ويسعى ماكرون الذي يلتقي خلال الزيارة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وكبار المسؤولين الجزائريين ويشرف على التوقيع عدد من الاتفاقيات، إلى إعطاء زيارته بعداً اقتصادياً وتصالحياً في سياق محاولة تجاوز الأعباء التاريخية التي تثقل كاهل العلاقة مع الجزائر بفعل آثار الاستعمار، والقضايا الدولية والإقليمية، لا سيما ليبيا ومالي ومنطقة الساحل.
وهبطت الطائرة الرئاسية ظهرا في العاصمة الجزائرية. وكان في استقباله في المطار رئيس عبد القادر بن صالح، رئيس مجلس الأمة الجزائري، ورئيس الوزراء أحمد أويحيى، ووزير الخارجية عبد القادر مساهل.
وقال ماكرون بعيد وصوله لوسائل إعلام محلية جزائرية: "أنا هنا في الجزائر بصفتي صديقاً، وشريكاً بنّاءً يرغب في تعزيز الروابط بين بلدينا خلال السنوات القادمة، من أجل إثمار علاقاتنا الكثيفة". أضاف "العلاقات الجديدة التي أود بناءها مع الجزائر والتي أقترحها على الطرف الجزائري هي علاقة شراكة ند للند، نبنيها على أساس الصراحة والمعاملة بالمثل والطموح".
وأكد ماكرون "لدي نظرة رجل من جيلي، نظرة رئيس تم انتخابه على أساس مشروع انفتاحي. أنا أعرف التاريخ ولكنني لست رهين الماضي. لدينا ذاكرة مشتركة، يجب أن ندرك ذلك". وتابع "على فرنسا أن تبني مع الجزائر محوراً قوياً، محوراً أساسه الحوض المتوسط يمتد إلى أفريقيا. بالطبع هناك صعوبات، ولكن يجدر بنا أن نتجاوزها مع كل الفاعلين في مجتمعينا، ومن أجل هذا علينا أن نعمل معاً في مجالات التربية وتطوير الاقتصاد والمبادلات الثقافية".
ولفت الرئيس الفرنسي إلى أنه "على الجزائر أن تنفتح أكثر. هناك العديد من العراقيل التي تعيق الاستثمار في ما يتعلق بمراقبة المساهمات وقواعد سعر الصرف في الجزائر".
ويلتقي ماكرون المواطنين الجزائريين في وسط العاصمة بعد أن يضع إكليلاً من الزهر على نصب ضحايا حرب الجزائر، بعدها يزور بوتفليقة في منزله في زيرالدة، غرب العاصمة.
ولا يستقبل بوتفليقة، الذي يتولى السلطة منذ 1999، إلا القليل من القادة الأجانب منذ إصابته بجلطة دماغية في 2013.
ويرافق ماكرون وزير الخارجية جون إيف لودريان ووزير العمل جيرالد دارمانان، إضافة إلى وفد اقتصادي رفيع لدعم اتفاقيات الشراكة الموقعة أخيراً بمناسبة الدورة الـ4 للجنة الاقتصادية المختلطة الفرنسية ــ الجزائرية.
وتعتبر باريس الجزائر شريكاً اقتصادياً مهمّاً لفرنسا، فهي تستورد منها ما قيمته 4.7 مليارات دولار، وتصدر إليها ما قيمته 3.2 مليارات دولار ومعظمها محروقات، أي بفائض لصالح فرنسا بقيمة 1.5 مليار دولار.
وستكون ملفات الأمن في منطقة الساحل ومالي واللأزمة الليبية أبرز القضايا التي ستطرح للنقاش في هذه الزيارة، إذ تتقاطع المواقف بين فرنسا والجزائر التي ترفض أي تدخل عسكري في ليبيا، فيما تدفع باريس بهذا الاتجاه، تحت ذرائع متعددة. كما تعمل الجزائر من أجل إحلال السلام في مالي، وتقوم بالمقابل قوات فرنسية بعمليات عسكرية مباشرة هناك.
ووصفت الرئاسة الفرنسية زيارة ماكرون التي سيرافقه خلالها ستون صحافياً، بالهامة وستشكل محطة جديدة في العلاقات بين البلدين.
وكانت آخر زيارة لرئيس فرنسي إلى الجزائر في ديسمبر/ كانون الأول 2012، قام بها الرئيس السابق فرانسوا هولاند.
وما زالت ملفات الذاكرة والتاريخ الدامي بين البلدين تهيمن على أفق العلاقات السياسية بين البلدين، برغم الجهود التي بذلها الطرفان.
وعشية الزيارة، طالب وزير قدماء المحاربين الجزائريين الطيب زيتوني، باريس بتقديم اعتراف واعتذار رسمي عن جرائم الاستعمار، وقال في تصريح: "ما لم تعترف فرنسا بجرائمها الاستعمارية في الجزائر فإنه لن تكون هناك علاقات طبيعية بين البلدين". وقال في برنامج بثته الإذاعة الرسمية، أمس: "لا علاقات حسنة ولا حتى طبيعية قبل الاعتراف بالجرائم الاستعمارية".
وتحصي الجزائر ما يزيد عن 42 ألف ضحية من المرضى المصابين بأمراض قاتلة، بينها السرطان وإعاقات ذهنية وجسدية والربو والتشوهات الخلقية وحالات الإجهاض وأمراض العيون، إضافة إلى ملف المفقودين الجزائريين في سجون الاحتلال قبل الاستقلال، وملف الأرشيف الذي نقلته فرنسا من الجزائر خلال فترة الاستعمار التي امتدت من العام 1830 وحتى 1962، إضافة إلى طلب اعتذار رسمي عن جرائم الاستعمار، خصوصاً عن مجازر مايو/ أيار عام 1945.
يذكر أنه خلال زيارة ماكرون كمرشح رئاسي إلى الجزائر في فبراير/ شباط الفائت وصف استعمار بلاده للجزائر بـ"الجريمة ضد الإنسانية".
من جهة أخرى، اعتقلت قوات الأمن الجزائرية مجموعة من الشباب الذين حاولوا التظاهر وسط العاصمة رفضاً لزيارة ماكرون. وكانت مجموعة من الناشطين والمدونين أطلقت حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لرفض الزيارة، ورفعت شعار "لا لزيارة ماكرون". وسارت مجموعة منهم وسط العاصمة هاتفين: "ديكاج ماكرون" و"يا ديغول خذ أولادك... والجزائر ليست بلادك".
وأظهر تسجيل فيديو عدداً من عناصر الشرطة وهم يقومون باعتقال الشباب ونقلهم إلى مراكز أمنية قريبة، بعد أن أحكموا مراقبة محيط المطار ومداخل العاصمة وشوارعها الرئسية والطرق التي سيسلكها الرئيس الفرنسي.