غرفة عمليات أميركية-تركية-روسية في أنطاليا لحسم "أبطال" معركة الرقة

إسطنبول

باسم دباغ

avata
باسم دباغ
08 مارس 2017
82CCBA81-4283-4A2F-A4E0-93A5D3631FEF
+ الخط -
يبدو الاجتماع الثلاثي، الأميركي ــ الروسي ــ التركي، والذي يختتم اليوم الأربعاء، بعدما بدأ أمس الثلاثاء، في مدينة أنطاليا، بين رؤساء أركان جيوش كل من الولايات المتحدة الأميركية وتركيا وروسيا أقرب إلى أن يكون غرفة عمليات ثلاثية عنوانها العريض تنسيق إدارة المعارك السورية أولاً، والعراقية تالياً. لكن بدا واضحاً من الظروف التي تعقد في ظلها الاجتماعات غير المسبوقة هذه، أن الأولوية هي للملف السوري، على ضوء ترسيم الحدود العسكرية الجاري في منطقة أرياف حلب على الحدود التركية، وصولاً إلى خط مجرى الفرات وانتهاء بالطريق إلى الرقة، وربما بعدها إلى دير الزور، بموازاة التقدم الكبير الحاصل على جبهة الموصل، إذ من المفترض أن تلتقي الجبهتان في وقت لاحق من هذا العام وفق ما هو مقرر.


وإن صحّت فرضيات يتداولها كثيرون، فإن إعلان الجيش الروسي عن وقف لإطلاق النار حتى 20 مارس/آذار في الغوطة الشرقية، ليس قراراً بعيداً عن اجتماعات أنطاليا، إذ يبدو أن المطلوب هو تهدئة جميع الجبهات للتفرغ، بشكل جماعي أو على الأقل بتنسيق كامل بين القوى الكبرى والأطراف الموجودة على الأرض السورية، للمعركة ضد "داعش".
كل هذا إن صحت الفرضية، لأن المؤشرات إلى كذب الإعلان الروسي كثيرة، بدءاً من كلام "مصدر رفيع المستوى" من النظام لصحيفة "الوطن" الموالية، عن أنه "ليس هناك "أي معلومات" حول اتفاق محتمل للهدنة في الغوطة الشرقية والضواحي الأخرى في شرق العاصمة السورية، وصولاً إلى تأكيد مصادر المعارضة في تلك المنطقة أنها شهدت قصفاً عنيفاً يوم الثلاثاء. بجميع الأحوال، فإن وصول النظام إلى مشارف مطار كشكش على الضفة الغربية لنهر الفرات، يندرج ضمن خانة كسبه المناطق بقرار دولي يجنّبه الاشتباك مع القوات التركية والفصائل المعارضة الحليفة لها، وسط عدم ممانعة أنقرة، بما أنها لن تتمكن من إطلاق عملية للسيطرة على منبج "من دون تنسيق مع روسيا والولايات المتحدة"، وفق اعتراف رئيس الحكومة التركية بن علي يلدريم قبل اجتماع أنطاليا الذي جمع كلاً من رئيس أركان الجيش الأميركي جوزف دانفورد إلى جانب نظيريه الروسي فاليري غيراسيموف والتركي خلوصي آكار. وفي الشق المتصل بالكلام الرسمي عن اجتماعات أنطاليا، قال يلدريم إن المحادثات "تسعى إلى تحسين التعاون لتفادي خطر صدامات غير مرغوبة". وأضاف في كلمة ألقاها في أنقرة أن سورية تحتاج إلى التخلص "من المجموعات الإرهابية كافة"، و"بحث كيفية التنسيق بأفضل طريقة ممكنة، وتجنب تأثير كل من الأطراف على عمليات الآخرين والتسبب بتطورات مزعجة أثناء محاربة الإرهاب". ويتباين التصريح الأخير ليلدريم مع تهديدات أنقرة السابقة بأنها ستضرب المقاتلين الأكراد السوريين الذين تعتبرهم "إرهابيين"، في حال لم ينسحبوا من منبج. وانتقد يلدريم الثلاثاء خيار بعض الحلفاء "المؤسف" الذي وقع على فصائل كردية بصفتهم شركاء في مكافحة الجهاديين في سورية، في إشارة واضحة إلى كل من روسيا وأميركا. والاجتماع الثلاثي هو الأول من نوعه منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 وتحولها إلى حرب أهلية، في ما بدا محاولة للتفاهم حول معركة القضاء على "داعش" وتنظيم القاعدة في سورية، بعد الأزمة التي حصلت في منطقة منبج بين موسكو وأنقرة وواشنطن، إثر تمكن قوات "درع الفرات" من السيطرة على مدينة الباب وتجهزها للتحرك شرقاً باتجاه منبج. ويأتي اللقاء قبل ثلاثة أيام من الاجتماع الذي سيجمع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة المقبل، في العاصمة الروسية موسكو. وفي الوقت الذي لم ترد فيه واشنطن بعد على المقترحات التركية في ما يخص معركة الرقة، والتي تقدم بها رئيس الأركان التركية، الجنرال خلوصي أكار، إلى نظيره الأميركي الجنرال جوزيف دانفورد، خلال اللقاء الذي جمعهما في قاعدة إنجرليك الجوية الشهر الماضي، يبدو أن الجهود تسير وفق تلميحات الإدارة الأميركية الجديدة إلى رغبتها في مزيد من التعاون مع الروس في الأزمة السورية. وقد بدا هذا الأمر واضحاً بدخول قوات موالية للروس إلى منبج بعد اتفاق مع قوات سورية الديمقراطية، ما أثار غضب الأتراك لأن ذلك يعني منعهم من تحقيق المنطقة الآمنة وطرد الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني) من غرب الفرات.



وتناول الاجتماع، الأوضاع الأمنية في المنطقة ذات الاهتمام المشترك في كل من سورية والعراق، في ما بدا أنه استجابة لطلبات حلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة، سواء الخليجيون أو الأتراك أو الإسرائيليون، باستبعاد إيران. فلم يحضر الاجتماع أي ممثل عن القيادة الإيرانية على الرغم من نفوذ طهران الكبير في كل من سورية أو العراق، سواء بشكل مباشر عبر الحرس الثوري أو غير مباشر عبر المليشيات الأفغانية والباكستانية والعراقية واللبنانية الموالية لها. وتحولت منبج منذ الأول من مارس/ آذار الحالي، إلى خط جبهة مشترك بين قوات الجيش السوري الحر المدعومة من أنقرة من جهة، وبين قوات سورية الديمقراطية، التي يشكل الاتحاد الديمقراطي عمودها الفقري، والمدعومة من واشنطن. وتحظى قوات سورية الديمقراطية بدعم من قوات النظام السوري برفقة المليشيات الموالية له والمدعوم من موسكو. وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة التي يوليها الاجتماع، ربما، لمنع أي تصعيد في الاشتباكات بين الأطراف الثلاثة، لكن لتحقيق هذا، لا يحتاج عادة الأمر اجتماعاً على هذا المستوى العالي، ويتم الاكتفاء بإجراء اتصالات عبر الخطوط الساخنة التي تجمع كلّاً من الأطراف الثلاثة.

الوضع على الأرض في ريف حلب
وسمحت التطورات الأخيرة، في حوض الفرات الشرقي في سورية، لروسيا بتقديم نفسها كشريك رئيسي في معركة الرقة، وذلك بعد أن تمكن النظام السوري بدعم من الطيران والمدفعية والقوات الخاصة الروسية إضافة إلى قوات النخبة من حزب الله اللبناني، من السيطرة على مناطق واسعة في ريف حلب الجنوبي، تقريباً من دون اشتباكات حقيقية مع "داعش". وبعد تماسها مع مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية في مدينة منبج تمكنت قوات النظام السوري من التمدد باتجاه نهر الفرات، حتى إنه لم يبق بينها وبين قاعدة الجراح الجوية (مطار كشكش) الواقعة على الضفة الغربية للفرات في منطقة الخفسة سوى كيلومترين اثنين على أقصى حد، أي أن النظام صار قريباً جداً من استعادة مطاره على ضفة الفرات الغربية.

وأكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، جيف ديفيس، في تعليقه على إعلان كل من مجلس منبج العسكري التابع لقوات سورية الديمقراطية ووزارة الدفاع الروسية عن تسليم منبج وريفها للنظام السوري، بأن القوات الأميركية التي تم سوقها إلى ريف منبج الشمالي لا تمتلك أي صلاحيات بالدخول في اشتباكات مع أي من الأطراف المتواجدة، مشدداً على أن قوات النظام السوري لم تدخل إلى المنطقة. وقال ديفيس إنه "بخلاف الدفاع المشروع عن النفس لا تمتلك التعزيزات التي أرسلناها إلى منبج وريفها أي صلاحيات بالدخول في اشتباكات مع أي من الأطراف المتواجدة". ولفت إلى أن "قافلة المساعدات الإنسانية التي توجهت إلى منبج كانت تابعة للنظام السوري، ولكن القوى التي رافقت القافلة كانت تابعة للروس".

وعلى الرغم من إعلان قوات سورية الديمقراطية تسليم عدد من القرى الحدودية إلى حرس الحدود التابع لنظام الأسد والروس، تستمر أنقرة في إرسال التعزيزات العسكرية إلى منطقة جرابلس وريف منبج الغربي، بينما تستمر قوات "درع الفرات" بالهجوم على قوات سورية الديمقراطية على الجبهات، وتمكنت من استعادة السيطرة على عدد من القرى وأسر العديد من قوات الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري غرب منبج وجنوب الباب، لا سيما أن المعلومات الواردة تؤكد بأن من تسلم القرى ورفع علم النظام السوري هم من قوات سورية الديمقراطية. وبحسب الفيديو الذي تم نشره باسم قوات حرس الحدود، فإن من تلا بيان حرس الحدود السورية، هو أحمد عرش، قائد قوات ثوار منبج التابعة لمجلس منبج العسكري، التابع لقوات سورية الديمقراطية، مع العلم بأن حزب الاتحاد الديمقراطي اعتمد منذ تسلمه مناطق واسعة في ريف محافظة الحسكة في عام 2012، على شبكات المخبرين التابعة لنظام الأسد. كما أن الرئيس المشارك لمجلس منبج المدني، فاروق الماشي، هو ابن ذياب الماشي، أكثر النواب بقاءً في مجلس الشعب السوري، والمعروف بولائه للنظام. وتحتفظ معظم القوى العربية الفاعلة في قوات سورية الديمقراطية، والتي دربها الأميركيون بعلاقات وطيدة مع النظام.

سيناريوهات مقبلة
تؤكد جميع الإشارات التي ترسلها الإدارة الأميركية الجديدة مع استمرار عمليات "غضب الفرات" لعزل الرقة، بأنها لن تتخلى عن قوات سورية الديمقراطية كحليف رئيسي في معركة الرقة، إلا أن اجتماع قيادات الأركان يبدو كأنه يحاول التوصل إلى حل وسط، حل يرضي كلّاً من موسكو وأنقرة للمشاركة في معركة الرقة، وذلك بإبعاد قوات الاتحاد الديمقراطي عن الرقة وإبقاء القسم العربي منها، الأمر الذي لا تعترض عليه الإدارة التركية، وكذلك منح النظام حصة لإرضاء الروس، لا سيما أن الطرفين يمتلكان قوات خاصة فاعلة على الأرض، وقادران على تقديم دعم عال في ما يخص المدفعية الثقيلة، ما سيجنب واشنطن المزيد من الاحتكاك مع أنقرة في حال قررت تعزيز قوات سورية الديمقراطية بالمدرعات والمدفعية.
وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية قد أكد أيضاً أن تعداد القوات الخاصة الأميركية في سورية هو 503 عناصر، مشيراً إلى أن المدرعات التي تم إرسالها إلى منبج أقل من 12 مدرعة، لكنه لفت إلى إمكانية زيادة تعداد القوات الخاصة بتوجيهات من القيادة العسكرية.

دلالات

ذات صلة

الصورة
الهجوم الإسرائيلي على إيران 26/10/2024 (صورة متداولة)

سياسة

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم السبت، أنه شنّ ضربات دقيقة على أهداف عسكرية في إيران، لكن الأخيرة نفت نجاح إسرائيل في الهجوم.
الصورة
مبنى تعرض للقصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت، 26 سبتمبر 2024 (Getty)

سياسة

أطلق الاحتلال الإسرائيلي اسم "ترتيب جديد" بعد إعلانه اغتيال حسن نصر الله ملوحاً بالتصعيد أكثر في لبنان وموجهاً رسائل لإيران وحركة حماس
الصورة
محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرقي إيران/13 فبراير 2021(Getty)

سياسة

اغتيل رئيس جهاز المباحث في قضاء خاش، حسين بيري، بعد تعرضه لإطلاق نار من قبل مسلحين، وقد تبنت ذلك جماعة "جيش العدل" البلوشية المعارضة.
الصورة
رد حزب الله وإيران | لافتة وسط بيروت، 6 أغسطس 2024 (Getty)

سياسة

تواصل إسرائيل الوقوف على قدم واحدة في انتظار رد إيران وحزب الله على اغتيال إسماعيل هنية في طهران، والقيادي الكبير في حزب الله فؤاد شكر في بيروت.