في ملف أستانة 3، حاول وزير خارجية كازاخستان، كايرات عبد الرخمنوف، التقليل من شأن الخروق الجوهرية لاتفاق وقف إطلاق النار من قبل النظام، مشيراً في تصريحات صحافية، أمس الإثنين، إلى أن "معظم المشاركين في عملية التسوية راضون عن السير الناجح لعملية أستانة". وأكد أن "موعد اللقاء التفاوضي المقبل في أستانة هو يوما 14 و15 مارس/آذار الحالي"، منوّهاً إلى أن "الدول الراعية للمفاوضات تحدّد مستوى هذا اللقاء وشكله". وأشار المسؤول الكازاخي إلى أنه "نقل قلق المعارضة السورية من عدم تطبيق كامل بنود الاتفاق إلى ممثلي الدول الراعية لمفاوضات أستانة".
وبالتزامن مع اللقاء المرتقب، واصل النظام قصفه لمختلف المناطق، وكأن اتفاق التهدئة غير موجود، مستفيداً من تراخٍ وتسويفٍ روسي مقصود، وفق ما ذكر مصدر في وفد الفصائل، الذي أشار إلى أن "المعارضة لم تتلقّ رداً على ورقة قُدمت في أستانة 1، تتضمن 27 بنداً تتعلق باتفاق وقف إطلاق النار وتثبيته، رغم وعود روسية متكررة لتقديم إجابات مكتوبة عنها".
في هذا السياق، أوضح المستشار السياسي لوفد الفصائل العسكرية المفاوض في أستانة، يحيى العريضي، أنه "اجتمع مع الوزير الكازاخي في جنيف منذ أيام"، كاشفاً في حديثٍ مع "العربي الجديد" عن أنه "قدّم له مذكرة باسم الفصائل تتعلق بتثبيت وقف إطلاق النار، مفادها أن أستانة في خطر إن لم يتم وقف إطلاق النار". وأشار إلى أن "النظام وحلفاءه لم يلتزموا باتفاق وقف إطلاق النار، والروسَ الضامنين للاتفاق إما أنهم كذبوا، أو راوغوا، أو عجزوا عن دفع النظام والمليشيات الطائفية إلى التقيّد باتفاق التهدئة"، مضيفا أن "الوعود الروسية لنا تراكمت من دون تنفيذ أي منها".
ونوّه العريضي إلى أن "اجتماعاً خاصاً باتفاق التهدئة، عُقد مع الجانب الروسي على هامش الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف"، مشيراً إلى أن "المعارضة طالبت بإيقاف الخروق في الغوطة الشرقية، وريف حماة، وحي الوعر الحمصي، ودرعا، وإدلب، قبيل العودة الثالثة إلى أستانة للنظر في آليات تثبيت الاتفاق". ولفت إلى أن "الجانب الروسي يتصرف تصرف المحتل، وكأن الآخرين غبار".
وذكر العريضي أن "موسكو تغضّ البصر عن محاولات النظام وإيران قضم المناطق التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة، لخدمة استراتيجية روسية تهدف لسيطرة النظام على كامل الجغرافيا السورية، لفرض ما تريد على المعارضة". وأكد أن "لا تفويض لرئيس وفد النظام في جنيف وأستانة بشار الجعفري، فمهمته نسف المفاوضات فقط". وأوضح أن "الفصائل لم تحسم أمرها بخصوص الذهاب إلى أستانة 3، وعندما تصل الدعوة نقرر".
ميدانياً، اتجهت الأمور في منبج إلى مزيد من التأزيم، في ظلّ محاولات متكررة من قبل "قوات سورية الديمقراطية" التي تشكل الوحدات الكردية قوامها، تجنّب صدام مع قوات المعارضة التي تقترب أكثر من المدينة. وفي هذا الصدد، ذكر "مجلس منبج العسكري" التابع لـ"قوات سورية الديمقراطية"، أنه "ليس في الوارد تسليم المدينة لقوات النظام، ومليشيات طائفية موالية لها"، وأنه "اكتفى بتسليم قرى لهذه القوات على الخط الفاصل بين قوات المجلس المذكور وقوات (درع الفرات)، التابعة للمعارضة السورية".
وحاول المجلس في بيان، صدر عنه مساء الأحد، الإيحاء بأنه "تحت حماية التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة"، في رسالة واضحة لقوات المعارضة، والجيش التركي الداعم لها، لإجهاض نواياهم بالتقدم نحو منبج. وذكر أن "منبج تحت حمايته ورعاية التحالف الدولي وحمايته"، مضيفاً أنه "لن نسمح لأي قوة أخرى الدخول اليها".
بدوره، أشار الناشط الإعلامي عمر الشمالي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "بيان المجلس إعلامي"، مؤكداً أن "قوات سورية الديمقراطية لم تسلّم مناطق للنظام". واعتبر أن "هذه البيانات محاولات للاختباء وراء أطراف عدة، منها روسيا والولايات المتحدة من خلال رفع أعلامهما في المدينة".
وجاء بيان "مجلس منبج العسكري" قبيل أيام من زيارة مقررة للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى موسكو، حيث من المفترض أن يكون الملف الحاضر هو الأقوى في المباحثات التركية الروسية. وكانت وسائل إعلام تركية أشارت منذ أيام إلى أن "خطة تركية لانتزاع السيطرة على منبج باتت جاهزة، وسيقوم آلاف المقاتلين المنضوين في عملية (درع الفرات) بالانقضاض على المدينة لحسم الصراع عليها". وكان السباق المحموم على مدينة منبج (80 كيلومتراً شمال شرقي حلب)، قد بدأ إثر سيطرة قوات المعارضة أواخر الشهر الماضي على مدينة الباب، التي كانت آخر معاقل تنظيم "داعش" في ريف حلب الشمالي الشرقي.
وتدرك جميع أطراف الصراع في شمال سورية أهمية منبج، وكل طرف له غاياته في انتزاع السيطرة عليها، وفرض نفسه في أي معادلات تسوية مقبلة. فتركيا تهدف إلى دق المسمار الأخير في نعش الإقليم الكردي في شمال سورية، وطرد مليشيا الوحدات الكردية إلى شرقي نهر الفرات، فيما تتمسك الأخيرة بالمدينة بانتظار تسويات، ربما تعطيها بعض ما تسعى إليه لجهة الاعتراف بوجود كردي في شمال سورية، تكون منبج في قلبه، كونها تربط بين كانتونات يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي من الحسكة، مروراً بتل أبيض وعين العرب وانتهاء بعفرين شمال غربي حلب.
من جهتها، ترى المعارضة أن منبج هي البوابة الحقيقية للاتجاه شرقاً نحو الرقة، وتأكيد دورها الوطني في تحرير الأرض السورية من تنظيم "داعش" ومليشيا الوحدات المتهمة بالتعاون مع النظام. أما النظام فيسعى إلى قطع الطريق أمام أي طموح تركي في تحويل الشمال السوري إلى منطقة لتركيا، وعدم السماح للنظام بالعودة مرة أخرى إلى حدودها الجنوبية.
كما يهدف النظام إلى فتح طريق بري يربط الحسكة الغنية بالنفط مع مناطق نفوذه الأخرى في سورية. ومن المرجح أن ينتقل ملف مدينة منبج إلى مستويات خطيرة ربما تؤدي دوراً في تأزيم الصراع، وتحوّله إلى حرب بالوكالة بين أطراف عدة، خصوصاً بين تركيا وإيران الطامحتين إلى تأكيد دورهما الإقليمي في ملفي سورية والعراق.
في غضون ذلك، لا تزال قوات النظام ومليشيات موالية لها تتقدم بسرعة للوصول إلى مدينة الخفسة، الواقعة على بعد نحو 22 كيلومتراً شرقي مطار كويرس العسكري، لانتزاع السيطرة على محطتي مياه، إحداهما تغذي مدينة حلب بمياه الشرب، قام التنظيم أخيراً بتعطيلها.
وذكر ناشط إعلامي في شرقي حلب، لـ"العربي الجديد"، أن "قوات النظام وصلت الأحد إلى قرية جبلة الصلمة، وتفصله قرية الكيارية عن محطتي المياه في الحبوبة، والبابيري بالقرب من الخفسة. وأن آلاف المدنيين خرجوا من قراهم ويواجهون ظروفاً إنسانية بالغة البؤس في ظل غياب أي اهتمام إعلامي بهم".
وأوضح أن "المدنيين الهاربين من القصف المتواصل يواجهون ألغاماً زرعها داعش، الذي يمنع المدنيين من التوجه إلى مناطق تقع تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية، متخذاً منهم دروعاً بشرية". وأشار إلى أن "نحو 70 ألف مدني في مدينة الخفسة والقرى المحيطة بها يواجهون ظروفاً إنسانية"، مطالباً المنظمات الدولية بالتحرك لتأمين ممرات آمنة لها.
بدورها أكدت غرفة عمليات "غضب الفرات" التابعة لـ "قوات سورية الديمقراطية"، المدعومة من التحالف الدولي، أنها "قطعت الطريق الواصل بين الرقة ودير الزور، في إطار المرحلة الثالثة من العملية"، إلا أن مصادر محلية قللت في حديث مع "العربي الجديد" من الأمر، مشيرة إلى أن "للإعلان غايات إعلامية وأن هناك العديد من الطرق التي تربط المدينتين".