تكتسب انتخابات نقابة المحامين السودانيين أهمية استثنائية هذا العام، إذ تضع المعارضة ثقلها لانتزاع منصب النقيب، خصوصاً من حزب المؤتمر الوطني الحاكم، الذي يدخل في معركة حامية مع أحزاب المعارضة، يوم الجمعة المقبل، للتنافس على منصب نقيب المحامين وعضوية المكتب التنفيذي للنقابة.
ويقود الحزب الحاكم قائمة باسم "المحامين الوطنيين"، تتكون من ممثلي أحزاب تشاركه الحكم، أبرزها الاتحادي الديمقراطي والأمة والعدالة والتحرير. ورشح الحزب المحامي عثمان الشريف للمنافسة على منصب النقيب، فيما يقود حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، قائمة باسم "التحالف الديمقراطي للمحامين" وتتشكل من أحزاب المعارضة الرئيسة، أبرزها الشيوعي والبعث وحركة القوى الجديدة، ودفعت القائمة بالمحامي علي قيلوب لمنصب النقيب. ومنذ سيطرة السلطة الحالية على الحكم في العام 1989، بقيت نقابة المحامين حكراً على الموالين لحزب المؤتمر الحاكم الذين لم يجدوا منافسة، خصوصاً في السنوات الأولى من عمر الحكومة. غير أنه وخلال السنوات العشر الأخيرة، ظلت أحزاب المعارضة تدفع بمرشحيها رغم تكرارها للاتهامات بوجود تزوير في كافة مراحل الانتخابات.
ولكن ما يلفت في انتخابات هذه العام دون غيرها، هو بروز خلاف كبير داخل أروقة الحزب الحاكم بين المحامين الموالين له، حول اختيار ممثل الحزب للمنافسة على منصب النقيب، قبل أن يعلن أمين الدائرة العدلية في "المؤتمر الوطني"، محمد بشارة دوسة، في مؤتمر صحافي في الخرطوم أول من أمس، عن حسم الخلاف لصالح المحامي عثمان الشريف، وسط احتجاجات داعمة للأمين العام الأسبق للنقابة هاشم أبو بكر الجعلي، وهتافات تلت المؤتمر الصحافي ضد الأسماء المرشحة. وقال دوسة إن اختيار القائمة تم بتوافق داخل الحزب ومع أحزاب حكومة الوفاق الوطني، مؤكداً أن برنامج القائمة يتوافق مع مبادئ وتوصيات مؤتمر الحوار الوطني، مقللاً من أهمية انسحاب حزب المؤتمر الشعبي من القائمة في اللحظات الأخيرة.
ورغم وجوده كشريك رئيس في الحكومة، فقد قرر حزب المؤتمر الشعبي، الذي أسسه الراحل حسن الترابي، مقاطعة الانتخابات بعد اتهامه للحزب الحاكم بالنكوص عن اتفاق متكامل بين الحزبين حول البرنامج الانتخابي ومنصب النقيب وعضوية المكتب التنفيذي. وأعلن "الشعبي" أنه اتفق بداية مع "المؤتمر الوطني" على الدخول في القائمة التي يتزعمها "المؤتمر الوطني" وعلى أسماء المرشحين، إلا أنه تفاجأ بتغيير كل شيء من دون استشارته. وقال القيادي في حزب المؤتمر الشعبي المحامي كمال عمر، لـ"العربي الجديد"، إن انسحاب حزبه جاء بسبب خيبة الأمل التي أصابته نتيجة خذلان "المؤتمر الوطني". وأضاف عمر إن "المؤتمر الشعبي كان يأمل أن تؤدي العملية الانتخابية لتعزيز مبادئ وتوصيات الحوار الوطني، خصوصاً في شقها الحقوقي والقانوني"، مشيراً إلى أن حالة من اليأس أصابت حزبه من الشريك الذي يستحوذ على السلطة. وتعهد بأن يؤسس حزبه نقابة ظل تعمل على تعزيز الحريات العامة وسيادة حكم القانون في البلاد، وتساهم في الدفاع عن الحقوق الأساسية. وأضاف إن "نكوص الحزب الحاكم عن اتفاقه معنا، بالإضافة إلى مؤشرات وقرائن أخرى، ستدفع الشعبي إلى اتخاذ قرارات صعبة ومفتوحة الاحتمالات بما في ذلك الانسحاب من الحكومة".
ولم يختلف الوضع الخلافي في قائمة "المؤتمر الوطني" عن وضع قائمة المعارضة، إذ أعلن حزب المؤتمر السوداني، أحد أبرز أحزاب المعارضة، انسحابه من القائمة الموالية للمعارضة احتجاجاً على توزيع مقاعد اللجنة التنفيذية. وبحسب مصادر لـ"العربي الجديد" فإن هناك محاولات على مستوى رؤساء الأحزاب لإعادة الحزب إلى قائمة المعارضة. وقال عضو اللجنة الإعلامية لتحالف المحامين، محمود الشيخ، لـ"العربي الجديد"، إن التحالف أكمل كافة استعداداته لخوض العملية الانتخابية، مشيراً إلى أن قائمتهم قلقة كثيراً من تجاوزات محتملة في العملية، أبرزها وأهمها المتعلقة بسجل الناخبين. وكشف عن ضبطهم لنحو 217 ناخباً في السجل يزاولون مهناً أخرى غير المحاماة، وهذا يتنافى، حسب تقديره، مع لوائح الانتخابات، بالإضافة إلى وجود أسماء ناخبين يعملون في وزارة العدل وديوان النائب العام والقوات النظامية. وأكد الشيخ أن ممثلي المؤتمر السوداني الذين انسحبوا من قائمة التحالف يمكن أن يعودوا في أية لحظة في ظل الجهود المبذولة لتجاوز الخلافات، التي اعتبر أنها "ليست جوهرية"، وإنما خلافات محدودة على مقاعد المكتب التنفيذي.