ماذا عن موقف حزبكم في هذه الانتخابات الرئاسية لناحية تحالفه مع فرانسوا فيون وحزب "الجمهوريون"؟
نحن ضحايا لأننا لم نقدّم مرشحاً لحزبنا في انتخابات اليمين والوسط الفرعية. وضحايا لأننا لم نتوفر على مرشح له مصداقية في الانتخابات الرئاسية. وهكذا شاركنا في انتخابات اليمين والوسط، وساندت أغلبيةُ حزبنا المرشح ألان جوبيه، لأن برنامج هذا الأخير عن القِيَم والهوية السعيدة، مثلاً، كانت أقرب من قيَم الوسط منها من قيم فرانسوا فيون. ثم طُرِح السؤال التالي: ما دمنا لَعِبنا ورقة التضامن مع حزب "الجمهوريون"، وما دمنا نريد تناوبا في جهة اليمين، وليس جهة اليسار، فلا حلّ من دون دعم فيون". هذا ما يطرح كثيرا من المشاكل، لأنه بعيدٌ كثيرا عن قِيَمنا، ولأن الأمر تطلَّب أيضاً التفاوض حول اتفاقات فيما يخص الانتخابات التشريعية. هكذا تمَّ التوقيع على اتفاق فيما يخص الانتخابات التشريعية، وقررنا، في غالبيتنا، دعم فرانسوا فيون، بكثير من التحفظ لدى البعض، ولكن في الآن نفسه، ليس لدينا خيار آخَر معقول. وقد استطعنا تغيير بعض الفقرات في برنامج فيون، نحو بنود تشبهنا أكثر.
كيف تعلقين على خروج رئيس الحزب جان كريستوف لاغارد من حملة فيون، مع اشتداد وقع الفضائح، ثم عودته بعد ذلك؟
الأمر منطقي. والأمر من الناحية السياسية مفهومٌ. مع اشتداد كل المشاكل قرر الانسحاب من الحملة، ثم كي يعودَ تطلَّبَ الأمر تفاوُضاً. لأن حزب "الجمهوريون" في كل الحالات لا يمكنه الفوز من دون الوسط. وإذن فقد كانت مناورَة لاغَارْد جيدة. إيمانويل ماكرون، على كل حال، وزيرٌ من اليسار. وبالنسبة للذين يريدون تناوبا في جهة اليمين، فماكرون غير مقبول. وعلى كل فنحن في وضعية غير مريحة.
لكن الوسط، فيما يبدو، قد انحسر، إذا ما نظرنا إلى انضمام بعض ممثليه، ومنهم فرانسوا بايرو، إلى ماكرون.
يجب أن ننتظر لنرى كم من النواب سنوصل إلى البرلمان. وهذا هو مشكل الوسط، فربما ستتم إعادة تشكيله من حول فرانسوا بايرو وجان أرْتْوي، ولكنَّ هذا لن يُسفرَ عن مرشح من الوسط في الانتخابات القادمة. ونحن يتوجب علينا أن نظهر مرشحاً للوسط في الانتخابات الرئاسية القادمة. كما يجب علينا أن نحتفظ بفريق في البرلمان.
لماذا في نظركم، تعود مواضيع الإسلام والعلمانية في الحملات الانتخابية، فهل معنى هذا أن الفرنسيين ليسوا علمانيين؟
قبل كل شيء، يسود سوءُ فهم وتأويل لقانون 1905. ونحن في مجلس الشيوخ قدمنا "تقريرا حول الإسلام"، واستنتجنا أنه لحد الآن لا يزال يُنظَر إلى الإسلام باعتباره ديناً أجنبيّاً. وهذا يشكّل فضيحة، لأنَّ للإسلام مكانتُهُ في كنف الجمهورية. يجب تطبيق القانون، ولا شيء غير القانون.
ماذا الذي تبقى من العلاقات بين العالم العربي وفرنسا، إذا أخذنا الجنرال ديغول كمرجعية؟
لم يتغير شيء. يجب أن نسأل أولاً ماذا تبقَّى من العالَم العربي؟ وقد أدّى الربيع العربي إلى ظهور خريف إسلاموي. وهذا ليس بالشيء الرائع. سورية كارثة، وليبيا كارثة، والعراق، أيضا، بسبب الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، كل هذا أثّر سلبا على من حوله. نخسر موطئا في المغرب العربي، وليست لدينا سياسة واضحة في الصحراء ودول الساحل. أما دول الخليج فلدينا معها علاقات مفضلة لكننا لسنا الوحيدين. كما أن العالَم العربي الإسلامي تغيَّر كثيرا، خلال العشر السنوات الأخيرة، ولا أتصور أننا تأقلمنا مع الوضعية الجديدة، ولا أعتبر أن سياستنا الدولية، في مجملها، كانت ناجحة. وآخر نجاح للسياسة الدولية، كان التفاهم الإيراني ــ الأميركي، وهو تسونامي سياسي، ولم يحدث شيء في مثل أهميته.
في ظل هذا المناخ، هل يمكن للدول العربية أن تعتمد على فرنسا؟ وهو ما تشككين فيه في مقال لك في موقع ميديا بارت؟
انظر إلى حالة الفلسطينيين. ثم قبل هذا، هل يمكن للعرب أن يعتمد بعضهم على البعض الآخَر؟ أنا لا أتحدث عن الجامعة العربية، ألا ترى أنهم عاجزون عن حلّ أي مشكلة بينهم. وأنا أسألك، أنت: كيف حدث أن دول الخليج بكل إمكانياتها المالية والطاقوية والاقتصادية لم تحقق بعد سيادَتَها العسكرية؟
ولكن أوروبا أيضا ليست لديها سيادة عسكرية، ولا دبلوماسية؟
نعم، ولكن ما يجمع بين دول الخليج أكبر، فهي دول جارة بنفس الإشكالية الطاقوية وتتقاسم نفس العلاقة مع أميركا وفرنسا، كما أن مجلس التعاون الخليجي حديث العهد، وغنيّ وبمستوى تربوي عال. إنه قوة، وأنا أعتبر أن ست دول تستطيع أن تفعل ما لا تستطيع أن تفعله 27 دولة، أي دول الاتحاد الأوروبي، التي تعرف تحالفات دوله تجاذبات مختلفة. والآن مع البريكسيت سيكون الأمر أكثر بساطة. أعتقد أن تطورات عديدة إيجابية ستحدُث في السعودية، في محاولة استعادة الصورة. ثم إنّ هناك تقدما يجب إنجازه، إذ لا يمكن أن نكون متفقين حول القِيَم، ما دامت هناك أحكام الإعدام، وغياب حقوق المرأة، وغيرها. وقد التقيت الأمير محمد بن سلمان، وحدثته بنفس الخطاب الذي أقوله لك الآن. فقلت له يمكن لنا أن نكون حلفاء، لكن ثمة مشاكل تتعلق بالقِيَم، مشاكل تتعلق بالصورة ولكن أيضا أخرى تتعلق بالعمق. على العالم العربي أن يتخذ إجراءات ملموسة ضد التطرف وضد الإرهاب، وضبط تدفق الأموال حتى لا تصل إلى الأماكن التي لا يجب أن تصل إليها. ويجب على هذه العوالم العربية، إن على مستوى الأقاليم أو على مستوى المجموع، أن تبحث عن مشروع مشترك، للعمل، وليس فقط لإصدار إعلانات، ثم تبادل المعلومات وتعزيز التعليم، ثم استخدام الضغوط من إيجاد حلّ للقضية الفلسطينية. وما دام أن القضية الفلسطينية، التي هي قضية مركزية، لم تجد الحل، فإن المشكل سيكون معديا ويؤثر على مجتمعاتنا.
لماذا لم تنفذ الحكومة الفرنسية قراري مجلس النواب والشيوخ الفرنسيين بالاعتراف بالدولة الفلسطينية؟
البعض رأى أن الوقت غير مناسب. ثمة أسباب كثيرة، أولها قضية الأشخاص، ثم غياب الإرادة السياسية. أنتَ حين تدعم سياسة بنيامين نتنياهو الذي يشيد مستوطنات حيثما يشاء، وحين لا يتم تطبيق القانون الدولي، وحين يُحتَقَر حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحين تكون الحواجز العسكرية في كل مكان، ثم يُشيَد الجدار... يصبح الوضع الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية مفهوماً. رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لم يُرِد أن تشارك حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، ولكن الأوروبيين والأميركيين فرضوا عليه قبول مشاركتهم. ولكن حين فازت حماس رُفِضَت مصافحة أياديهم الممدودة، وهو ما يدل على نفاق يصعُبُ تحمّله. لا تجد إرادة سياسية لحل المشكلة، ولا أحد يجرؤ على قول لا لإسرائيل. ولا يسعنا سوى استعادة قولة ديغول الشهيرة: في اتجاه الشرق المعقد، أنطلق بأفكار بسيطة، والشرق الأوسط تحدُثُ فيه دائما أشياء جوهرية، ويجب على فرنسا أن تكون حاضرة.
ماذا عن سياسة مكافحة التطرف؟
أنت تعرف، مثلي، وأنا ترأست لجنة تحقيق في مجلس الشيوخ، حول الموضوع وأخرى حول الإسلام، أن التطرف له أسباب كثيرة، ويجب قراءة أعمال الكاتب أوليفيي رْوَا في هذا الصدد، وهنا أشير إلى أني لا أتقاسم أفكار جيل كيبل. ثمة أسباب كثيرة للتطرف منها الأسباب الاجتماعية، ويجب أن ننظر إلى الأمر بجدية، فـ14 ألف شاب متطرف، في فرنسا، الآن، هم أبناء الجمهورية. ومن بينهم نجد 40 في المائة من معتنقي الإسلام. يجب القول بوجود معايير اجتماعية واقتصادية، إضافة إلى فشل سياسة المدينة، وأيضا فشل سياسة الإدماج والأزمة الاقتصادية وفلسطين، وأشياء في سياستنا الخارجية وكثيرا من المواقف والسلوكيات، إضافة إلى نهاية الأيديولوجيات، وضعف التدين. ما الذي يمكن منحه للشباب غير الاستهلاك أو فلسفة تدور حول المال أو شبكات الإجرام؟ لهذا نعثر على أناس وجدوا ملجأ عند "الدولة الإسلامية"، لاكتساب عائلة جديدة وأيديولوجية جديدة، وصراعا جديدا.
لماذا لم يأخذ الإسلامُ بعد مقعدَهُ على مائدة الجمهورية، رغم كل المبادرات والإصلاحات الحكومية؟
ليس للحكومة الحق في فرض أي إصلاح على الإسلام. في التقرير الذي أنجزتُه عن الإسلام مع زميلي أندري ريشاردت (من الإسلام في فرنسا إلى الإسلام الفرنسي، إرساء الشفافية ورفع الغموض)، كنا نريد أجوبة على مجموعة من الأسئلة. والحقيقة هي أن الإسلام الفرنسي هو بين أيدي دول ينحدر منها أغلبية مسلمي فرنسا، ومن بينها المغرب والجزائر وتركيا، وتمتلك تقريبا كل مفاتيح التمويل وشبكة الحلال، التي تُدرّ كثيرا من الأموال. والإسلام الفرنسي عاجزٌ عن تكوين أئمته، وبالتالي يأتينا أئمة من هذه الدول. وإن الذين يريدون حظر البوركيني، باسم العلمانية، يُحاولون تنظيم الإسلام في فرنسا. إنهم ببساطة ينسَون أن قانون 1905 يحظُرُ على الدولة تنظيم الديانات. يجب على المسلمين أن يتكفلوا بمصيرهم وألا يدعوا الآخرين يقررون مكانهم، ولديهم طاقات كبيرة قادرة على تنظيم الإسلام في فرنسا، في انسجام مع قِيَم الجمهورية. وقد حقق وزير الداخلية والأديان السابق برنار كازينوف بعض الخُطى لكنه فشل، بسبب مسائل تتعلق بالأشخاص. لأن طريقة الانتخاب في "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، غير سليمة، ثم إن السيد دليل بوبكر (عمدة مسجد باريس الكبير) يريد أن يظل، دائما، الزعيم، وهو لا يملك القدرة الجسدية ولا نتائج التصويت التي يخسرها بشكل دائم. إن المسلمين هم من يَحقّ لهم أن يُنظّموا شؤون ديانتهم. مشكل الإسلام هو أنه وصل بعد قانون 1905، وبالتالي لا توجد أموال من أجل تشييد مساجد، وليست له وضعية قانونية واضحة.
هل توجد مخاطر وُصول ترامب فرنسي إلى السلطة في باريس؟
نعم. ما هو الشيء الاستثنائي لدينا؟ كل شيء ممكن في هذا الوقت. حتى الانتخابات في فرنسا، لا أحد يملك اليقين بمن سيفوز فيها. العالَم مجنونٌ. فقد أدخلنا إلى فرنسا ما يسمى بالانتخابات الفرعية، ونظامنا السياسي غيرُ جاهز لها، إضافة إلى الكراهية الشديدة التي يعاني منها عالَم السياسة. أرى أن ثمة عملاً يمكن للجمعيات الإسلامية الإقليمية أن تنجزه، فالإسلام له قِيَم وثقافة والإسلام علَّمَنا الشيءَ الكثير. ونحن ندين للعالَم العربي الإسلامي بمنجزات أكبر علماء الرياضيات والفلك والفلسفة. والأندلس التي كانت أرضا للتسامح، وما عليك سوى قراءة أمين معلوف.
ماذا تقولين بخصوص تصريحات المرشح الرئاسي ايمانويل ماكرون حول الاستعمار؟
لا شيء. إنه سجال عقيمٌ لا يهمني. لدينا علاقات بالغة التعقيد مع الجزائر، وبالتالي فكل التصريحات من هذا الطرف أو ذاك موضوع للشبهة والتشكيك، خصوصا في هذا الوقت الذي تتهاطل فيه السجالات. وبالتالي فلن تتلقى من هذه الجهة أو تلك سوى الضربات التي يمكن أن تنهال. من يريد أن يتحدث عن تعقيدات تاريخ الجزائر فعليه أن يتوجه إلى المؤرخ بنجامين ستورا.