مجلة بوليتيس الفرنسية عن هزيمة 1967: حرب غيرت مشهد الصراع

04 يونيو 2017
سييفير: إسرائيل هي المعتدية (Getty)
+ الخط -

تتذكر مجلة "بوليتيس" الفرنسية الأسبوعية في عددها الأخير ما سُمّي بـ"حرب الأيام الستة"، فتكرّس لها صفحتها الأولى وخمس صفحات داخلية تحت عنوان: "حرب الأيام الستة، خمسون سنة من الجُبن والنفاق".

يكتب مدير التحرير، دونيس سييفير، أن "السنوات التي أعقبت حرب الأيام الستة جعلت القيادة الفلسطينية، تحت زعامة ياسر عرفات، تُوجّه استراتيجيتَها حول فرضية دولة فلسطينية تغطي 22 في المائة من فلسطين التاريخية، بعاصمتها القدس الشرقية، ولكن هدف المسؤولين الإسرائيليين كان مختلفاً، وجاء الاستيطان فقضى على هذا الاحتمال".

والحقيقة، كما يكتب سييفير، كشف عنها رئيس الحكومة الإسرائيلية، اليميني إسحاق شامير، ذات يوم من سنة 1992، حين "نصح بإجراء مفاوضات حول الحكم الذاتي تدوم عشرَ سنوات، حتى يصل عددُ الإسرائيليين في هذه الفترة، في يهودا والسامرة، إلى نصف مليون شخص. ولكن أمله فاق أمنياته". 

ويضيف أن "هذا المسار ما كان ممكنا لولا تواطؤ الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، المصحوب ببعض الاعتراضات الشكلية".


ويتساءل سييفير: "أين نحن، الآن؟". ويجيب: "الأشياء تتغير على الأرض. والوضعية تتطور نحو ما يشبه ضمّاً كلياً للضفة الغربية".

بعد مرور نصف قرن على ما جرى في الخامس من يونيو/ حزيران في الساعة السابعة صباحاً وعشر دقائق، لا تزال الروايتان متعارضتين حول المعتدي. و"لكن إذا اعتمدنا على الفصل العسكري، فإن إسرائيل هي المعتدية. ففي هذا التوقيت أعطى الجنرال مردخاي هود إشارة الهجوم الذي سيفاجئ، بشكل كامل، الدفاع الجوي المصري. وبعد 35 دقيقة، تم تدمير قسم كبير من الطيران المصري، واستطاعت الدبابات الإسرائيلية مهاجمة سيناء. وقد حُسِمت الحرب قبل أن تبدأ". ويستشهد سييفير بوصف للصحافي إيريك رولو لما جرى: "حرب الساعات الست".

وبالطبع تدافع إسرائيل، كما يكتب سييفير، عن روايتها لما جرى، وتتحدث عن "الاعتداء الحقيقي الذي بدأ يوم 22 مايو/ أيار حين أصدر وزير الدفاع المصري، عبد الحكيم عامر، أمراً بمنع كل سفينة تحمل علماً إسرائيلياً من عبور مضيق تيران، وهو ما يعني حصاراً غير مقبول لميناء إيلات".

وعلى أي حال، فإن هذه الحرب الخاطفة، كما يرى سييفير، قلبت حياة الفلسطينيين وغيّرت مشهد الصراع، وأعطت ولادة ما يسمى بـ"الأراضي الفلسطينية المحتلة".

ويذكر سييفير كيف أن عالم الاجتماع مكسيم رودنسون تنبأ، في مقال نشره في مجلة "الأزمنة الحديثة"، قبل شهرين من الحرب، بما سيقع. وقد صدم مقاله "إسرائيل، واقع كولونيالي؟" الصهاينة. 

ومما أشار إليه رودنسون أن طبيعة الصراع تحولت من صراع إسرائيلي عربي إلى صراع إسرائيلي فلسطيني.

وتطرق الصحافي الفرنسي إلى كل القرارات الأممية التي أعقبت هذه الحرب، خاصة قرار 242، والذي لا يزال يجعل من إسرائيل دولة في وضعية مخالفة للقانون الدولي. والبقية هي "تاريخ طويل من النفاق والجبن الدولي من أجل تجنب تطبيق هذا القرار".



ويعدّد سييفير قائمة التنازلات الفلسطينية المتعددة، و"رغم كل شيء، لم يشأ المجتمع الدولي ممارسة أدنى الضغوط الجدية على إسرائيل. ومع بداية الألفية الثانية منح صعود الإسلاموية المبرر لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لنزع المصداقية عن القضية الفلسطينية".  

ويختم دونيس سييفير مقاله: "بعد مرور خمسين سنة على حرب الأيام الستة، توجد فرضية حل الدولتين في خطر كبير. والصراع على وشك الدخول في مرحلة جديدة: مرحلة الضمّ الزاحف للأراضي الفلسطينية والأبرتهايد".

كذلك أجرت المجلة الفرنسية لقاء مع عبد الله أبو رحمة، منسق اللجنة الشعبية لمقاومة الاستيطان، أكد فيه أن "الفلسطينيين لا يملكون سوى المقاومة السلمية"، وطالب المجتمع الدولي بأن "يمارس الضغوط على إسرائيل وأن يقاطعها ويعزلها، لأن المجتمع الدولي له قدرة تأثير أكثر مما لدينا. نحن ليس لدينا شيء: لا سلطة ولا سلاح. ليس لنا سوى مقاومتنا السلمية". 

ولم يشأ أبو رحمة الحديث عن طبيعة "الحل الممكن" الآن، قائلاً: "لا أتحدث عن دولة أو دولتين. ما أريده قبل أي شيء، هو الكرامة والحرية والاستقلال. منذ اتفاقيات أوسلو، سنة 1993، ناضلنا من أجل حل الدولتين، ولكن في مواجهتنا وَاصَلت الحكومة الإسرائيلية بناء المستوطنات، فدمرت حلمنا في دولة فلسطينية. ويمكننا أن نتحدث عن نصرٍ في اليوم الذي سيتوقف فيه بناء المستوطنات، وحين سيختفي الجدار. ما نريده هو العيش في سلام وحرية. وعلى الإسرائيليين سحب مراكز المراقبة والمستوطنات ونظام الأبرتهايد. وحين سيتوقف كل هذا، سنختار الحل الأفضل لنا".

ورصد دونيس سييفير ودونيا إسماعيل في مقال ثالث في المجلة، "نصف قرن من الاستيطان"، وأشارا إلى أن 650 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون، الآن، في الأراضي الفلسطينية، بعد أن كانوا سنة 1972 لا يتجاوزون 10 آلاف شخص.

وكشفا أن قضية ضمّ الأراضي الفلسطينية، أي "الفخ" الذي سقطت فيه إسرائيل، والذي يصفه الباحث الفرنسي جان بول شانيولو، رئيس معهد الأبحاث والدراسات المتوسطية والشرق الأوسط، بـ"هزيمة المنتصر"، تطرح نفسها في إسرائيل أكثر من أي وقت مضى، وأن نفتالي بينيت، زعيم "حزب المستوطنين"، واعٍ بها، ويقترح ضمّ كل الكتل الاستيطانية الكبرى إلى إسرائيل، أي 60 في المائة من الضفة الغربية.

وينتهي المقال بخاتمة يغيب عنها الأمل: "يمكننا القول إن حل الدولتين في خطر بعد مرور نصف قرن على حرب الأيام الستة. ووحده الضغط الدولي على إسرائيل يمكن أن ينقذه"، وهذا ما لا يفكر فيه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.