عانى أبناء الرقة خلال سنوات عجاف، كافة أصناف القمع والذي طاول معظم جوانب الحياة، ولم يحترم التنظيم حتى خصوصيات المنازل، فقد كان الأهالي يخافون من مخالفة تعليمات "داعش"، داخل منازلهم، وفي لقاءاتهم واجتماعاتهم الخاصة، ولم يعد أحدهم يأمن على سرّه من ابنه أو أخيه أو زوجته، خشية وصوله إلى "الحسبة" أي الشرطة، التي جنّدها التنظيم في المجتمع المدني، ولاحقت المخالفين، وأوقعت بهم أشد أنواع العقاب.
ديوان الحسبة
يعتبر جهاز الحسبة من أهم الركائز والأساسيات التي تقوم عليها سياسة التنظيم في كافة مناطق سيطرته، وتأتي سلطة عناصره مباشرة بعد سلطة الجناح الأمني في التنظيم، والذي يوازي سلطة المخابرات في الأنظمة الأخرى، وأهم مهام الحسبة حظر الأنشطة التجارية أثناء أوقات الصلاة، والاستجابة للبلاغات المتعلقة باستخدام المخدرات والمواد الكحولية، وتدمير الممنوعات، مثل الآلات الموسيقية، السجائر، ويتم ذلك عبر تسير دوريات في الشوارع بشكل يومي، يستقل عناصرها سيارات خاصة، مزودة بمكبرات صوت، وبعض الأحيان يستخدمون سيارات مدنية للتمويه، وإلقاء القبض على أكبر قدر من مرتكبي المخالفات.
وخصّص التنظيم جهاز حسبة خاصاً بالنساء، مهمته تفتيش النساء ومراقبتهن واعتقال من ترتكب أي مخالفة، إلى جانب مراقبة النساء في أسواق المدينة وداخل الحارات واعتقال وضرب كل من ترتكب المخالفات، ومعظم أعضاء الحسبة من جنسيات غير سورية، وزوجات للمهاجرين من عناصر التنظيم.
وتعتبر العقوبات التي يفرضها التنظيم على المتخلّفين من المدنيين عن تطبيق أوامره كثيرة ومتنوعة، فمن يتمّ اعتقاله وهو على رأس عمله خلال أوقات الصلاة عقوبته إغلاق الدكّان لمدّة خمسة عشر يوماً، وإذا ما تمّ اعتقاله مرة أخرى لنفس السبب يتم توقيفه مدة من الزمن، كما سنّ التنظيم قوانين تتعلّق بالحد من حريّة المرأة، فمنعها أن تمشي في الشارع من دون أن يكون معها محرم.
الإعدام العلني
واتخذ التنظيم سياسة الإعدام العلني كوسيلة لبث الرعب في قلوب المدنيين، الذين يقيمون في مناطق سيطرته، وزجرهم عن ارتكاب المخالفات، وخصّص لذلك ساحة في كل مدينة، وفي الرقة ساحة "النعيم" التي كان يعلن بعد كل صلاة جمعة في الغالب، عن وجود حالة إعدام أو عدّة حالات، كي يتجمّع المدنيون، لمشاهدة المنظر.
ولم تقتصر الإعدامات وتنفيذ الأحكام على إطلاق النار، المتعارف عليه، بل تفنّن التنظيم في ذلك، من حزّ الرقاب وقطع الرؤوس، إلى إلقاء الأشخاص من مبان عالية، وليس انتهاء بالحرق والدهس بالدبابات والتفخيخ ومن ثم التفجير، إضافة إلى الصعق بالكهرباء، في برك من المياه.
التضييق على الناشطين
حارب التنظيم منذ سيطرته على الرقة كافة الناشطين، وجرّم التعامل مع المنظمات والمؤسسات الإنسانية، التي من شأنها مساعدة المدنيين المتضررين، كما وصف الإعلاميين خاصة بالعمالة لقوات التحالف التي تحاربه، وأعدم العشرات منهم، أبرزهم ناشطون في حملة "الرقة تذبح بصمت"، التي أخذت على عاتقها كشف انتهاكات التنظيم بحق المدنيين.
كما منع التنظيم الإنترنت وحاربه، وجعله مقصوراً على بعض الأماكن التي يشرف عليها جهاز الحسبة، بشرط إعطاء صاحب الأجهزة الولاء الكامل للتنظيم، وتوثيق أسماء كل من يدخل المكان وإبلاغ الحسبة في حال أحس بأي شبهة تهدّد التنظيم، أو نقل معلومات وصور عن مناطق سيطرته.
منع أجهزة التلفاز والستلايت
حاول التنظيم خلال سنوات سيطرته على الرقة، جعل المدنيين، في قوقعة لا يعلمون أي شيء خارجها، ولا يتلقون الأخبار والمعلومات إلا عن طريقه، من خلال خطب الجمعة، والنشرات الدورية التي يوزعها، والمجلات المطبوعة، والجداريات التي تشاهد بكثرة في كل منطقة تخرج عن سيطرته.
وقد لاحق جهاز الحسبة أصحاب أجهزة الستلايت، وعاقبهم بالسجن، حتى إنه كان في كل فترة، يعمل على إعطاب مئات الأجهزة، التي يجدها في المنازل، بعد عمليات مداهمة وتفتيش.
منع المغادرة
حرّم التنظيم على المدنيين، مغادرة مناطق سيطرته التي وصفها بـ"أرض الإسلام"، ومنع كل من أراد الخروج منها، محذّراً من السفر لبلاد "الكفر"، كما عمل على تلغيم المناطق الحدودية، التي لم يستطع نشر نقاط مراقبة فيها، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، حاولوا الهرب من تلك المناطق.
في المقابل، كان التنظيم يسمح بمغادرة حالات المرض الحرجة، بعد تقديم طلب مرفقاً بتقرير طبي، من طبيب معتمد لدى التنظيم، وكان جهاز الحسبة يحدّد مدة للعودة، ويصادر معظم ثبوتيات من أراد المغادرة، فإن تأخر ولم يعد صادر كافة أملاكه، ووضعها تحت تصرف بيت المال.