ولم يطل الأمر كثيراً، حتى اجتمع ماكرون بشكل طارئ، على حدّ وصف وسائل الإعلام الفرنسية، مساء الأربعاء، مع ممثلي النيجر وتشاد والمغرب وألمانيا والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، لبحث مبادرته التي اقترحها حول قضية "الاستعباد" في ليبيا، وهو ما يؤكد أنها لم تكن طارئة أبداً ولم تكن مرتجلة، وإنما أُعدّ لها بشكل مسبق.
وأمس الخميس، أقرت القمة الأوروبية-الأفريقية في أبيدجان تشكيل وحدات خاصة لمكافحة تهريب البشر.
وبالعودة إلى تصريحات الرئيس الفرنسي خلال القمة، الأربعاء، يتّضح أنّ فرنسا حدّدت موقفها من هذه القضية، فقد دعا ماكرون في كلمته أمام 80 رئيساً ووزيراً أول شاركوا في القمة "إلى تحرّك جماعي لحماية مجموعات في خطر"، مشدداً على أن تكون "التحركات في الميدان أمنية وعسكرية" لتفكيك هذه الشبكات، موضحاً أن دعوته "ليست إعلان حرب".
وجاءت هذه التحركات بعدما عرضت شبكة "سي أن أن" الأميركية تحقيقاً صادماً في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عن بيع مهاجرين في "مزادات للعبيد" في مناطق داخل الأراضي الليبية، وسلمته للسلطات في ليبيا التي أكدت أنها فتحت تحقيقاً رسمياً في القضية. ويعرض التحقيق قضايا، يسمع عنها ويعرفها كثيرون، عن معاناة المهاجرين عبر البحر المتوسط من أفريقيا إلى أوروبا، والذين يواجهون قصصاً مرعبة من الاعتداءات الجسدية والجنسية والخطف والعبودية والموت.
ويعبّر ناشطون حقوقيون من منظمات دولية عدة عن استغرابهم من هذا "الاكتشاف الأوروبي الفرنسي السياسي لقضية الاتجار بالبشر في ليبيا الآن". ويصف جون فرنسوا ديبوست، مسؤول برنامج حماية المجموعات في منظمة العفو الدولية "أمنستي"، هذا الموقف بـ"السكيزوفرينيا"، لأن الجميع كان على علم، ومنذ أشهر، بما يجري هناك.
ويتحدّث متطوعون حقوقيون في تصريحات صحافية مماثلة عن "نفاق المسؤولين الأوروبيين" بعد التقرير الذي بثّته الشبكة الأميركية في 17 نوفمبر الماضي، لأنهم كانوا جميعاً على علم بكل التفاصيل. وتنقل صحف فرنسية أن منظمات "أطباء بلا حدود" و"العفو الدولية" و"أس أو أس متوسط" والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وحتى النائب العام للمحكمة الجنائية الدولية، حاولوا على امتداد أشهر لفت نظر المسؤولين لما يحدث في ليبيا، من دون جدوى، إلى أن عرضت "سي أن أن" تلك الصور الصادمة.
وفي شهر يوليو/تموز الماضي، قرّر وزراء الداخلية الأوروبيون دعم الشراكة مع ليبيا لإيقاف الهجرة إلى السواحل الإيطالية، برغم أنّ الأمم المتحدة لفتت نظر الجميع منذ سنة إلى قيام مجموعات مسلحة وشبكات تهريب بحجز آلاف البشر وإرغامهم على القيام بأعمال لصالحهم وتعذيبهم وارتكاب اعتداءات جنسية بحقهم، ولكن لم يتحرك أحد.
وأمام كل هذا، يبرز تساؤل حول توقيت ومبررات هذه الصدمة الدولية إزاء ما يحدث في ليبيا، خصوصاً في ما يتعلق بالاهتمام الفرنسي، وما إذا كان الأمر يرتبط بالمساعي الفرنسية للعودة بقوة إلى أفريقيا، وإيقاف "تسلل" قوى جديدة إلى منطقة نفوذ خسرت جزءاً كبيراً منها منذ عقود.
كما يطرح البعض فرضية أن يكون الاهتمام المستجد بالانتهاكات التي يتعرض لها اللاجئون مبرراً لمزيد من التدخلات العسكرية في ليبيا.