لم يكن فوز لوران فوكييه برئاسة حزب "الجمهوريين" اليميني الديغولي في فرنسا، مفاجأة لأحد، على الرغم من وجود مرشَّحَيْن آخرين في مواجهته. وجاء انتصاره الكبير بنحو 75 في المائة من المصوّتين، مقابل نحو 16 في المائة للمرشحة فلورنس بورتيللي، و9 في المائة للمرشح المقرب من ألان جوبيه، ماييل دي كالان، من الدورة الأولى، وبمشاركة أكبر مما توقع المراقبون، ومما كان ينتظر قياديو الحزب أنفسهم، إذ وصلت نسبة المشاركة إلى 42.46 في المائة، أي بتصويت 99 ألف و597 عضواً من الحزب.
ولكن هذا الانتصار الكبير، يجعل مهمة الفائز لوران فوكييه صعبة. فهو شخصية تعرضت، بسبب مواقفها وتصريحاتها، لكثير من النقد والتجريح وصل إلى مستويات غير مسبوقة، حتى من داخل حزبه. وبالتالي يتعين عليه، قبل أي شيء آخر، أن يُهدّئ النفوس والأجواء ويصالح كل الحساسيات، أي أن يتخلص من الأجواء التي ساهمت في إقصاء مرشح اليمين لرئاسيات فرنسا، فرانسوا فيون، والذي كان فوزه بالرئاسة مؤكداً في كل الاستطلاعات والتقديرات قبل ظهور فضائحه في صحيفة "لوكنار أونشينيه". وهي ظروف تفاقمت بعد سقوط كثير من رجالات الحزب وقياداته في إغواء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته إدوار فيليب.
السؤال الآن، بعد انتخاب لوران فوكييه وطيّ صفحة فرانسوا فيون، ثم الانتخابات التشريعية، هو: هل سيستطيع الرئيس الجديد، أن يستثمر وجود مائة نائب جمهوري في الجمعية الوطنية (البرلمان) إضافة إلى امتلاك حزب "الجمهوريين" للأغلبية في مجلس الشيوخ، وأعداد ضخمة من المنتخَبين في كل الأراضي الفرنسية، من أجل تحويل هجماته القاسية ضد ماكرون إلى حقيقة؟ أي إلى واقع يجعل من حزبه قوة المعارضة الرئيسية، التي لا يزال جان لوك ميلانشون ومارين لوبان يحملان مشعلها بعد مرور أكثر من ستة أشهر على وصول ماكرون للسلطة، على الرغم من قلة تمثيلهما في البرلمان، والصدى الضعيف، حتى الآن، لأفكارهما وبرامجهما في المجتمع الفرنسي.
وحتى يؤدي فوكييه هذا الدور، يتعيّن عليه، كما يرى مراقبون، أن يمنح لشخصيته، المتقشفة حيناً، والمتعجرفة والبعيدة عن الشعب أحياناً أخرى، رؤيةً جديدة حتى يبدو بمظهر الرئيس الذي يسمو على كل حساسيات الحزب، أو على الأقل أنه ينصت إليها وإلى مواقفها، من دون إهمال.
وإذا كانت حملة انتخاب الرئيس الجديد لحزب "الجمهوريين" أظهرت مرشحاً لا يخلو من قسوة وعنف من أجل التعبئة وتجييش المتعاطفين، فلأنه كان يريد، كما يحاول أن يُقنع بعض أنصاره أنفسهم، أن يعثر له على مكان بين خطابات حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، في مواضيع متعددة، كالهجرة والإسلام والاتحاد الأوروبي، والتي ما فتئت رئيسة هذا الحزب، مارين لوبان، تعرض عليه العمل معاً، وبين خطابات معتدلة أو أقل تطرفاً ومُحافَظة، من داخل معسكره السياسي، لم يكن بعضها مختلفاً عن مواقف وتصرفات حكومة إدوار فيليب، رفيقه السابق في الحزب.
اقــرأ أيضاً
ولكن فوكييه، الآن، هو رئيسٌ لكل حساسيات الحزب، وهو ما يعني أن لغة الحملة الانتخابية القاسية، يجب أن تُوضَع فقرات رئيسة منها على الرفّ في انتظار استحقاقات انتخابية أخرى، وبالتالي يجب عليه أن يمد اليد لكل القياديين الآخرين من حزبه، الذين آثروا على الرغم من شعبية بعضهم، عدم منافسته على رئاسة الحزب، وفي الوقت نفسه عدم السقوط في شَرَك ماكرون وحكومته، ومن بينهم قياديون من تيار جوبيه، إضافة رجل نيس القوي، كريستيان إيستروزي، وأيضاً رجل الشمال القوي، كزافيي بيرتران، ثم رئيسة منطقة باريس، فاليري بيكريس. وقد عارض الأخيران علانية، خطابات فوكييه، التي كثيراً ما تتماهى مع طروحات "الجبهة الوطنية"، بل يراها بعضهم أكثر تطرفاً، وأكدا أنهما لن يقبلاها، وهو ما أخرج فوكييه من طوره، فصرّح في حينه: "برتران وبيكريس لا يستطيعان إيقافي. استراتيجيتهما تتمثّل في الانتظار ثم القول إنه أصابني عطل. ولكني لا أحب أن أتوارى".
ولا يبدو أن فوكييه يجهل هذه الحقيقة، حقيقة ضرورة التوفيق بين الاتجاهات وعدم إقصائها، والتي ساهم غيابها في هزيمة فرانسوا فيون، وفي النتيجة المخيبة للآمال في الانتخابات التشريعية، ما دفع كثيرين للاقتراب من حزب "الجمهورية، إلى الأمام"، حزب ماكرون. ولهذا السبب تعمّد فوكييه أن يحيط به، عشية انتصاره الانتخابي الكاسح وتكريسه رئيساً للحزب، بوجوه سياسية من كل الحساسيات السياسية في "الجمهوريين"، من بينهم الوسطي جان ليونيتي، والديغولي جوليان أوبرت، وبريس هورتوفو المقرب من نيكولا ساركوزي، وفيرجيني كالميلس المقربة من رئيس بلدية بوردو، ألان جوبيه، وأيضاً عمدة مدينة بيلفور، داميان ميسلوت، وهو مقرب من رجل الشمال القوي، كزافيي بيرتران.
بانتصار فوكييه، فاز من كان الجميع يراهن على نجاحه، وبالتالي فقد استطاع الحزب اليميني الأقوى في فرنسا، أن يتجاوز صدمة فرانسوا فيون ونتائجه المخيّبة. ولكن لا يبدو أن كل العقبات أزيحت من أمام طريق فوكييه. فإذا كان قياديو حزبه مستعدين للعمل معه حتى تظهر في البرلمان معارضة يمينية حقيقية لماكرون، توازي معارضة ميلانشون وقوى اليسار الأخرى، إلا أن كثيراً منهم لن يقبلوا توجّهات الرئيس الجديد المحافظة جداً. وإلا فإنهم لن يستطيعوا الوصول لاتفاق مع الحليف الوسطي السابق، حزب "اتحاد الديمقراطيين والمستقلين"، والذي يبدو أنه وقع في غرام ماكرون، مع دعوة رئيس هذا الحزب، جان كريستوف لاغارد، من دون مواربة، إلى إنشاء قوة سياسية جديدة توحّد ما بين الوسط واليمين التقدمي، إذ يعتبر التحالف بين اليمين والوسط مفتاحاً لكل انتصارات اليمين في فرنسا.
يدرك فوكييه، كما معارضون آخرون من اليمين واليسار، أنه من أجل إلحاق الهزيمة بماكرون، الذي يتمتع بحكومة متجانسة وأغلبية برلمانية وظرف دولي مساعد، فإنه يتوجب انتظار رئاسيات 2022. وهذا من دون شك، حلم فوكييه، الذي لا يخفي طموحاته في حكم فرنسا، وتنفيذ ما عجز عن تنفيذه معلمه نيكولا ساركوزي. ولكن لكي يحقق ذلك، يتوجب عليه أن يكون مرشح اليمين الأوحد سنة 2022، وقبلها يتعين عليه أن يفرض زعامته الكاملة على الحزب.
السؤال الآن، بعد انتخاب لوران فوكييه وطيّ صفحة فرانسوا فيون، ثم الانتخابات التشريعية، هو: هل سيستطيع الرئيس الجديد، أن يستثمر وجود مائة نائب جمهوري في الجمعية الوطنية (البرلمان) إضافة إلى امتلاك حزب "الجمهوريين" للأغلبية في مجلس الشيوخ، وأعداد ضخمة من المنتخَبين في كل الأراضي الفرنسية، من أجل تحويل هجماته القاسية ضد ماكرون إلى حقيقة؟ أي إلى واقع يجعل من حزبه قوة المعارضة الرئيسية، التي لا يزال جان لوك ميلانشون ومارين لوبان يحملان مشعلها بعد مرور أكثر من ستة أشهر على وصول ماكرون للسلطة، على الرغم من قلة تمثيلهما في البرلمان، والصدى الضعيف، حتى الآن، لأفكارهما وبرامجهما في المجتمع الفرنسي.
وحتى يؤدي فوكييه هذا الدور، يتعيّن عليه، كما يرى مراقبون، أن يمنح لشخصيته، المتقشفة حيناً، والمتعجرفة والبعيدة عن الشعب أحياناً أخرى، رؤيةً جديدة حتى يبدو بمظهر الرئيس الذي يسمو على كل حساسيات الحزب، أو على الأقل أنه ينصت إليها وإلى مواقفها، من دون إهمال.
وإذا كانت حملة انتخاب الرئيس الجديد لحزب "الجمهوريين" أظهرت مرشحاً لا يخلو من قسوة وعنف من أجل التعبئة وتجييش المتعاطفين، فلأنه كان يريد، كما يحاول أن يُقنع بعض أنصاره أنفسهم، أن يعثر له على مكان بين خطابات حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، في مواضيع متعددة، كالهجرة والإسلام والاتحاد الأوروبي، والتي ما فتئت رئيسة هذا الحزب، مارين لوبان، تعرض عليه العمل معاً، وبين خطابات معتدلة أو أقل تطرفاً ومُحافَظة، من داخل معسكره السياسي، لم يكن بعضها مختلفاً عن مواقف وتصرفات حكومة إدوار فيليب، رفيقه السابق في الحزب.
ولكن فوكييه، الآن، هو رئيسٌ لكل حساسيات الحزب، وهو ما يعني أن لغة الحملة الانتخابية القاسية، يجب أن تُوضَع فقرات رئيسة منها على الرفّ في انتظار استحقاقات انتخابية أخرى، وبالتالي يجب عليه أن يمد اليد لكل القياديين الآخرين من حزبه، الذين آثروا على الرغم من شعبية بعضهم، عدم منافسته على رئاسة الحزب، وفي الوقت نفسه عدم السقوط في شَرَك ماكرون وحكومته، ومن بينهم قياديون من تيار جوبيه، إضافة رجل نيس القوي، كريستيان إيستروزي، وأيضاً رجل الشمال القوي، كزافيي بيرتران، ثم رئيسة منطقة باريس، فاليري بيكريس. وقد عارض الأخيران علانية، خطابات فوكييه، التي كثيراً ما تتماهى مع طروحات "الجبهة الوطنية"، بل يراها بعضهم أكثر تطرفاً، وأكدا أنهما لن يقبلاها، وهو ما أخرج فوكييه من طوره، فصرّح في حينه: "برتران وبيكريس لا يستطيعان إيقافي. استراتيجيتهما تتمثّل في الانتظار ثم القول إنه أصابني عطل. ولكني لا أحب أن أتوارى".
ولا يبدو أن فوكييه يجهل هذه الحقيقة، حقيقة ضرورة التوفيق بين الاتجاهات وعدم إقصائها، والتي ساهم غيابها في هزيمة فرانسوا فيون، وفي النتيجة المخيبة للآمال في الانتخابات التشريعية، ما دفع كثيرين للاقتراب من حزب "الجمهورية، إلى الأمام"، حزب ماكرون. ولهذا السبب تعمّد فوكييه أن يحيط به، عشية انتصاره الانتخابي الكاسح وتكريسه رئيساً للحزب، بوجوه سياسية من كل الحساسيات السياسية في "الجمهوريين"، من بينهم الوسطي جان ليونيتي، والديغولي جوليان أوبرت، وبريس هورتوفو المقرب من نيكولا ساركوزي، وفيرجيني كالميلس المقربة من رئيس بلدية بوردو، ألان جوبيه، وأيضاً عمدة مدينة بيلفور، داميان ميسلوت، وهو مقرب من رجل الشمال القوي، كزافيي بيرتران.
يدرك فوكييه، كما معارضون آخرون من اليمين واليسار، أنه من أجل إلحاق الهزيمة بماكرون، الذي يتمتع بحكومة متجانسة وأغلبية برلمانية وظرف دولي مساعد، فإنه يتوجب انتظار رئاسيات 2022. وهذا من دون شك، حلم فوكييه، الذي لا يخفي طموحاته في حكم فرنسا، وتنفيذ ما عجز عن تنفيذه معلمه نيكولا ساركوزي. ولكن لكي يحقق ذلك، يتوجب عليه أن يكون مرشح اليمين الأوحد سنة 2022، وقبلها يتعين عليه أن يفرض زعامته الكاملة على الحزب.