قبل شهر لم يكن الكثير من الجزائريين يعرفون شيئاً، عما يعرف بالطائفة الأحمدية، لكنها تحولت سريعا إلى قضية انشغال إعلامي وسياسي لافت في الجزائر، منذ بدء الإعلان بالتوالي عن توقيف أفراد من الطائفة في عدد من المدن الجزائرية، وتوقيف أميرها في الجزائر في 23 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وفي نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي، أعلنت السلطات الجزائرية عن اعتقال 64 منتمياً إلى هذه الطائفة التي بدأ الحديث عن تواجدها في الجزائر بشكلٍ لافت منذ بداية السنة الماضية، بعد تقارير أمنية تفيد عن نشاط سري لهذه المجموعة الدينية.
وأشارت التقارير إلى "قيام مجموعات محدودة من الأشخاص في مناطق متفرقة، بممارسة شعائر دينية في غير الأماكن المخصصة لها، والقيام بتصرفات غريبة عن الدين الإسلامي". ونفذت مصالح الأمن عدة عمليات مداهمة، وتفتيش لمساكن المشتبه بهم أسفرت عن حجز كمية كبيرة من الأقراص المضغوطة، ومطبوعات ومجلات ونسخ من المحاضرات لزعماء هذه الطائفة، فضلاً عن مجموعة من الكتب والمجلدات، لها علاقة مباشرة بنشر الأحمدية.
وتشير التحقيقات الى اعتراف عدد من الموقوفين بانتمائهم إلى الطائفة الأحمدية ونشاطهم السري منذ عام 2008، فضلاً عن العلاقة التي تربطهم بأشخاص آخرين ينتمون إلى الجماعة، بعضهم من جنسيات أجنبية يقيمون في الجزائر، هدفهم بث ونشر تعاليم هذه الطائفة في وسط المجتمع الجزائري.
وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري، محمد عيسى، تحدث عما وصفه بغلق ملف "الأحمدية" وتفكيك كل خلاياها التي كانت تنشط بشكل سري. ووجهت إلى عناصر الطائفة تهم "الإساءة بالمعلوم من الدين وشعائر الإسلام، وجمع تبرعات بدون رخصة، وتخزين وثائق مطبوعة، بهدف زعزعة إيمان المسلمين، وكذلك ممارسة شعائر دينية في غير الأماكن المخصصة لها، والإساءة للرسول"، وتقرر وضعهم تحت الرقابة القضائية.
لكن وباستثناء تصريحات الوزير وبيانات أجهزة الأمن بخصوص عدد الموقوفين من المنتمين إلى الطائفة الأحمدية، لم تقدم السلطات الكثير من المعطيات، أو اعترافات مباشرة من الموقوفين المنتمين إلى هذه الطائفة.
ويرفض الأحمديون في الجزائر الظهور العلني ويصرون على العمل بشكل غير معلن. ويؤكد أحد الناشطين في الجماعة، رفض ذكر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد" أن "السلطات في الجزائر تنظر إلينا على أساس أننا خارجون من ملة الإسلام وهذا غير صحيح، نحن جماعة تجديدية للدين، وما ينسب إلينا من الخروج من الملة أو الضلال كذب وافتراء".
ويضيف "حاولنا أن نؤسس جمعية مدنية للقيام بعمل خيري، وكان يفترض أن تواجهنا السلطات بالحجة والفكرة لأننا نحمل فكرة تجديد للدين بدلا من أن تطاردنا أو تعتقلنا"، نافيا أن تكون للأحمديين في الجزائر صلات بأطراف أجنبية.
وفي هذا السياق، أوضح "ليس لنا أية علاقات مع أية جهة خارجية، وهناك من اتهمنا بالولاء لإسرائيل وهذا أمر غير حقيقي مطلقا، ونحن نحترم قوانين البلد ولكن من حق كل منا أن تكون له حرية المعتقد"، مشيراً إلى أن "وزارة الشؤون الدينية في الجزائر عملت على توجيه الإعلام لإدانتنا، ولا أعرف بما تديننا وزارة الشؤون الدينية، وإذا كنا بهذا المستوى من الخطورة، فلماذا تم وضع المتهمين من الجماعة تحت الرقابة القضائية بدلا من سجنهم"؟
وبغض النظر عن موقف عناصر الطائفة الأحمدية والموقف الشعبي منها، فإن مستوى التركيز الرسمي والإعلامي على القضية، دفع إلى التساؤل عما إذا كانت هذه الجماعة الدينية قد حققت اختراقا للمشهد الديني في الجزائر؟ أم أنه تم تضخيم التعاطي معها لأغراض أخرى؟
جمعية العلماء المسلمين في الجزائر، التي تعد من بين أبرز المؤسسات الدينية في البلاد، تعتبر أن قضية الطائفة الأحمدية وقع تضخيمها في الإعلام. ويعتقد رئيس الجمعية، عبد الرزاق ڤسوم "أنها أخذت أكثر مما تستحق، وأن وجود هذه الطائفة في البلاد، دليل على وجود اختراق فكري وديني للمرجعية الدينية للشعب الجزائري"، وفق تصريحات إعلامية له.
ولفت الى أن "الخطورة التي نخاف بشأنها من الطائفة الأحمدية، هي أن تتسلل إلينا وتتسلل معها اتجاهات سياسية باطلة مثل الداعشية، ولذلك ينبغي أن نتصدى لها بكل ما نملك من وسائل حتى نحمي أبناءنا وبناتنا من هذا النوع من الادعاء المنحرف لديننا وعقيدتنا". لكنه يعتقد أن وجود هكذا طوائف في الجزائر ليست سوى نتيجة "غياب تمكين العلماء الحقيقيين العاملين بعلمهم، وفي مقدمتهم جمعية العلماء المسلمين من أداء واجبهم في التصدي لهذه الطوائف".
وأضاف "نعتقد أن الخطاب المسجدي رغم ما لحقه من تحسين لكنه لا يزال يعاني من نقص في إيصال الخطاب بالأسلوب المقنع والعلمي"، مشيراً الى أن "موقف جمعية العلماء المسلمين ثابت، ويتصدى لكل ما هو خارج عن الدين الإسلامي، بالأمس تصدينا للشعوذة والتضليل باسم الدين، واليوم نتصدى أيضا للتضليل باسم الطائفية، وباسم العدوان على عقيدة الشعب وعقله وقناعته".
وبخلاف موقف جمعية العلماء المسلمين، يعتقد كثيرون أن قضية الطائفة الأحمدية أعطيت بعدا إعلامياً وسياسياً أكبر من حجمها، بل يضعها المفكر الجزائري، أحمد دلباني، ضمن منظور مغاير، ويعتبرها قضية حرية فكر عقدي ويستغرب التعاطي الأمني مع هكذا قضية.
ولفت في تصريحات إعلامية إلى أنّه "عموما قضية الطائفة الأحمدية لا تخرج عن اثنين، إما أنها أمنية، وبالتالي تكون المشكلة من اختصاص أجهزة الأمن، التي من شأنها أن تكشف عن علاقات مزعومة لأتباع الطائفة الأحمدية بجهات أجنبية، وإما أن القضية تتعلق بانحراف مزعوم في عقائد أتباع الطائفة الأحمدية عن الإسلام الصحيح، وهذا أيضا يكشف عدم احترام وزير الشؤون الدينية محمد عيسى للدستور الجزائري الذي يكفل حرية المعتقد".
واعتبر المتحدث أنّ "وزارة الشؤون الدينية في الجزائر لا تزال تعتقد بدورها الإكليروسي العتيق، الذي ينسف كل أساس لفكرة الجمهورية أو المواطنة، كأن الدولة هنا ليست معنية بضمان حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية، بقدر ما يهمها أن تمارس الوصاية على شاكلة الكنيسة أو دولة الخلافة في الماضي، عندما كان يتم الإعلان عن عقيدة الدولة الرسمية".
من جهته، يعتقد الباحث في شؤون الإعلام الديني والفرق الإسلامية محمد بغداد، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الإدعاء بأن الطائفة الأحمدية لها علاقات بشخصيات نافذة، مجرد فزاعة من أجل رفع درجات التخويف".
ويشير إلى أنّ "الحديث المبالغ به عن الطائفة الأحمدية، مرتبط بسياق ارتفاع حدّة الصراع المحموم على الحقل الديني، من قبل أشخاص فاشلين خاصة بعد انسحاب الأحزاب الإسلامية من الحقل الديني التقليدي، وهؤلاء الفاشلون صنعوا قضايا وهمية من أجل الترويج لها والحصول على مكانة في المجتمع عبر الترويج للخوف من التيارات الأخرى".
كما يرى أن "الطائفة الأحمدية صناعة شخصيات فاشلة في الحقل الديني تريد أن تكسب من خلالها مكانة باستغلال الإعلام غير المحترف في القضايا الدينية، وتخويف المؤسسات الأمنية وتوريط القضاء ودفعها إلى حروب وهمية"، محذّراً من أن ذلك "سيكون له تداعيات خطيرة على البلاد".