جدد الاعتداء الإرهابي الذي وقع في لندن يوم الأربعاء الماضي، وكان أحد ضحاياه شرطي غير مسلح، النقاش أو الجدل حول مغزى إبقاء بريطانيا على أكثر من 90 بالمائة من أفراد جهاز شرطة العاصمة من دون سلاح. ويتساءل البعض إلى أي مدى سيبقى رجال الشرطة يحرسون الأمن والأمان في شوارع لندن بعصي لا تختلف كثيرا عن هراوة حملها أول شرطي بريطاني قبل 188 عاماً.
يعود تاريخ تشكيل جهاز الشرطة في لندن إلى العام 1829، بقيادة روبرت بيل، الذي أصبح لاحقاً وزيراً للداخلية. ومنذ ذلك التاريخ اصطلح الناس على تسمية رجال الشرطة بـ"البيلرز" أو "البوبيز". وفي ذلك العام، سيّر قائد الشرطة أول دورية في شوارع لندن، وبلغ عديد جهاز الشرطة آنذاك حوالي 2500 عنصر وضابط. واتخذ جهاز الشرطة مقرا له في جادة "سكوتلانديارد"، وسط لندن، وبات الجهاز يُعرف منذ ذلك الوقت باسم "شرطة سكوتلانديارد"، واتخذ من "فرض الأمن بالتوافق وليس بالقوة" عقيدة له. وكان زي الشرطة في بداية التأسيس يتكون من جاكيت أزرق طويل وخوذة معدنية بذيل من القماش، واقتصر سلاح الشرطي على هراوة، و"راتل"، وهي أداة (تشبه "خُشخيشة" الأطفال) تصدر صوتاً عالياً عند التلويح بها، وكانت تستخدم للإنذار. لم يتقبل الناس جهاز الشرطة الجديد، وكانوا يفضلون "الحرس الكنسي"، خوفا من تغوّل أفراد الجهاز الجديد وسوء استخدامهم للسلطة باعتقال معارضي الحكومة ومنع التظاهرات والتضييق على حرية التعبير، ولم يتغير الموقف الشعبي إلا في عام 1856، مع صدور قانون نظم خدمات جهاز الشرطة.
وكشف استطلاع أجري بين أفراد شرطة "سكوتلانديارد" في فبراير/ شباط الماضي، أن غالبية رجال وضباط الشرطة لا يطالبون بتسليح جميع الأفراد والضباط، ولكن 75 بالمائة منهم يرون أن تصاعد خطر الإرهاب يتطلب زيادة عدد قوات الشرطة المسلحة، مع زيادة عدد أفراد وضباط الشرطة المُرخّص لهم باستخدام مسدسات الصعق الكهربائي. وفي تعليقه على نتائج الاستطلاع، قال القائد من الشرطة المسلحة في "سكوتلانديارد"، مات تويست: "لا يزال جهازنا يفخر بتقاليده العريقة، المتمثلة في كونه خدمة شرطة غير مسلحة في الغالب".
يتلخص الجدل حول تسليح كامل أفراد شرطة "سكوتلانديارد"، أو المحافظة على تقاليدها والاكتفاء بقوات مسلحة، بين من يرى أن تزايد خطر الإرهاب، وتعرض المزيد من رجال الشرطة للخطر وربما للموت، كما كان مصير الشرطي كيث بالمر، الذي لقي مصرعه طعنا بسكين أمام البرلمان يوم الأربعاء الماضي، يستدعي تسليح رجال الشرطة. وبالمقابل يرى معارضو تسليح أفراد الشرطة، أن تسليح أفراد الشرطة وتجوالهم في الشوارع وبين عامة الناس بأسلحة نارية، يعني التخلي عن عقيدة "فرض القانون بالتوافق لا بالقوة"، ومن شأن ذلك إحداث شرخ في العلاقة بين رجال الشرطة والناس، وربما يتطور هذا الشرخ إلى انعدام الثقة وصدامات، كما وقع بين عناصر الجيش البريطاني والشرطة المسلحة من جهة، والناس في إقليم إيرلندا الشمالية، من جهة أخرى.
ويرى كبار ضباط الشرطة في بريطانيا أنه "من الأسهل على الشرطة أن تبقى غير مسلحة إذا ما فعل المدنيون الشيء نفسه"، فـ"مجتمع غير مسلح هو مجتمع مهذب"، كما يقول ألبرس، من كلية سيدني للصحة العامة. ويستدل هؤلاء بأرقام تظهر عدم ميل المجتمع البريطاني للعنف، فمن بين كل 100 شخص في بريطانيا، هناك أقل من أربعة يمتلكون سلاحا ناريا، بينما هناك أكثر من بندقية واحدة لكل شخص في الولايات المتحدة.
ويرى المؤيدون لبقاء الشرطة دون سلاح، أن الأحكام القضائية العالية بحق المخالفين والمجرمين، وتعزيز الثقة والتعاون بين الأمن والعامة، وربما استخدام أسلحة الصعق، هي البديل لتعزيز الأمن وعزل الجريمة والإرهاب. كما يرى منتقدو التسليح الشامل للشرطة أن من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من الأخطاء المأساوية، مثل إطلاق النار على أبرياء، أو اللجوء إلى إطلاق النار دون مبرر كاف، ما يخلق اضطرابات واحتجاجات أهلية، مثل تلك التي تندلع من حين إلى آخر في الولايات المتحدة. يشار إلى أن بريطانيا ليست وحيدة في تقليدها الشرطي، فهناك النرويج، ونيوزيلندا، وإيسلندا، وجمهورية إيرلندا، و16 بلداً صغيراً في جزر المحيط الهادي، تتمسك بأجهزة شرطة غير مسلحة.