فصول من ضغوط أميركا على فصائل البادية السورية

21 نوفمبر 2017
عنصران من جيش مغاوير الثورة في البادية (تويتر)
+ الخط -

يبدو مصير الفصائل السورية المسلحة التي كانت تتلقى دعماً من الولايات المتحدة غير واضح، بعد الضغوط التي تعرضت لها هذه الفصائل في الأشهر الأخيرة للانسحاب من مواقعها في البادية السورية باتجاه الأردن، أو قاعدة التنف، التي تديرها قوات التحالف قرب مثلث الحدود مع الأردن والعراق.

وقد أثار قرار فصيل "جيش مغاوير الثورة" تسريح العشرات من عناصره تكهنات بقرب حل الفصيل نهائياً، برغم نفي ذلك من قيادة "جيش المغاوير" المدعوم من الولايات المتحدة والمتمركز في قاعدة التنف. ووفقاً للمتحدث العسكري باسم الفصيل، الملازم أول أبو الأثير الخابوري، فإنّ الفصيل "سرّح 180 عنصراً، وتم إعطاء مبلغ قدره 2000 دولار أميركي لكل شخص"، نافياً "وجود نية لحل الفصيل بالكامل بعد ضغوط أميركية- أردنية"، معتبراً أنه تم فقط إبعاد "الأشخاص المسيئين".

ويأتي التسريح عقب انتهاء العمليات العسكرية ضد تنظيم "داعش" في محيط قاعدة التنف، وبالتزامن مع الحديث عن اتفاق أميركي- روسي في المنطقة، يقضي في مرحلته الأولى بتسليم قوات النظام السوري كامل الشريط الحدودي بين سورية والأردن والعراق، وفي المرحلة الثانية سحب الولايات المتحدة وبريطانيا قواتهما من قاعدتي التنف والزكف باتجاه قاعدة "الأزرق" داخل الأردن. وحسب صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية فإن بريطانيا سحبت آخر جنودها المكلفين بتدريب مقاتلي المعارضة في نهاية يونيو/حزيران الماضي.

وأعلن "جيش مغاوير الثورة" قبل أيام أنه دمّر قاعدة الزكف العسكرية في البادية السورية، قبل الانسحاب منها، بينما ذكرت تقارير إعلامية أن القوات الأميركية و"المغاوير" سلّما القاعدة التي تبعد 75 كيلومتراً عن التنف، بموجب اتفاق مع الروس.

وأنشئت القاعدة بدعمٍ من التحالف الدولي الذي تقوده أميركا إلى الجنوب الشرقي من قاعدة  التنف في يونيو/ حزيران الماضي.

وقال قائد جيش مغاوير الثورة، مهند طلاع، إنه جرى الانسحاب من قاعدة الزكف بسبب "عدم فائدتها واستهلاكها للوقت والإمكانيات"، مشدداً على أن الزكف لم تسلم لروسيا ولا للنظام.

 وأوضح متحدث باسم "مغاوير الثورة" أن الزكف سلّمت لشخص مدني من أجل إعادة تأهيل الآبار الارتوازية في المنطقة، مشيراً إلى أن الفصيل سيسيّر دوريات إلى المنطقة المحيطة بالقاعدة التي يقطن فيها حوالى 25 ألف نسمة، يعانون من نقص الماء ويقطعون يومياً مسافة 30 كيلومتراً للحصول على المياه.

وقدّر المسافة التي انسحب منها الفصيل إلى الخلف، بحوالى عشرة كيلومترات جنوب غرب الزكف، مشيراً إلى أن الآبار سيتسلمها المدنيون، أما الزكف فهي محمية جوياً من قبل التحالف حتى الآن.

يأتي ذلك في وقت تلاشت فيه فرص فصائل البادية التي ينحدر معظم منتسبيها من مدينة دير الزور في المشاركة بالمعارك ضد تنظيم داعش في المنطقة، والتي يتنافس فيها اليوم طرفان رئيسيان هما النظام والمليشيات التي تدعمه من جهة، والمليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، والتحالف من جهة ثانية.

في موازاة ذلك، جرى تجميع معظم عناصر الفصائل العربية في قاعدة التنف ومحيطها، وسط طلب صريح من هذه الفصائل بالتوجه إلى داخل الأردن "حفاظاً على أرواح مقاتليها وعوائلهم"، كما جاء في رسالة جرى تسريبها وصلت إلى تلك الفصائل من المندوب الأميركي في غرفة عمليات "الموك" التي يقع مقرها في الأردن.

 وتضم فصائل البادية، إضافة إلى "جيش مغاوير الثورة"، الموجود أصلاً في قاعدة التنف، كلاًّ من "جيش أسود الشرقية"، و"قوات أحمد العبدو"، فضلاً عن "لواء شهداء القريتين" الذي أعلنت واشنطن في أغسطس/آب الماضي أنها قطعت الدعم عنه بسبب قيامه بأنشطة لا تستهدف محاربة تنظيم "داعش"، والمقصود محاربة قوات النظام، من دون التنسيق مع قيادة التحالف.

وقال فصيلا "جيش أسود الشرقية" و"قوات الشهيد أحمد العبدو"، في بيان مشترك لهما أخيراً، إن ضغوطاً شديدة مورست عليهما لـ"وقف قتال النظام وتسليم المنطقة في البادية الشامية". ولم يعلن الفصيلان الجهة التي مارست الضغوط، لكن مصادر مختلفة أكدت أن الضغوط جاءت من غرفة تنسيق الدعم (الموك) التي تقودها واشنطن، وسط معلومات بأن الغرفة أوقفت دعم فصائل المعارضة السورية، في يوليو/تموز الماضي.

وخاض الفصيلان معارك ضد قوات النظام والمليشيات الرديفة في إطار معركة "الأرض لنا"، منذ 31 مايو/أيار الماضي، شملت مناطق واسعة في البادية تمتد من شرق السويداء وريف دمشق الجنوبي وريف حمص وحماة، وصولاً إلى دير الزور في المنطقة الشرقية.

وجاء ذلك بعد انسحاب فصيل "أحرار العشائر" المدعوم من الأردن من منطقة الحدود الأردنية بشكل مفاجئ إلى داخل الأراضي الأردنية، حيث تسلمت مواقعه قوات النظام.

وكانت قوات النظام والمليشيات المساندة لها قد سيطرت في الفترة الأخيرة على كامل المنطقة المحيطة بقاعدة التنف العسكرية، ضمن معارك بدأتها منذ يونيو/حزيران الماضي بهدف السيطرة على مدينة البوكمال وفتح ممر بري بين إيران والبحر المتوسط. ووصلت تلك القوات في مطلع آب/ أغسطس الماضي إلى النقطة الحدودية رقم 204، التي تبعد عن التنف نحو 45 كيلومتراً، لكنها عادت وتراجعت إلى مسافة 60 كيلومتراً عقب رمايات مدفعية باتجاهها بالترافق مع تحذيرات أميركية باستهدافها في حال خرقت "نطاق الأمان" الذي تفرضه قيادة التحالف حول قاعدة التنف والبالغ 55 كيلومتراً.

وتحاول قوات النظام الزحف على الشريط الحدودي إلى محاذاة نقطة التنف، كخطوة للسيطرة على كامل الحدود مع الأردن.

وعلى الرغم من أن وجود القاعدة الأميركية في التنف لا يمثل عائقاً أمام التواصل على جانبي الحدود السورية -العراقية، حيث يوجد معبر مفتوح شمال التنف، يُعرف بمعبر السلطاني تنتشر قوات النظام في محيطه وتسيير دوريات، تضغط روسيا وقوات النظام لانسحاب القوات الأميركية من قاعدة التنف، وتسليمها للنظام الذي يقول إنه الجهة الشرعية الوحيدة المخولة باستلامها وبالسيطرة على منطقة الحدود. وقد وصف وزير إعلام النظام، رامز ترجمان، الوجود الأميركي في قاعدة التنف بأنه غير شرعي ويمثل احتلالاً، مطالبا بتسليم القاعدة لقوات النظام.

 كما تثير هذه التطورات في محيط قاعدة التنف تساؤلات حول مستقبل مخيم الركبان والمدنيين المقيمين فيه، في ضوء الحديث عن مفاوضات أميركية ــ روسية  بهذا الصدد. وبينما رفض الجانب الأردني تسجيل القاطنين في المخيم كلاجئين في "مفوضية شؤون اللاجئين ــ الأردن"، خشية أن يكون ذلك خطوة أولى لنقلهم إلى الداخل الأردني، قالت وسائل إعلام أردنية إن الحكومة طلبت من المنظمات الدولية تنسيق عمليات الإغاثة في الركبان مع حكومة النظام السوري، وليس معها كون المخيم يقع ضمن الأراضي السورية؟ وهو ما يتوافق مع مطالبات روسية سابقة للأمم المتحدة بتسيير مساعدات إلى المدنيين القاطنين في المخيم، مع وعود بتسهيلات خلال نقلها من دمشق عبر البادية، في مسعى منها لتثبيت وجود النظام المدني أيضاً في تلك المنطقة إضافة إلى وجوده العسكري في محيطها.

 

خلاصة القول، إن المصير المجهول لا يحيط بفصائل المعارضة المدعومة أميركياً في تلك المنطقة فحسب، بل بالوجود الأميركي نفسه الذي يبدو بلا هدف واضح، خلافاً للوجود الروسي – الإيراني الذي يعمل بوضوح وإصرار على تثبيت النظام هناك، وتسليمه كل منطقة الحدود، بما في ذلك قاعدة التنف. في موازاة ذلك يتراخى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في تقديم الدعم لفصائل المعارضة المحسوبة عليها، وتضيع عليها اشتراطات كثيرة في مقدمتها عدم محاربة قوات النظام، ما يعني انتفاء الحاجة إلى وجود تلك الفصائل حين يتوارى تنظيم داعش، وهو على أية حال ليس على تماس مع تلك الفصائل التي باتت محصورة في قاعدة التنف ومحيطها القريب بلا أي عمل، باستثناء تقديم بعض المساعدات لمخيم الركبان الذي يعد الأسوأ بين المخيمات الموجودة في سورية، وهو يضم معظم عائلات منتسبي تلك الفصائل.