لا أكثر من جثث الأطفال والنساء المنتشرة في طرقات الموصل وتحت أنقاض المباني إلا الرصاص المتناثر فيها، فالتقديرات التي أصدرتها سلطات الدفاع المدني، يوم الثلاثاء، تتحدث عن آلاف الجثث، والحاجة إلى شهرين على الأقل لجمعها وانتشالها، وشهر آخر للتعرف على أصحابها وتسليمهم لذويهم، بسبب تمزق أغلبها وطمس معالمها ونهش الحيوانات والقوارض البعض الآخر، خاصة الأطفال منهم.
ولم يحتمل صالح حميد الجبوري، المعروف في الموصل القديمة باسم حجي صالح أبو الحنطة، انتظار فرق الدفاع المدني للوصول إلى الشارع الذي دفنت فيه عائلته المكونة من تسعة أشخاص في حي الفاروق، إذ عثر على ما يمكن تسميتهم تجار الحرب لمساعدته في انتشال أحمد ومحمد ومهدي ورحاب ورغد وزوجته فاطمة الجبوري وأمه الحاجة كريمة طالب.
الجبوري الذي بالكاد وافق على الحديث مع "العربي الجديد" يقف مع فريق من الشبان وافقوا على مساعدته في استخراج الجثث مقابل مبلغ مالي قدره 100 ألف دينار (نحو 90 دولاراً) يقول: "هم قالوا 10 آلاف على الجثة وتعاطفوا مع حالتي، لكن قلت لهم أعطيكم 100 ألف فقط أخرجوهم".
ورغم مرور يوم كامل على الحفر، إلا أنهم لم يستخرجوا أي جثة حتى الآن، فالمنزل مؤلف من طابقين وكل الأنقاض تطبق على الأرض بما فيها حديد التسليح والأبواب، ويرفض الحاج صالح أن تستخدم آليات ثقيلة في التنقيب عن عائلته كونها ستؤذيهم.
يضيف الجبوري "أريد أن أدفنهم وأكرمهم ما عندي غير هذه المهمة الآن، وهذا أمر الله ولا اعتراض على ما كتب الله علينا، لكني أدعو الله في كل ساعة أن يفجع الطيار الذي قصف المنزل بأعز ما يملك".
صالح مثله آلاف آخرون ما زالوا يحاولون استخراج ذويهم، إلا أن هناك من هو أسوء منهم وهم الذين لا يعلمون مكان ذويهم، حيث فُقد أثرهم ولا يدرون تحت أي سقف صاروا.
وتدور معارك الفصل الأخير من قيامة الموصل كما أطلق محلياً عليها في العراق، بسبب ما رافقتها من مآس إنسانية في آخر منطقة تبلغ نحو 500 متر، وبواقع ستة أزقة فقط ضمن المدينة القديمة.
ويتوقع أن يصل رئيس الوزراء حيدر العبادي في أي وقت إلى الموصل ليعلن من هناك عن انتهاء المعركة بتحريرها من قبضة مسلحي تنظيم "داعش".
وحتى نهار اليوم الأربعاء دخلت معركة الموصل في يومها الـ261 بواقع ستة آلاف و240 ساعة قتال متواصلة بنحو تسعة أشهر كاملة، في أكبر حملة عسكرية يشهدها العراق منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003 بقوة مشتركة من 109 آلاف عنصر من الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية وقوات التدخل السريع وقوات "سوات" والفرقة الذهبية والشرطة المحلية وقوات البشمركة ومليشيات الحشد الشعبي.
ترافق هذه القوات كذلك وحدات الحرس الثوري والباسيج الإيراني وقوات العشائر وقوات حرس نينوى وفصيل الضياغم التابع لعشيرة شمر ودعم من التحالف الدولي ممثلاً بسلاح الجو الأميركي وسلاح الجو الكندي وسلاح الجو البريطاني وسلاح الجو الفرنسي وسلاح الجو العراقي وثلاث وحدات برية من الكوماندوز ووحدة فرنسية خاصة ووحدة كندية خاصة وسرب طائرات أباتشي أميركية، وثلاث بطاريات من المدفعية الأميركية والملكية البريطانية والفرنسية.
وشنت قوات التحالف الدولي خلال الحملة أكثر من 20 ألف طلعة جوية، عدا الطيران العراقي الذي ينسب له غالبية المجازر التي ارتكبت بالمدينة.
وبلغ عدد القتلى المدنيين في الموصل بحسب تقارير طبية عراقية وأخرى ألمانية أكثر من 16 ألف قتيل ونحو 30 ألف جريح، يشكل الأطفال والنساء منهم 61% أعلنت كردستان عن استقبال مستشفياتها معظمهم، ويرجح ارتفاع عدد الضحايا بعد رفع أنقاض المنازل.
وبلغ عدد النازحين ثلاثة ملايين و100 ألف نسمة من بينهم مليون ومئتان وثلاثون ألفاً يسكنون الخيام موزعين على 42 مخيماً، والآخرون وجدوا منازل نظامية في بغداد وكردستان قاموا باستئجارها على نفقتهم الخاصة.
وبلغت نسبة الدمار في الموصل وفقاً لحكومتها المحلية 41 مليار دولار أميركي بواقع نسبة تدمير بلغت 80 بالمائة، شملت تدمير 9 مستشفيات من أصل 10 و 76 مركزاً صحياً من أصل 98 وتدمير 6 جسور على نهر دجلة وتدمير 308 مدارس ابتدائية وثانوية وإعدادية وتدمير 12 معهداً طبياً وتقنياً وفنياً وتدمير جامعة الموصل وكلياتها وتدمير 10 آلاف و700 منزل حتى الآن، وتدمير 4 محطات للكهرباء وتدمير 6 محطات للمياه وتدمير معمل أدوية نينوى والمخازن التابعة له.
يضاف إلى ذلك تدمير 63 دار عبادة بين مسجد وكنيسة غالبيتها تاريخية، أبرزها جامع النبي يونس وقبر النبي شيت وجامع ومرقد النبي جرجيس ضريح الأب إسحاق وكنيسة الآباء الدومينكان والسيدة العذراء، ناهيك عن تدمير جزء كبير من خطوط نقل الطاقة الكهربائية وشبكة المياه الصالحة للشرب وجزء كبير من أبراج الاتصالات و212 معملاً وورشة حكومية وخاصة ومصفى للنفط و6 ملاعب كرة قدم وبناية المحافظة (القديمة والجديدة) وما حولها من عمارات و29 فندقاً ومعامل الغزل والنسيج وكبريت المشراق والإسمنت والحديد الصلب ودائرة البريد والاتصالات والبناء الجاهز لمعمل الأخشاب في حي العربي.
وأيضاً تدمير مدن أثرية أبرزها مدينة النمرود والحضر، بوابة نرگال، سُور نينوى متحف نينوى التاريخي و9 بنوك ومصارف مختلفة أبرزها بنك الرافدين وبنك ومصرف الرشيد وبنك الشرق الأوسط وبنك الخليج وبنك الموصل ومصرف بغداد ونحو 50% من شبكة الطرق الداخلية والخارجية في الموصل، و40 مركزاً للشرطة والمرور والنجدة والإسعاف الفوري.