد، مقتل منصور بغارة أميركية نُفّذت في إقليم بلوشستان الباكستاني، لافتة في بيان لها أن "منصور كان ملاحقاً منذ فترة إلى أن قتل أمس (السبت)"، لكنها لم تشر إلى الجهة التي كانت تلاحق منصور.
فيما رجّح الرئيس التنفيذي للحكومة الأفغانية عبد الله عبد الله أن يكون زعيم الحركة قد لقي حتفه، معتبراً أنّها "فرصة جديدة لطالبان لتنضم إلى عملية الحوار مع الحكومة"، في إشارة واضحة إلى موقف الملا أختر منصور الرافض للحوار. وعلى الرغم من نفي "طالبان" الخبر، معتبرة أنّه "عار عن الصحة"، وأن زعيمها على قيد الحياة ولم يصب بأي أذى، أكّد قادة في الحركة ومن بينهم الملا عبد الرؤوف، مقتل الرجل.
وإنْ صح مقتل منصور، فإن ذلك سيضع الحركة وقادتها أمام مخاطر كبيرة. وفور انتشار الخبر، طُرحت أسئلة كثيرة حول أسباب استهدافه وعملية مراقبة الرجل وهو مسافر بشكل فردي مع سائقه. هناك من قال إنّ الملا منصور قتل على إثر الخلافات الداخلية في الحركة، ما ساعد واشنطن في الوصول إليه. فيما لا يستبعد آخرون أن يكون الأمر قد وقع بالتنسيق مع باكستان، حينها سيكون جميع قيادات الحركة الموجودين على أراضيها في خطر، وفقاً لمراقبين، وهو ما يعني أن باكستان فعلاً غيّرت استراتيجيتها، كما لمّح مسؤولون باكستانيون بعد الاجتماع الرباعي الخامس في إسلام أباد، الأسبوع الماضي.
وخيّرت باكستان "طالبان" بين الحوار أو العمل الميداني. وأكد مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للشؤون الخارجية سرتاج عزيز أن "طالبان لا تتجاوب إيجابياً مع عملية الحوار". وإنْ تأكّدت هذه الفرضية، فإنّ ذلك سيخلق فجوة بين "طالبان" وباكستان يقرّب بمقتضاها بين الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة الباكستانية، وفي مقدمتها حركة طالبان باكستان وبين طالبان أفغانستان، وفقاً للمراقبين أنفسهم.
أما إذا وقع اغتيال الرجل خلافاً لرغبة باكستان ومن دون التنسيق معها، فإن لذلك دلالات أخرى، كما أنّه تأييد لموقف أفغانستان التي تشير إلى أن قيادات الحركة ومسلحيها ينعمون بملذات آمنة داخل الأراضي الباكستانية، وهو إضعاف لموقف باكستان التي تدعي أنها عملت وتعمل ضد الجماعات المسلحة من دون استثناء، ما سيزيد الضغوط عليها أكثر، لا سيما من قبل الأعضاء المشاركين في الاجتماعات الرباعية بشأن المصالحة الأفغانية، أي الصين والولايات المتحدة، بحسب المراقبين. كما أن استهداف الرجل قرب مدينة كويتا الباكستانية ومن دون التنسيق مع باكستان سيزيد الخلافات بين واشنطن وإسلام أباد كما حدث إبان مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عام 2011.
سؤال آخر تطرحه وسائل الإعلام ويدور في أذهان من تهمّهم "طالبان" عن خليفة الملا منصور لزعامة الحركة، وعما إذا كانت ستتوافق عليه قيادات الحركة المشتتة أساساً أم لا. ومن بين الأسماء التي كانت تُذكر قبل مقتل الرجل، والذي قيل إنّه يحاول بسط نفوذه داخل صفوف الحركة، هو زعيم شبكة حقاني، أحد نائبي الملا أختر منصور، سراج الدين حقاني. لكن يستبعد معنيون أن تقبل السلطة العليا في الحركة (شورى كويتا) بحقاني، خصوصاً أنه كان يُخشى، سابقاً، من محاولة الرجل، بمساعدة الاستخبارات الباكستانية، الاستيلاء على الحركة. وإنْ تمّ تعيين حقاني، وهو متوقع، وفقاً للمعنيين، ستتعرّض الحركة لخلافات داخلية أكثر. لكن في الوقت عينه، فإنّ مقتل أختر منصور فرصة لإجماع "طالبان" على شخصية تخرجهم من المأزق الحالي ولتوحيد الموقف، وفقاً لهؤلاء المعنيين.
ويلفت كثيرون إلى أنّ هناك شخصيات ورموز كثيرة داخل الحركة، ومعظمهم مهمّشون بعد مقتل الملا عمر (قُتل عام 2013 وأُعلن الخبر عام 2015)، والذين يمكنهم تولي قيادة "طالبان" وإخراجها من مأزقها الحالي. وفي مقدمة هؤلاء الملا عبد الغني برادر المعتقل لدى السلطات الباكستانية، وكان نائب الملا عمر. ويمكن للرجل أن يوحّد الحركة ويلمّ شملها بعدما توزّعت بسبب سياسات الملا أختر منصور، كما يرى كثيرون من قيادات الحركة. ويبقى السؤال عما إذا كان بمقدور الحركة إقناع السلطات الباكستانية بالإفراج عن برادر، باعتبار أن الملا منصور نفسه لم يكن يرغب في الإفراج عنه للحفاظ على قيادته ونفوذه في الحركة.
وتزامن حادث مقتل أختر منصور مع توصل الحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكمتيار، وهو أحد المناوئين للوجود الأجنبي في أفغانستان، إلى اتفاقية صلح مع الحكومة الأفغانية. وتستعد الأخيرة، حالياً، لاستقبال حكمتيار. كما احتفل الأفغان بهذه المناسبة، إذ رحّب بها الساسة وعامة المواطنين والقبائل. هذا التطور شجّع قيادات الحركة على مستوى الإقليم للانخراط في العمل السياسي خلافاً لسياسة "طالبان"، إذ عقدت، الأسبوع الماضي، اجتماعات على مستوى قيادات ومسلحي طالبان في الأقاليم الجنوبية. وتوصلت تلك الاجتماعات التي يؤدي فيها المجلس الأعلى للمصالحة وبعض القبائل دوراً هاماً لطرح عملية الحوار مع الحكومة والانخراط في العمل السياسي مثلما فعل الحزب الإسلامي، وبالتالي، فإنّ مقتل أختر منصور وفقدان القيادة سيعزز الفكرة أكثر.
كما أن هذا التطور سيقوّي الجماعة المنشقة عن الحركة بزعامة الملا محمد رسول، خصوصاً إذا ما حاول زعيم شبكة حقاني الوصول إلى الزعامة، حينها لن يبقى أمام قيادات "طالبان" المنتمين إلى الأقاليم الجنوبية، (قندهار، وزابل، وهلمند)، سوى التقارب مع رسول أحد المقربين لزعيم الحركة الراحل الملا عمر، أو تشكيل جماعة جديدة غالباً ما تكون بقيادة رئيس المجلس العسكري السابق، الملا عبد القيوم ذاكر الذي كان على خلافات مع منصور، وفقاً لمراقبين.
ولد الملا أختر منصور عام 1963 في مديرية ميوند الحدودية مع باكستان بإقليم قندهار، جنوبي أفغانستان. ينتمي إلى قبيلة إسحاقزاي أحد أفخاذ قبيلة دراني الشهيرة. في الثمانينيات، وعندما احتلت القوات السوفييتية أفغانستان حمل الشاب أختر السلاح مع أفراد من أسرته ضد القوات الروسية، وكان أحد مسلحي الحزب الإسلامي بزعامة المولوي محمد يونس خالص.
عام 1989، أجبرت الأسرة الشاب أختر على الهجرة إلى باكستان لمواصلة دراسة العلوم الشرعية. بدأ دراسته الدينية في مدينة كويتا ثم مدينة بشاور شمال غرب باكستان، وبقي هناك حتى ظهور حركة طالبان عام 1994. حينها، كان منصور من أوائل المنضمين إلى الحركة.
شغل مناصب عسكرية مهمة في مختلف الأقاليم، وكان أحد القيادات العسكرية والميدانية في الحركة إلى أن سيطرت "طالبان" على العاصمة الأفغانية كابول عام 1995. حينها، شغل الرجل رئاسة شركة "أريانا" الجوية، ثم ترقى ليكون وزيراً للمواصلات والتجارة، إلى جانب كونه مسؤولاً للعمليات العسكرية في مناطق مختلفة. منذ التحاقه بـ"طالبان"، كان منصور يواجه جبهة مخالفة له داخل الحركة، إذ اتُهم، آنذاك، بأن له علاقات بتجار المخدرات.
عام 2001، بعدما احتلت القوات الأميركية أفغانستان خرج منصور من أفغانستان على غرار الكثير من قيادات الحركة وعاش في كويتا. شغل، لاحقاً، منصب رئيس المكتب السياسي في الحركة، ثم ترقى ليكون نائباً لزعيم حركة طالبان الراحل الملا عمر، على الرغم من الخلافات التي كان يواجهها مع قيادات بارزة في الحركة، واتهامه باغتيال بعض القيادين مثل الملا دادالله. وكان اختفاء خبر وفاة الملا عمر لمدة عامين وأكثر من أفكار منصور، إذ كان يدير الأخير جميع النشاطات باسمه خلال تلك الفترة. بعد الإعلان عن وفاة الملا عمر في يوليو/تموز 2015، تم تعينيه زعيماً للحركة وأميراً للمؤمنين، على حد وصف "طالبان". ومنذ تلك اللحظة، انشغل منصور بالخلافات الداخلية في الحركة.