بين عامي 2010 و2017، ارتفع عدد المواطنين المسجلين في قوائم المتابعة الأمنية في بلجيكا بحوالى 50 في المائة. إذ يوجد مواطن واحد من أصل خمسة في هذه القوائم. كيف يمكن تفسير ذلك وما رد فعل المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان والحريات الشخصية؟
قاعدة عامة
خلال أي عملية مراقبة روتينية للهوية في بلجيكا، يطلب ضابط الشرطة بطاقة الهوية ليُدخلها في قارئ خاص للبطاقات. عملية تمكّنه من الاطلاع على المعلومات الخاصة بالمواطن في "القاعدة الوطنية للبيانات العامة". ولا يهم أن يكون الشخص قد ارتكب أي جنحة في يوم ما أو أدين أم لا بسبب فعل ما، فحظوظ وجود اسمه في القاعدة مرتفع جداً. فهي تخزن معلومات دقيقة عن كل الأشخاص الذين تواصلوا مع الشرطة بأي طريقة كانت وبخصوص أي ملف.
ويقول ضابط من الشرطة الفيدرالية البلجيكية، لـ"العربي الجديد"، إن "القاعدة تحتوي على أي معلومات تعتبرها الشرطة مهمة ويمكن استعمالها مستقبلاً في إطار مهمات الشرطة القضائية والشرطة الإدارية مثلاً. بعبارة أخرى، فكل المعلومات التي تحصل عليها الشرطة عن شخص تم إعداد محضر بشأنه، حتى ولو كان ذلك في إطار ملف يتعلق بجنح لا تخضع لأي عقوبة، يتم تخزينها لاستعمالها متى دعت الضرورة". ويضيف: "لا يعني وجود معلومات عن مواطن ما بأن لديه سوابق جنائية. لكن عدم ثبوت التهم مثلاً أو قرار المحكمة بعدم الملاحقة، في ملف ما، لا يعني أن الشخص سيفلت من الالتحاق بالأشخاص المسجلين في القاعدة".
وإذا كان بلجيكي واحد من أصل خمسة مسجلاً في هذه القاعدة، فإن ذلك يعود لأسباب عدة قد تكون غريبة ومثيرة. من الشخص الذي هرب عندما كان مراهقاً من منزل والديه، أو اعتدى على زملائه في المدرسة، إلى من عُرف بارتكاب أعمال منافية للآداب أو التحرش الجنسي، مروراً بالعنف المنزلي، إضافة إلى المتمردين على الشرطة في حال وقوع تظاهرة أو تجمّع. "في الواقع، في كل مرة يقال فيها إن الشخص كان معروفاً لدى أجهزة الأمن، فهذا يعني أن معلومات عنه توجد في القاعدة الوطنية للبيانات العامة"، يقول ضابط الشرطة الفيدرالية. ولا تتردد الشرطة في اعتبار أن هذه الأداة لا تُقدر بثمن: "قاعدة تضم معلومات دقيقة تعد مسألة مهمة في عمليات التحقيق. فهذا يوفر علينا إجراءات التوجّه إلى المحكمة أو غيرهم من الوسطاء للحصول على المعلومات. المهم أن تكون المعلومات التي نحن في حاجة إليها قد تم إدخالها في القاعدة"، يضيف الضابط.
تنديد حقوقي
منذ أن تم الكشف عن عدد البلجيكيين المسجلين في "القاعدة الوطنية للبيانات العامة" وما تحمله من معلومات، نددت الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان بما اعتبرته انتهاكاً صارخاً للحريات الشخصية. يقول مدير المركز الفيدرالي لتكافؤ الفرص، باتريك شارلييه، لـ"العربي الجديد"، إن "عدد الشكاوى التي نتلقاها ضد الشرطة تظل مستقرة من سنة إلى أخرى. لكن المسألة الجديدة التي برزت في الآونة الأخيرة هي التنميط العرقي، فقد لاحظنا أن جمع البيانات الشخصية لا يتم دائماً بشكل واضح، إذ تتم مراقبة أشخاص بناء على أصلهم أو طريقة اللباس".
ويشير إلى أن "الرعب الذي خلّفته العمليات الإرهابية لا يساهم في تهدئة الوضع، فقد اكتشفنا حالة مواطن مسجل في القاعدة فقط لأن زوجته بدأت ترتدي الحجاب، كما أن شخصاً آخر رُفض طلب التحاقه بالجيش، على الرغم من اجتيازه كل الاختبارات، لأنه كان مسجلاً في القاعدة قبل سنوات"، مضيفاً: "بالتالي فهذه الأداة لديها عواقب وخيمة في بعض الأحيان على حياة المواطنين".
وحول كيف يمكن لأي مواطن معرفة ما إذا كان مسجلاً في هذه القاعدة والاطلاع على المعلومات المتضمنة فيها، يقول شارلييه إن "الشرطة في حال تقديم الطلب من قبل مواطن، ملزمة بتوجيهه إلى اللجنة الفيدرالية للمعلومات الخصوصية التي ستتأكد من وجود الشخص في القاعدة، وأن استعمال المعلومات يتم في إطار احترام القوانين فقط، ولا تقدّم اللجنة أي معلومات للشخص، وفي أحسن الأحوال قد تطلعه على أنها أجرت تقييماً أو عملية تصحيح في الملف الخاص به".
أما رئيس رابطة حقوق الإنسان، أليكسيس دوسواف، فيلفت إلى أن "هناك مشكلاً رئيسياً يتعلق بمدة الاحتفاظ بهذه المعلومات، فالقاعدة يمكن أن تضم معلومات عن قاصر مثلاً، وهذا يطرح مجموعة من الأسئلة، فالشاب الذي يرتكب خطأ عندما كان يبلغ خمسة عشر عاماً قد يكون لتسجيله في القاعدة آثار عندما يبحث عن وظيفة بعد مرور عشر سنوات"، مشيراً إلى أن "عدد البيانات المحتفظ بها ضخمة، وهو ما يواجه بعض الانتقادات حتى من داخل المؤسسات الأمنية نفسها بسبب مجموعة من التجاوزات".
مواجهة التحديات
وبحسب وزير الداخلية البلجيكي، يان يامبون، فضخامة المعلومات التي تضمها القاعدة الوطنية للبيانات العامة تعود إلى التحديات الأمنية الجديدة. وقال في رد على سؤال لأحد البرلمانيين إنه "يتم تقييم المعلومات الموجودة في القاعدة باستمرار وفقاً للتغيرات في التشريعات القانونية والجرائم الجديدة"، مشيراً إلى إضافة كل المعلومات المتعلقة بالمتهمين بالتحرش الأخلاقي الذي أصبح جريمة يعاقب عليها القانون، إضافة إلى مجال مكافحة الإرهاب، الذي تم تعزيزه في الآونة الأخيرة سواء بخصوص العقوبات أو المخالفات"، موضحاً أنه "برز أهم تطور في عدد المسجلين في القاعدة بين عامي 2015 و2016 ليضم حوالى 130 ألف شخص إضافي، بينما كانت الأرقام لا تتجاوز 115 ألفاً في السنوات الماضية".
وقد تم إنشاء القاعدة الوطنية للبيانات العامة في العام 1998 بعد قضية مارك دوترو، الذي اختطف واغتصب وقتل مجموعة من الفتيات، وأزمة قوات الأمن التي تلت القبض على دوترو وبروز مجموعة من الأخطاء في تعامل الشرطة مع الملف. وكان الهدف من وراء إنشاء القاعدة بحسب الشرطة، هو تحسين تبادل المعلومات بين مختلف قواتها. وتعمل الشرطة البلجيكية حالياً على إعداد نظام لجمع وتخزين المعلومات، بحلول عام 2021، لا يكتفي بالاعتماد على قواعد البيانات الموجودة، ولكن يعمل أيضاً على جمع المعلومات على الإنترنت والشبكات الاجتماعية.
لكن، اليوم، أصبح التسجيل والاحتفاظ بالبيانات الشخصية، يثير العديد من التساؤلات، خصوصاً بين منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان التي تعتبر أن "الحق في الحياة الخاصة بدأ يتم انتهاكه بسبب اعتبار تحقيق الأمن كأولوية مطلقة"، كما جاء في بيان لرابطة حقوق الإنسان.