تجمع الصيغة الجديدة بين "الأرثوذكسي" بعد إسقاط بند اعتماد النسبية منه، ومجموعات أفكار طرحها باسيل من منطلق طائفي، مع تعديلات رئيس مجلس النواب، زعيم "حركة أمل"، نبيه بري، عليها. ومن المُفترض أن تعتمد المرحلة التأهيلية على نفس تقسيم الدوائر المُعتمد في القانون الانتخابي الساري، والمعروف بقانون العام 1960، وهو قانون يعتمد النظام الأكثري، ويُقسم لبنان إلى 26 دائرة انتخابية، بعدد الأقضية في المحافظات اللبنانية الثماني، وتُقسم بيروت إلى ثلاث دوائر انتخابية. ويبلغ عدد النواب في لبنان 128 نائباً، وهم 64 نائباً مسيحياً و64 نائباً مسلماً، موزعين مذهبياً كالتالي: 34 مارونياً، 27 سنياً، 27 شيعياً، 14 روم أرثوذكس، 8 دروز، 8 روم كاثوليك، 5 أرمن أرثوذكس، 2 علوي، 1 أرمن كاثوليك، 1 إنجيلي، 1 أقليات مسيحية.
ويُشكّل "الأرثوذكسي" مرحلة تأهيلية أولى في مشروع القانون الجديد، يمنح القوى السياسية الطائفية أفضلية تأهيل مرشحيها. وهو ما يعني عملياً إبعاد كل مرشح "غير مرغوب فيه" لدى من يعتبرون أنفسهم "زعماء الطائفة"، في هذه المرحلة، منعاً لحصوله على أصوات طوائف أخرى في الدورة الثانية الموسعة، التي يحقّ للناخبين من كل الطوائف الاقتراع فيها. وحتى في خضمّ حرب لبنان (1975 ـ 1990)، لم يفكّر أحد في اعتماد تقسيمات طائفية كالتي تطرح حالياً. فضلاً عن أن البلد الوحيد الذي سيتفوّق عليه لبنان، في حال تمّ اعتماد هذا النوع من الانتخابات، هو أفغانستان، التي تجري انتخاباتها في المرحلة الأولى، وفقاً لتقسيم عرقي ـ طائفي، قبل إجراء المرحلة الثانية وفقاً لدوائر موسّعة.
وتحصر المرحلة التأهيلية التصويت في المرحلة الأولى بالطوائف التي يمثلها النواب في الأقضية/الدوائر. مثال على ذلك منطقة كسروان (شمال شرق بيروت)، ممثلة بخمسة نواب موارنة، رغم أن فيها أقلية من غير الموارنة ومن غير المسيحيين. في المرحلة الأولى، لن يتمكن أي ناخب غير ماروني من التصويت، لكنه يحقّ له ذلك في المرحلة الثانية، التي تعتمد النسبية من جهة، وتضم منطقته إلى دوائر أخرى، من جهة ثانية. وهو ما يُسقط حق بين 100 ألف و120 ألف لبناني من طوائف ومذاهب يُقيمون في مناطق ذات أغلبيات طائفية مُختلفة من التصويت في المرحلة الأولى. كما تقصي هذه الصيغة مرشحي الأحزاب العلمانية والمُستقلين من المنافسة في المرحلة الأولى التي تجري على قاعدة أكثرية، من الانتخابات لصالح مرشحي الأحزاب الطائفية.
وفي المرحلة الثانية، يقدم المشروع طرحاً شكلياً من النسبية المُفرغة من مضمونها، لينتخب اللبنانيون نوابهم من بين المرشحين الذين اختارتهم الأحزاب في المرحلة الأولى. وتعمل القوى السياسية الرئيسية كـ"التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" و"تيار المستقبل" و"حزب الله" و"حركة أمل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي"، على صياغة تفاصيل الدوائر الانتخابية وتفاصيل المرحلة الأولى من القانون، تمهيداً لإحالته إلى الهيئة العامة لمجلس النواب التي ستجتمع في 15 مايو/أيار المقبل، بعد تأجيل رئيس الجمهورية ميشال عون جلسات البرلمان بناءً على المادة 59 من الدستور، التي استُخدمت للمرة الأولى منذ نحو 90 عاماً، عرقل عبرها عون محاولة تمديد ولاية المجلس النيابي عاماً كاملاً، مطيحاً اقتراحاً قدمه النائب نقولا فتوش، يهدف للتمديد الثالث للبرلمان وحرمان اللبنانيين من حقهم في التصويت منذ عام 2009، تاريخ إجراء آخر انتخابات نيابية. والطرف الوحيد الذي رفض مبدأ انتخاب كل طائفة لنوابها بين الأحزاب الكبيرة، هو الحزب التقدمي الاشتراكي.
وقد برز، بحسب مصادر سياسية متقاطعة، خلاف بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" حول عدد النواب الذين سيتنافسون على كل مقعد انتخابي في المرحلة الأولى، مع إصرار باسيل على انتقال مرشحَين اثنين لكل مقعد نيابي من المرحلة الأولى إلى الثانية على المقعد النيابي، مقابل اقتراح الحزب تأهّل كل مرشح يحوز على 21 في المائة من أصوات المرشحين الطائفيين. وهو ما يعني تنافس 3 مرشحين حازوا معاً 63 في المائة من أصوات الدائرة على المقعد المحدد، في المرحلة الثانية. أما بري فيشترط تأهل كل مرشح يحوز 10 في المائة إلى المرحلة الثانية.
قانونياً، يخالف المشروع المطروح روح المواد 22 و24 و27 من الدستور، التي تدفع باتجاه انتخاب مجلس نيابي على أسس غير طائفية، وتعتبر النائب "نائباً عن الأمة جمعاء" وليس نائباً عن الطائفة. كما يعاكس كل المسار الطبيعي للعقد الاجتماعي اللبناني، ويُنهي أحلام قيام دولة مدنية فعلية، يتقدم فيها المواطن وفقاً لكفاءته لا طائفته.
كما يضاف إلى قائمة ضحايا مشروع القانون الجديد حوالى 4 آلاف مواطن لبناني ممن شطبوا قيدهم الطائفي عن السجلات الرسمية. لن يتمكن هؤلاء من التصويت في المرحلة الأولى، أو من الترشح نهائياً في الانتخابات إذا ما أُجريت من خلال هذا مشروع القانون المذكور الذي يحتاج إجازة الهيئة العامة لمجلس النواب له، ثم مصادقة رئيس الجمهورية عليه. أمر مُرجح أن يحصل مع اشتراك مختلف القوى السياسية في تفصيل الدوائر على قياسها، لضمان بقاء كتلها البرلمانية على حالها وعدم تقلص أعدادها تبعاً للمؤشرات التي عبرت عنها نتائج الانتخابات البلدية عام 2016، وبعض نتائج الانتخابات النقابية التي عبرت عن تراجع نسبة المصوتين للأحزاب "الكبيرة" لصالح المُستقلين.
ولم يتم بعد تحديد الفترة الزمنية الفاصلة بين المرحلتين التأهيلية والنسبية المُفرغة من مضمونها في مشروع القانون الجديد، علماً أن الانتخابات النيابية تتم خلال أيام الآحاد. وستطول هذه المدة أو تقصُر بحسب التقديرات اللوجستية التي ستحددها الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية (يرأسها أحد ممثلي "تيار المستقبل" في الحكومة، الوزير نهاد المشنوق). كما ستعمل أجهزة الوزارة على دمج التعديلات التي قد تُقر مع مشروع القانون كـ"الكوتا النسائية" وورقة الاقتراع المطبوعة سلفاً، وغيرها. وهي إجراءات تحتاج لتدريب فرق الوزارة عليها، إلى جانب إعلام الناخبين بها قبل وقت الانتخابات بأشهر. وتجدر الإشارة إلى أن عدد الناخبين خلال الانتخابات البلدية التي جرت على مراحل عام 2016، بلغ 3 ملايين و628 ألف شخص. وتخللها تجاوزات عديدة رصدتها "الجمعية اللبنانية من أجل الديمقراطية الانتخابية"، وأثّرت على نزاهة العملية الانتخابية.