وأكد الباحث عبد اللطيف بولزرق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ المجتمع المدني يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في عملية التحول الديمقراطي من خلال تبني الدول مفهوم الديمقراطية التشاركية، إذ لا بد من اعتبار المجتمع المدني شريكًا اجتماعيًا وسياسيًّا لأنه عبارة عن حاضنة للتنشئة والتكوين السياسي، مضيفًا أنّ الناشطين السياسيين في البلدان العربية، والمغرب العربي بالخصوص، مروا عبر المجتمع المدني، وتم الانتقال من مرحلة المدنية إلى المشاركة في صناعة القرار، وبالتالي فإن المجتمع يمثل صورة لمكونات الدولة، ومشاركته في القرار هي إعادة الاعتبار لصوت الشعب، كما أن الرؤيا الجديدة للدولة تقوم على الاكتمال ومدى استيعابها المجتمع المدني.
وأضاف بولزرق أن مداخلته، والتي عرضها مساء الجمعة، حول "المجتمع المدني المغاربي وسؤال الوجود والمشاركة: هالات ديمقراطية وانتكاسات ميدانية"، ركزت على العلاقة بين المجتمع المدني والدولة، في محاولة لتتبع هذه العلاقة ضمن التراث السوسيوتاريخي والحديث، معتبرًا أن الوقفة التشخيصية التي قام بها هي محاولة لمعرفة العلاقة بين المجتمع المدني والدولة في بلدان المغرب العربي، والتي تهدف إلى وضع اليد على الرهانات والضمانات في الديمقراطية الممنوحة للمجتمع المدني من أجل الوصول إلى الديمقراطية التشاركية، ولكن في الوقت نفسه، فإن الواقع يقول دائما كلمته، ويشهد على الانتكاسات الملحوظة في علاقة الدولة والمجتمع المدني.
واعتبر أن المنظومة القانونية تختلف من دولة إلى أخرى، ولكن يجب الابتعاد عن التأويلات الخاطئة، لأن أي فشل في الساحة السياسية نرجعه دائمًا إلى اليد الخفية والتدخل الخارجي، وأنه حان الوقت لنكون مسؤولين عن إرادتنا كشعوب، وعن أفعالنا وواقع التنمية في المجتمعات العربية.
وأكّد الباحث الجزائري، يوسف حميطوش، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "لا بد من أن يكون هناك اعتراف وتعايش بين جميع القوى؛ فلا يقصي الإسلاميُّ العلماني ولا العلماني الإسلامي، وأنه لا بد من تبني هوية وطنية تنصهر فيها الخصوصيات الفردية، مشيرًا إلى أن بروز المجتمع المدني يتطلب وجود قطاع خاص قوي، ولكن للأسف فإن الوطن العربي هو نتاج تراكمات وعوامل تاريخية وموضوعية لا تسمح بذلك".
وأشار المتحدث ذاته إلى أنّ مداخلته، والتي تناولت موضوع "إشكالية المجتمع المدني وعلاقته بالدولة في الجزائر بين الاستقلالية والتبعية"، بيّنت أن المجتمع المدني الجزائري نتاج تراكمات تاريخية عابرة للزمن؛ فالدولة قوية مقارنة بالمجتمع المدني، وأضاف أن المستعمر الفرنسي دمّر البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع المدني الجزائري، وهو ما انعكس على دور المجتمع المدني الذي لم يبرز.
وأضاف أن الريع النفطي قلّص من حركية المجتمع المدني في الجزائر، ولم يسمح له بالبروز، قائلًا: "صحيح نسمع عنه إعلاميًا، ولكن دوره محدود، وبدأ في الظهور حاليًا، ولكن لا يمكن أن نقول إنه برز فعلًا"، معتبرًا أنه كلما تراجع دور الدولة في الفضاء العمومي برز المجتمع المدني والعكس صحيح، وأنه في ظل تراجع الموارد المالية للدولة (الجزائر)، بفعل انهيار أسعار النفط، فإنه يمكن للمجتمع المدني أن يبدأ بالظهور، خاصة أنه ليس نتاج 10 و20 سنة، وبالتالي لا يمكن أن يبرز بين عشية وضحاها.
من جهته، قال الباحث من ساحل العاج، كواكو كومي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ مداخلته مساء اليوم ركّزت على دور المجتمع المدني في أفريقيا وعلى العنف السياسي المسلط على تجاربه في بلدان القارّة، مبينًا أن بعض التجارب تمكنت من الخروج من دورها التقليدي والإنساني، كإغاثة اليتامى والمشردين، إلى محاولة التموقع في السلطة، ومواجهة الأنظمة التي تحتكر السلطة، مشيرًا إلى أنّ المجتمع المدني الذي يحاول التموقع والأخذ بزمام الأمور بإمكانه أن يخلق ضغطًا على السلطة، وأن يصبح شريكًا في القرار السياسي.
واعتبر أن التجربة في السنغال وبوركينا فاسو ومالي، مثلًا، تقدم أمثلة ناجحة لمجتمع مدني قوي وقادر على الضغط، حتى إنه، وفي عديد من البلدان الأفريقية، حصل تغيير حقيقي لتنحية من كانوا في السلطة، مبينًا أن هذا لا يزال في بلدان أخرى ضعيفًا ومحدودًا.