تختتم في جنيف اليوم الجمعة الجولة السابعة من المفاوضات بين وفدي النظام والمعارضة في سورية، مثلما بدأت، دون نتائج تذكر وسط اتهامات من جانب المعارضة للنظام السوري بمواصلة التهرب من مناقشة القضايا السياسية الرئيسية، مستفيداً من غياب أية ضغوط جدية عليه من جانب الأطراف الدولية الراعية.
ولفتت الانتباه، أمس الخميس، تسريبات بأن الروس طرحوا في كواليس المؤتمر إمكانية تشكيل مجلس عسكري مشترك من النظام والمعارضة لإدارة البلاد خلال المرحلة المقبلة، وهو ما نفاه لـ"العربي الجديد" مصدر رسمي في المعارضة السورية، لكن لم يستبعده مصدر آخر في المعارضة خارج جنيف.
وقد عقد دي ميستورا أمس محادثات منفصلة مع وفدي النظام والمعارضة، لكنه استبعد إجراء مفاوضات مباشرة خلال الجولة الحالية من المحادثات السورية بين وفدي النظام والمعارضة. وأوضح في تصريح صحافي صباح أمس الخميس، أنه "عندما يحصل ذلك (الحوار المباشر)، فإنه يجب أن يكون نابعاً من إرادة السوريين أنفسهم، وليس نتيجة ضغط خارجي"، مشيراً إلى أن "الجولة الحالية من المفاوضات تنتهي اليوم الجمعة".
من جهتها، نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن دي ميستورا قوله إن "قادة العالم أصبحوا يركزون معاً على إيجاد الأولويات التي من شأنها أن تبسط الأزمة السورية، وباتت الأولوية عند الجميع هي محاربة داعش وتحرير الرقة ورفع الحصار عن دير الزور، إضافة إلى تخفيف التصعيد وإيصال المساعدات الإنسانية وتنظيف الألغام وقضية المعتقلين، وربطاً بهذا كيفية تحقيق الاستقرار في البلاد والذي لا يتم إلا عبر الحل السياسي".
وأضاف دي ميستورا أن "ما نفعله هنا هو التحضير لتلك اللحظة عندما تكون الظروف مواتية لحصول هذا، وما نقوم به هو تحضير المعارضة، التي كانت منقسمة بشدة، والآن يوجد فيما بينها تواصل، بصيغة أخرى، وهي تتجه إلى موقف موحد على الأمور الدستورية وحتى في النقاط الـ12 التي تتعلق بمستقبل سورية، وهو أمر كان غير قابل للتصور قبل عام". واستدرك بالقول "طبعاً يبقى القرار الأممي 2254 هو الطريق الأساسي لنا إنما الآن سيكون لدينا طريقة عملية لتطبيقه".
وأوضح دي ميستورا أنه "يقصد بالنقاط الـ12 ما يسمى بوثيقة نعومكين (أبرزها، احترام سيادة سورية ووحدة أراضيها، تكون سورية دولة ديمقراطية وغير طائفية تقوم على المواطنة والتعددية السياسية وسيادة القانون، وتلتزم الدولة بالتمثيل العادل وبإدارات المحليات في الدولة والإدارة المحلية الذاتية للمحافظات، وتوفير الدعم للمحتاجين وضمان السلامة والمأوى للاجئين والمشردين بما في ذلك حقهم في العودة إلى ديارهم). واستبعد دي ميستورا "انفراجاً قريباً، بالإضافة إلى أن أستانة كما قرار مجلس الأمن 2254 لا تزال حبراً على ورق، ونحن نبحث عن كيفية تطبيقه من الناحية العملية".
ورأى دي ميستورا في هذه التصريحات التي نقلتها "سبوتنيك"، أن "الأكراد يجب أن يكون لديهم كلمة بما سيكون عليه الدستور في المستقبل، سواء كان دستوراً جديداً أم إصلاحات للدستور الحالي". ولفت إلى أنه "تجري في الوقت الحالي نقاشات حول جدول وعملية وضع الدستور الجديد وليس عن الدستور بحد ذاته"، مشيراً إلى "وجود تمثيل كردي في وفد المعارضة الحالي".
وحول مدى التقدم في النقاشات حول الدستور، قال دي ميستورا إنه "فوجئ بوجود أرضية مشتركة كبيرة بين وفد النظام وأطراف المعارضة السورية، خصوصاً في ما يتصل بالحفاظ على السيادة والوحدة وسلامة الأراضي وأمور كثيرة أخرى أيضاً مثل المؤسسات التي يجب حمايتها". وكشف المبعوث الدولي عن "احتمال عقد جولتين من مفاوضات جنيف في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول المقبلين، على أمل أن يكون هناك في نهاية العام صورة مختلفة في سورية".
من جهته، قال المتحدث باسم وفد المعارضة السورية يحيى العريضي لـ"العربي الجديد"، إن "هناك انسدادا متواصلا في محادثات جنيف، لأن النظام السوري ما زال يصرّ على النهج نفسه المتمثل في (أحكمها أو أدمّرها)، معوّلاً على داعميه روسيا وايران، من دون أن تتبلور لديه حتى الآن أية إرادة للانخراط الجدي في الحل السياسي، أو حتى في المسائل التقنية والتي حققت المناقشات بشأنها بعض التقدم مع وفد المعارضة، من دون أن يقابله تقدم مماثل مع وفد النظام".
وأوضح العريضي أن "النظام ما زال يعتمد استراتيجية المماطلة بسبب غياب الضغط الدولي عليه في موضوع الانتقال السياسي، ويحاجج مثلاً بأن لديه دستوراً وضعه عام 2012، أما الانتخابات فتُجرى في وقتها". ولفت إلى أن "النظام يسعى إلى تفريغ مناقشات جنيف من محتواها، والدفع باتجاه حلّ على طريقته، يقوم على المصالحات المحلية وتهجير من يرفضها إلى الشمال السوري. كما حدث في الكثير من المناطق السورية، وهي سياسة تحظى كما يبدو حتى الآن بدعم من حليفتيه روسيا وإيران".
وفي شأن موقف المعارضة، قال العريضي إن "همّها، خلافاً لتكتيكات النظام ضيقة الأفق، هو الحفاظ على البلاد والإفراج عن المعتقلين وتحقيق العدالة والديمقراطية. وكل هذه الأمور لا تُحلّ إلا بوجود إطار سياسي". وأشار إلى أن "المعارضة تعتبر اتفاق الجنوب تطوّراً إيجابياً لأنه يهيّئ الأرضية المناسبة للحل السياسي، لكن النظام عمد بعد ساعات من توقيع الاتفاق إلى ضرب المنطقة، خصوصاً ريف السويداء الشرقي، حيث يوجد الجيش الحر ولا وجود لتنظيم داعش في تلك المنطقة".
واستبعد العريضي أن "تسفر الجولة الحالية من مفاوضات جنيف عن أي تقدم"، معرباً عن أمله في أن "تُجرى مناقشات جدية بشأن القضية السورية خلال دورة الأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، ومعوّلاً أيضاً على التعاون الروسي الأميركي، الذي قد يثمر سياسياً كما أثمر في اتفاق الجنوب". وحول ما تسرّب عن طرح روسي بشأن تشكيل مجلس عسكري مشترك بين النظام والمعارضة، يتولى إدارة البلاد خلال المرحلة المقبلة، نفى العريضي طرح هذا الأمر على وفد المعارضة، قائلاً إنه "لم يسمع بالأمر إطلاقاً".
وحول هذه النقطة، قال اللواء المنشق محمد حاج علي لـ"العربي الجديد"، إنه "سمع بهذه التسريبات، وقد سبق أن نوقش هذا الأمر خلال ورش عمل كثيرة مع جهات دولية، وأعتقد أنهم يعملون عليه، من دون استبعاد حصوله في حال كانت هناك إرادة روسية أميركية مشتركة في هذا الأمر".
وأوضح أن "الهدف من إقامة مثل هذا المجلس هو جمع قوات النظام والمعارضة لمحاربة الإرهاب المصنف وحفظ الأمن داخل البلاد وتنظيم العمل المسلح وجمع الأسلحة من أيدي من لا يؤمنون بالحل السياسي". وأعرب حاج علي عن "اعتقاده بصعوبة حدوث ذلك من دون وضوح الرؤية السياسية للحل".
من جهته، اعتبر أحد المتحدثين باسم المعارضة في مفاوضات جنيف7، في بث حي على صفحة "الهيئة العليا للمفاوضات" في موقع "فيسبوك"، أحمد رمضان، أنه "جرى خلال الاجتماع مع وفد الأمم المتحدة مناقشة وضع اللاجئين في عرسال (لبنان) والقلمون (سورية)، وقضية المعتقلين، وتم تسليم الأمم المتحدة مذكرتين بشأن هاتين القضيتين".
ولفت إلى أن "وفد المعارضة حقق في لقاء دي ميستورا تقدماً فعلياً في النقاط الخاصة بالمسائل التقنية وتفاعلاً مع الشق السياسي، ولكن المفاوضات في نهاية المطاف تحتاج إلى جهتين. وفي حال بقي الموضوع من قبل جهة واحدة بينما الجهة الأخرى معطّلة، فإنه لن يستمر بهذا الشكل من الناحية الواقعية، بالتالي فإن الكرة في مرمى الأمم المتحدة". وأضاف رمضان بأنه "لا يمكن الاستمرار في جنيف إلى ما لا نهاية، وهو ما يوجب على المجتمع الدولي النهوض بمسؤولياته".
وفي ما يتعلق بتوحيد وفود المعارضة، قال رمضان إن "لدينا وفداً واحداً، وهو وفد الهيئة العليا للمفاوضات، ومن الممكن أن ينضم إليه ممثل أو أكثر من مجموعات أخرى، ولكن لا نتحدث عن توحيد الوفود. هناك وفد واحد معترف به كمعارضة وهو وفد الهيئة العليا للمفاوضات"، مشيراً إلى أن "كثيراً ممن حضروا مؤتمر القاهرة وموسكو هم أعضاء في الهيئة العليا والوفد المفاوض، ويشاركون في الجولات التفاوضية".
وأكد رمضان رفض المعارضة مواصلة التفاوض حول نقاط تقنية من دون عقد اجتماعات سياسية، وطالب بـ"ترحيل الاجتماعات التقنية إلى خارج أيام المفاوضات"، لافتاً إلى أن "المعارضة أنجزت تقدماً في الاجتماعات التقنية بخلاف النظام، ومن أجل ذلك تبدو أنها مفاوضات من طرف واحد".