لوبي أبوظبي في واشنطن: القصة الكاملة (3/1)

05 يوليو 2017
للعتيبة علاقات واسعة داخل دوائر السياسة الأميركية(سول لوب/فرانس برس)
+ الخط -
منذ ما قبل نشر مضامين البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي لدى واشنطن منذ عام 2008، يوسف العتيبة، من قبل كل من موقع "إنترسبت" وصحيفة "تلغراف" البريطانية، الشهر الماضي، كان واضحاً أن الرجل، الذي كان بمثابة "اليد اليمنى" لولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، ومسؤول الشؤون الخارجية في مكتبه، يملك نفوذاً وشبكة علاقات واسعة في العاصمة الأميركية، وفي دوائر السياسة والإعلام ومراكز الأبحاث، وهي جميعها شديدة التشابك في واشنطن.

لكن نمطاً يسود في بعض وسائل الإعلام العربية والعالمية، يعظّم، عن قصد أو من دونه، من حجم اللوبي الإماراتي في العاصمة الأميركية، ويبالغ في تصوير مكانة الرجل كـ"سوبرمان" خارق، وكأن شبكة علاقاته ونفوذه وعلاقاته هي فقط نتيجة قوة شخصيته أو "مهاراته" و"فكره"، بينما الحقيقة أن الرجل يعمل على تنفيذ أجندة دولة أدركت ما الذي ترغب به الإدارة الأميركية من دولة عربية مسلمة في هذه الحقبة التاريخية من عمر المنطقة والعالم. على سبيل المثال، أن "تبتكر" دولة نفطية ثرية كالإمارات، نظرية تقوم على أن التحالف بين إسرائيل والدول العربية، بات أمراً ملحاً في سبيل "مكافحة الإرهاب" مثلما تشرحه الولايات المتحدة، فهذه "بضاعة" مرغوب بها بشدة في هذه الدوائر الأميركية، الرسمية وغير الرسمية. وأن تكون القيادة السياسية المركزية للعتيبة، أي أبو ظبي، حاملةً "خطاباً أميركيّاً أكثر من أميركا نفسها"، في القضايا المتصلة بـ"السلام" وبالإسلام السياسي والإرهاب وإيران وبذل كل جهد للمحافظة على الأنظمة العربية القائمة ومناهضة انتفاضات الشعوب، وصولاً إلى مواقف كادت تحرج الأميركيين أنفسهم، من نوع الترحيب الحار جداً بقرار الرئيس دونالد ترامب حظر دخول مواطني سبع دول ذات غالبية إسلامية إلى الأراضي الأميركية، فهذه جميعها عناصر تجعل من حاملها، وهو يوسف العتيبة في هذه الحالة، شخصاً "شديد الأهمية" يمكن فتح كل الطرقات أمامه، وخصوصاً إن كانت دولته تتصدر لائحة الدول العربية التي تنفق أموالاً طائلة من أجل تمويل مراكز دراسات ومقالات صحافية وندوات سياسية موجهة نحو أهداف مباشرة لأجندة أبو ظبي. هكذا، صار اسم هذا "الشاب العصري"، الذي يكاد لا يفوّت سهرة اجتماعية وافتتاح مهرجان وسباق "فورمولا واحد" وحفل تصوير لمجلة مشاهير واسعة الانتشار في واشنطن،  مرتبطاً بتغلغل دولته، وتحديداً حكام أبو ظبي، في مجموعة من مراكز الدراسات الأميركية، ووسائل الإعلام، تحاول "العربي الجديد" رصد أبرزها هنا.

وربما لا يزال من المبكر معرفة مصير ما أظهرته وثائق قضائية كشفت عنها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، مطلع يوليو/تموز 2017، وتفيد بأن العتيبة ضالع في قضية احتيال على صندوق استثمار تابع لحكومة ماليزيا بمليارات الدولارات، بحسب الصحيفة دائماً. بالتالي، لا يزال من الصعب تقدير حجم تأثير هذه التسريبات على ارتباط اسم العتيبة بمراكز الدراسات الأميركية المعنية بالتمويل الإماراتي. فوثائق "وول ستريت جورنال" تتحدث عن أن العتيبة على صلة بشركات تلقت مبلغ 66 مليون دولار من شركات بحرية، ذكر محققون أميركيون وآخرون من سنغافورة، على ذمة الصحيفة الأميركية، أنها تضمنت أموالا مختلسة من شركة ماليزيا للتنمية (1 Malaysia Development Bhd)، وهي صندوق استثماري يُعنى بتطوير مبادرات طويلة الأجل استراتيجية لتحقيق تنمية اقتصادية، ومملوك بالكامل لحكومة ماليزيا. ويصف موقع "هافنغتون بوست" الأميركي كيف أصبح الجناح الفخم في فندق "فور سيزنز" في منطقة جورجتاون الراقية في واشنطن، بمثابة "غرفة العمليات" التي يدير من خلالها يوسف العتيبة علاقاته وصفقاته السرية مع ساسة وإعلاميين وباحثين في واشنطن. ومن بين الدوائر العديدة التي يتحرك فيها العتيبة ويتمتع فيها بنفوذ، هي المراكز والمؤسسات البحثية.


محاربة الربيع العربي أولوية

بدأ العتيبة بناء شبكته داخل مراكز الأبحاث الأميركية، وبعضها هامشي في أميركا، منذ بدء "الربيع العربي"، وذلك في محاولة لتشويهه وإجهاضه وإيقاف دينامياته المتسارعة. وقد اعتمد في هذا الصدد استراتيجية ثلاثية الأركان: أولها شراء برامج بحثية داخل مراكز قائمة، وثانيها شراء ولاءات باحثين داخل مراكز مهمة ومؤثرة، وثالثها بناء مراكز بحثية جديدة. وقد تحرك العتيبة بكل قوة في تنفيذ استراتيجيته بعد وصول جماعة "الإخوان المسلمين" للسلطة منتصف عام 2012، واتخذ من أخطائهم السياسية ذريعة لتنشيط أذرعه البحثية والإعلامية في واشنطن. وقد وصل عدد المراكز البحثية التي نُفذت عليها هذه الاستراتيجية نحو عشرة مراكز على الأقل، أهمها: معهد الشرق الأوسط MEI، ومركز التقدم الأميركي Center for American Progress ، ومركز الدراسات الدولية والاستراتيجية CSIS، ومعهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط WINEP الذي يمثل الذراع اليمنى للتيار الصهيوني الأميركي، ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطية FDD المحسوبة على التيار اليميني المتطرف، ومعهد هدسون Hudson Institute المعروف بولائه لإسرائيل، ومعهد أسبن Aspen Institute، ومجلس الأطلسي Atlantic Council، ومعهد الدول الخليجية العربية في واشنطن Arab Gulf States Institute in Washington وبرنامج التطرف في جامعة جورج واشنطنProgram on Extremism .

وتتمثل أجندة العتيبة التي يضغط من خلالها على هذه المراكز في ما يلي:
ــ مهاجمة الربيع العربي والتحول الديمقراطي في المنطقة واعتبارهما أساس الفوضى وعدم الاستقرار.
ــ دعم الأنظمة السلطوية وحلفائها في مصر وليبيا واليمن وسورية والسعودية والأردن.
ــ مهاجمة تيارات الإسلام السياسي واعتبارها مصدر الشرور في المنطقة.
ــ مهاجمة الدول الداعمة للربيع العربي، خصوصاً قطر، وحصارها وخنقها سياسياً.
ــ دعم العلاقة مع إسرائيل وتشجيع التطبيع العربي تمهيداً للتحالف معها.
ــ التحريض على كل ما يمت بصلة إلى المقاومة الفلسطينية، كبند مكمّل لسير أبو ظبي بنظرية آخذة في التنامي في تل أبيب وفي واشنطن، تقوم على تصفية كل ما تبقى من ملفات القضية الفلسطينية، والترويج لشخصيات معينة تدور في فلك أبو ظبي لتحضيرها لقيادة المشهد الفلسطيني يوماً، تحديداً القيادي الأمني المفصول من حركة "فتح"، محمد دحلان.
ــ مهاجمة إيران منذ ما قبل إبرام الاتفاق النووي، مع الحرص على تحاشي التطرق إلى حقيقة أن أبو ظبي من أكبر الشركاء التجاريين العالميين مع طهران.
ــ تحويل مراكز الدراسات إلى منابر للترويج لكل أجندات الإمارات في مختلف البلدان التي تتدخل فيها أبو ظبي عسكرياً أو/وسياسياً، من ليبيا عبر رجلها خليفة حفتر، وفلسطين من خلال دحلان، وسورية عبر أحمد الجربا مثلاً، واليمن من خلال "جيشها" الجنوبي الانفصالي ورجالاتها من نظام المخلوع، علي عبد الله صالح، والعراق عبر تأييد ضمني لمشاريع انفصالية كردية أو غير كردية...