وعقدت المستشارة الألمانية وحليفها البافاري رئيس الاتحاد المسيحي الاجتماعي هورست سيهوفر، وشولتز، مؤتمراً صحافياً أعلنت خلاله ميركل، تعليقاً على موضوع إصلاح أوروبا الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن "العالم لا ينتظرنا، إننا بحاجة إلى انطلاقة جديدة في أوروبا". ووعدت بأن "ألمانيا ستجد حلولاً مع فرنسا تسمح بتحقيق هذا الهدف". وأضافت أن "انطلاقة جديدة لأوروبا هي كذلك انطلاقة جديدة لألمانيا". من جهته اعتبر شولتز أن "الاتفاق المبدئي الذي تمّ التوصل إليه هو نتيجة ممتازة".
ونصّت الوثيقة التي وضعها المفاوضون، بصورة خاصة، على أن "تعمل الحكومة الائتلافية المقبلة بالتعاون مع فرنسا من أجل تعزيز منطقة اليورو وإصلاحها لجعلها أقوى في وجه الأزمات". وكان الحزب الاشتراكي الديمقراطي متمسكاً بإصرار بهذه النقطة، في حين كان المحافظون أكثر تشكيكاً بشأنها بالأساس.
وكانت ألمانيا تترقب في الأيام الماضية ما ستسفر عنه نتائج المحادثات الحزبية سواء العودة إلى الحكم معاً بائتلاف كبير "غروكو" أو فشل المحادثات واللجوء إلى انتخابات مبكرة، بعد إعلان ميركل في وقت سابق عن استبعادها لحكومة أقلية مع الخضر. وخلال المؤتمر الصحافي المشترك مع شولتز وسيهوفر، أعلنت ميركل عن التوافق، قبل الإشادة بـ"التعامل المحترم بين المفاوضين خلال المحادثات المكثفة والخطيرة والعميقة جداً".
واتجهت الأنظار عقب الاتفاق إلى مؤتمر الحزب الاشتراكي المقرر في 21 يناير/كانون الثاني، وسيجتمع حوالي 600 مندوب في مدينة بون، للموافقة على توصية القيادة الحزبية بخوض مفاوضات تشكيل الحكومة. ومن المتوقع أن يسعى شولتز وخلال الأسبوع الفاصل بين انتهاء المحادثات وانعقاد المؤتمر، للتسويق للاتفاق المبدئي مع الاتحاد المسيحي وسيشدد على النقاط التي حققها حزبه في المحادثات، ومنها بقاء المعاش التقاعدي عند مستوى 48 في المائة حتى عام 2025، وإصلاح الاتحاد الأوروبي.
وتحقق الانفراج بعد محادثات مضنية بين الفريقين، والتي شهدت مشاورات بأشكال مختلفة تطلّبت في نهايتها تعديلات لتطهير بعض الشوائب على ورقة الاتفاق المؤلفة من 28 صفحة، وقيل إنها شهدت نوعاً من الصراعات على ملفات بعينها، بينها السياسة الضريبية في إطار عدم زيادة نسبة 3 في المائة على رواتب أصحاب الدخل المرتفع، فضلاً عن ملف اللاجئين ولمّ شمل عائلات المتمتعين بحماية فرعية من اللاجئين. كما كان هناك توافق على أن تكون عمليات لمّ الشمل محدودة للغاية وعلى نطاق ضيّق، وألا تتجاوز الألف حالة في الشهر.
كما ذكرت تقارير صحافية أنه "ووفقاً للورقة المتعلقة بنتائج المحادثات، طالب الاتحاد المسيحي أن تتراوح أعداد اللاجئين الذين سيصلون إلى البلاد بين 180 و220 ألف لاجئ، على أن تجري في المستقبل إجراءات اللجوء في مراكز الاستقبال المركزية، ويُعاد من ترفض طلبات لجوئهم، إذا ما كان الوضع مناسباً، إلى بلدانهم". مع العلم أن ألمانيا استقبلت أكثر من مليون لاجئ في عامي 2015 و2016، ما تسبّب بكثير من الانتقادات لميركل وسمح لليمين المتطرف بتحقيق اختراق لدى الرأي العام.
وفي القضايا الأخرى الرئيسية توافقت الأحزاب على الملفات المتعلقة بسياسة سوق العمل وتحسين ظروفه، وزيادة عدد العاملين في قطاع التمريض والرعاية الصحية. وفي ملف البيئة والمناخ، تمّ التوافق أن يحقق قطاع الطاقة أهدافه المناخية بحلول عام 2030، عدا عن المحافظة على قيمة المعاشات التقاعدية والإسكان. وتضمنت الورقة الاستكشافية صيغة تقضي ببناء 1.5 مليون وحدة سكنية لمعالجة النقص في المساكن، من خلال خلق حوافز ضريبية لبناء المجمعات السكنية الممولة من القطاع الخاص. وفي مجال التعليم كان هناك اعتراف بضرورة التعاون التام في سياسة التعليم ومن أن تكون هناك مراكز رعاية نهارية مجانية، إلى التأمين الصحي. بالإضافة إلى ملفات التوظيف في العديد من القطعات مع زيادة كبيرة في الإنفاق على الأبحاث والتطوير والابتكار، وأن تصل إلى نسبة 3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025، كما تمّ الاتفاق في الملف الزراعي على تقييد استخدام المواد الكيميائية.
وبخصوص السياسة الأوروبية توصلت المجموعات المفاوضة إلى توافق يقضي بتعزيز الاتحاد الأوروبي مالياً، حتى يتمكن من الوفاء بمهامه على نحو أفضل، على أن يتم التكفّل بإعداد الإطار المالي للسنوات المقبلة، تحديداً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد. كما توافقت الأطراف على عدم موافقة الحكومة المستقبلية فوراً على صادرات الأسلحة إلى الدول المشاركة في حرب اليمن.
وركّز شولتز خلال المفاوضات على مواضيع العدالة الاجتماعية سعياً منه لإقناع الناشطين، غير أن مطالبه لم تلق الكثير من الاستجابة. ورفض المحافظون طلب إنشاء نظام ضمان صحي على غرار الضمان الاجتماعي الفرنسي، يساهم فيه الجميع بهدف الحد من التباين في التغطية الصحية بين الأثرياء الذين يستفيدون من عقود تأمين خاص، وذوي الدخل المتواضع الذين ينضمون إلى الضمان الحكومي. ويكتفي النص في نهاية المطاف بالإشارة إلى زيادة مساهمة أرباب العمل في الخزائن العامة لتمويل الضمان. كما أن الاشتراكيين الديمقراطيين لم يحصلوا على طلبهم القاضي بزيادة الضرائب على المداخيل الأكثر ارتفاعاً. وبإمكان ألمانيا التي تشهد ازدهاراً ونمواً اقتصادياً أن تسمح لنفسها بمنح تقديمات، تحديداً مع تسجيل فائض في الميزانية تخطى 38 مليار يورو عام 2017.