وبحسب النتائج النهائية، فإن حزب ماكرون، المتحالف مع حزب "موديم" الوسطي، حصل على 32,3 في المائة من الأصوات، ما سيمكنهما من الفوز بما بين 400 إلى 455 من المقاعد النيابية، ما يعني أن الغالبية الرئاسية ستتجاوز بكثير السقف المحدد للغالبية المطلقة، المتمثل في 289 مقعدا.
وعززت هذه النتيجة موقع الرئيس ماكرون، الذي صار موعودا بولاية رئاسية من خمس سنوات، يحكم فيها من موقع قوة مطلقة، وبإمكانه تطبيق مجمل إصلاحاته، حتى تلك الأكثر قساوة، في مختلف المجالات، من دون أية عرقلة برلمانية، بعد أن صار يمسك بزمام السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ومن علامات الاكتساح "الماكروني" التي لا تحتاج إلى دليل، تمكن خمسة وزراء من مجموع ستة من احتلال صدارة النتائج في دوائرهم الانتخابية، رغم شراسة المنافسة في بعضها، والشبهات باستغلال النفوذ التي حامت حول اثنين منهما، ريشار فيرون وماريال دوسارنيز.
وهؤلاء الوزراء يتوفرون على كل الحظوظ للفوز في الدورة الثانية والاحتفاظ بمناصبهم الوزارية، ذلك أن التعليمات الرئاسية كانت واضحة، إما الفوز أو الاستقالة من الحكومة، وهذا ما سيوفر على الرئيس مشاق القيام بتعديل وزاري.
ونجح ماكرون من خلال هذه التشريعيات في أن يحوّل الحزبين التاريخيين، الاشتراكي واليميني، اللذين تعاقبا على حكم فرنسا منذ ستة عقود، إلى كومة من الرماد.
وقد تعرض الحزب الاشتراكي إلى هزيمة ثقيلة لا سابق لها، أدخلته ضمن صنف الأحزاب في طور الانقراض، خاصة أن حظوظه، الأحد المقبل، انحصرت بالفوز ما بين 15 و40 مقعدا، هو الذي كان يمتلك نصف مقاعد البرلمان المنتهية ولايته.
ولعل الرمز المعبر عن هذا الموت السريري للاشتراكي هو الإقصاء المبكر، أمس الأحد، لأمينه العام، جان كريستوف كامباديليس، وللمرشح السابق للرئاسيات بونوا هامون.
وذاق اليمين المحافظ، متمثلا في التحالف بين "الجمهوريين" و"اتحاد الديمقراطيين والمستقلين"، طعم هزيمة انتخابية مُرّة بحصوله على نسبة 21,5 في المائة من الأصوات. ولن يتمكن اليمين من الحصول على أكثر من 100 مقعد من مجموع 577، هو الذي كان يتوفر على 226 مقعدا في البرلمان السابق من موقع المعارضة.
ووجدت غالبية الشخصيات القيادية والوجوه المعروفة نفسها في معارك خاسرة سلفا في الدورة المقبلة في مواجهة مرشحي "الجمهورية إلى الأمام"، غالبيتهم شباب حديثو العهد بالسياسة.
وفي مواجهة الغالبية الرئاسية الساحقة، سيتوفر هامش ضيق لمعارضتين متطرفتين من اليسار واليمين، لن يكون بإمكانهما التأثير على النشاط البرلماني خلال جلسات التصويت على القوانين. ويتعلق الأمر بحزب "الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، الذي حصل على نسبة 13,2 في المائة، وسيكون بمقدوره أن يحصل على خمسة أو ستة مقاعد في البرلمان المقبل، وهي نتيجة سلبية بالمقارنة مع نسبة 21,3 في المائة التي حققتها زعيمته مارين لوبان في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، حين تصدرت مقدمة الترتيب.
ولن يكون بمقدور "الجبهة" حتى تشكيل فريق نيابي، وهو السقف الأدنى الذي رسمه الحزب بعد هزيمة الرئاسيات.
أيضا هناك "فرنسا غير الخاضعة" الذي يتزعمه جان لوك ميلانشون، والذي تمكن على الأقل من تحقيق حلمه الأول، وصار هو الزعيم اليساري الوحيد في المشهد السياسي، وحزبهُ القوةَ اليسارية الأولى في البلاد، بعد اندحار الاشتراكي.
وحقق الحزب اليساري الراديكالي نسبة 11 في المائة، تُضاف إليها نسبة 2,7 التي حصل عليها حليفه السابق الحزب الشيوعي. وسيكون الحزب حاضرا من خلال 69 مرشحا تأهلوا للدور الثاني، وكل الرهان الآن يكمن في القدرة على الفوز بـ15 مقعدا التي تمكنه من تشكيل فريق نيابي يكون له صوت مسموع تحت قبة البرلمان.
المشهد السياسي الفرنسي بعد مرور "تسونامي" ماكرون: هامات حزبية اشتراكية ويمينية مقتلعة، بسبب قوة رياح التغيير، وبيوت سياسية غارقة بسبب رغبة انتخابية عارمة في التغيير. ولأن الطبيعة لا تحب الفراغ، هناك وجوه جديدة ستشكل نصف البرلمان المقبل، ويكون على عاتقها رهان إعادة الثقة في العمل السياسي للفرنسيين، الذين قاطع نصفهم مكاتب الاقتراع، إذ بلغت نسبة العزوف عن التصويت 51,3 في المائة.
وسيكون على ماكرون ونوابه مواجهة هذا التحدي الكبير الذي يهدد بإفراغ العملية السياسية من محتواها الديمقراطي، وهو الذي يرفع شعار التجديد السياسي والقطع مع الممارسات السلبية التي أضرت بسمعة النخبة السياسية.