**********************************
ويرتبط الحديث الإسرائيلي الجديد القديم عن أنفاق المقاومة الفلسطينية في غزة، ودخول 15 منها عمق الأراضي المحتلة عام 1948، مع استعار الخلاف الداخلي، وارتفاع حدة التوتر بين أقطاب الجيش وساسة الاحتلال، مع حلول موعد نشر مقتطفات من تقرير مراقب الدولة عن عدوان صيف 2014. وذكر أعضاء في الكابينت الإسرائيلي أنّ حركة "حماس" تمتلك 15 نفقاً، على الأقل، عابراً للحدود، هذه الأيام. ورغم أنّ الحركة لا تعلق على هذه المعطيات، إلا أنها تقول، إنّ المقاومة "حق مشروع، والتجهيز لأي حرب أو عدوان أمر مطلوب وحتمي".
وتتناقض تصريحات مسؤولي الكابينت مع أحاديث سابقة لرئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق، موشيه يعلون، اللذين يعتقدان أنّ الحركة مرتدعة، ولن تجرؤ على إعادة العمل بالأنفاق. وفي عدوان 2014، فاجأت "حماس" إسرائيل بعمليات قوية داخل العمق المحتل، عبر المرور في أنفاق حُفرت أسفل السياج الفاصل بين غزة وأراضي 1948، ووصل بعضها إلى مواقع عسكرية متاخمة للقطاع، ما أحدث إرباكاً في إسرائيل، خصوصاً لتوفر معلومات مسبقة بوجود أنفاق من تحت السياج، وفشل المستويين السياسي والعسكري في معالجة الأمر.
ويقول المتحدث باسم حركة "حماس"، عبداللطيف القانوع، لـ"العربي الجديد"، إنّ "إسرائيل كيان احتلال، ومن حق المقاومة أن تمتلك كل الإمكانيات لردعها. فنحن شعب تحت احتلال، والاحتلال يمارس جرائم يومية بحق شعبنا، ويبتلع الأراضي الفلسطينية، ويمارس توسعاً استيطانياً". ويؤكد أنّ "من حق المقاومة أن تمتلك كل الوسائل للدفاع عن شعبنا وأرضنا"، مشدداً على أنّ أي حرب قادمة على قطاع غزة ستفشل، كما فشلت الحروب السابقة، والمقاومة تعمل لردع العدوان والحصار المفروض على القطاع. وعن تقارير الاحتلال بشأن حرب 2014 على غزة، يعتبر القانوع الأمر "شأناً داخلياً إسرائيلياً"، غير أنه يشير إلى أنّ الاحتلال فشل فشلاً ذريعاً، ولم يحقق أي هدف من حربه على غزة، أو أي هدف من الحصار على القطاع، وكل مرة تفشل محاولات الحصار والتحريض والعدوان ولم تستطع كسر إرادة الفلسطينيين. ويشدد المتحدث باسم "حماس" على أنّ "شعبنا ومقاومته ماضون في امتلاك المزيد من الوسائل لدحر أي عدوان يهدد به الاحتلال، ولن تضرهم التهديدات والتحريض الإسرائيلي شبه اليومي".
من ناحيته، يربط الخبير في الشأن الإسرائيلي، حاتم أبو زايدة، بين تداول ملف الأنفاق الهجومية الخاصة بالمقاومة الفلسطينية وبين تقرير مراقب دولة الاحتلال الإسرائيلي، يوسف شبيرا، الخاص بإخفاقات الحرب على القطاع عام 2014. ويقول أبو زايدة، لـ "العربي الجديد"، إن الحديث المتكرر أخيراً، عن الأنفاق يأتي في إطار البحث عن خطط، ووضعها في الاعتبار ضمن أي حرب مقبلة بين الفصائل الفلسطينية في غزة وإسرائيل. ويشير إلى أنّ كل الدلائل تثبت عدم وجود نية لدى الاحتلال لخوض حرب جديدة في المرحلة الحالية، في ظل عدم جهوزية المشهد الإقليمي لذلك، وعدم وجود أي مبرر لتسويق عدوانه أمام الرأي العام العالمي. ويوضح أبو زايدة أنّ إسرائيل تدرك وعي الفصائل الفلسطينية، أن المشهد الإقليمي والدولي ليس في صالحها، من أجل خوض أي مواجهة مع الاحتلال في المرحلة الحالية، لذلك لا تسعى إلى التصعيد مع تل أبيب حالياً من أجل تجنب حرب جديدة على غزة. ويشير إلى أنّ الفصائل الفلسطينية في القطاع أرسلت عبر أطراف ثالثة، وبعض الوسطاء، للاحتلال عدم رغبتها الدخول في مواجهة جديدة في الوقت الراهن، إلا أنها تتوقع الأسوأ وتضع خططها لاحتمالية قيام الاحتلال بهجوم مفاجئ. وينبه إلى أن الفصائل تحاول القيام بكل الخطوات المتاحة لتجنب الدخول في حرب جديدة في الوقت الحالي، عبر الأطراف المختلفة والرسائل المتعددة، في الوقت الذي تعلم فيه إسرائيل أن الفصائل ليست بصدد القيام بمهاجمتها حالياً.
ويلفت رئيس مركز "أبحاث المستقبل"، إبراهيم المدهون، إلى أنّ هناك تهويلاً إسرائيلياً تجاه قضية الأنفاق في قطاع غزة، يهدف من خلالها الاحتلال إلى تحريض المجتمع الدولي والإدارة الأميركية الجديدة على القطاع. ويوضح المدهون، لـ"العربي الجديد"، أنّ الإشكالية ليست في الأنفاق أو عملية تسلح القطاع، الإشكالية الأكبر هي في الحصار المفروض على غزة، وانسداد الأفق السياسي وعدم تقديم أي عرض سياسي، ويريد الاحتلال أن يحرف مسار وآلام القطاع وتسليط الضوء على غزة وتكثيف المبالغات. ويلفت إلى أنّ الاحتلال قلق بشكل حقيقي من سلاح الأنفاق في ظل التقارير المبالغ فيها، إلا أن مسألة الدخول في حرب جديدة أضحت أكثر تعقيداً لدى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بعد الحروب الثلاث الماضية في القطاع. ويضيف المدهون أنّ التجربة أثبتت للاحتلال أن شن عدوان على غزة لم يعد سهلاً، في الوقت الذي تتمتع فيه المقاومة بالذكاء لسحب الذرائع التي يريدها الاحتلال لشن حرب جديدة على القطاع خلال الفترة المقبلة، وتركيز الاحتلال سينصب على دعم موازنة الجيش. ويرى المدهون أن الأولوية لدى دولة الاحتلال الآن تكمن في دعم موازنة الجيش والمشاريع التكنولوجية الخاصة بالكشف عن الأنفاق ومحاربتها، بدلاً من الذهاب إلى خوض حرب جديدة، في الوقت الذي يشدد فيه من حصاره على القطاع.