"ليس عليكم أن تشكّوا أبداً، قد نأتي في أي ليلة فجأة، كما قمنا في ليلة من دون سابق إنذار بتوجيه الضربات، نقوم اليوم عبر العمليات في إدلب بإسقاط الجناح الغربي للممر الإرهابي. إن لم يقم الإرهابيون بتسليم أنفسهم في عفرين سنقوم بهدمها على رؤوسهم، وإن لم يتم الالتزام بالوعود التي تم قطعها لنا في منبج، عندها سننهي الأمر بأيدينا. لن يتجاوز الأمر الأسبوع الواحد كي يروا ماذا سنفعل، سنستمر في نضالنا حتى لا يبقى أي إرهابي". كلمات ألقاها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أثناء خطاب في مؤتمر فرع حزب العدالة والتنمية الحاكم في ولاية إلازغ التركية، مهدداً بطرد حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني) من عفرين ومنبج، ولكن هذه المرة بتحديد مدة لا تتجاوز الأسبوع لاتخاذ الخطوات. ولم يكد أردوغان ينهي كلمته، حتى بدأت قوات الجيش التركي المرابطة على حدود عفرين من الجانب التركي، بتوجيه ضربات مدفعية، أمس السبت، لمواقع "الاتحاد الديمقراطي"، طاولت مناطق عدة في الشمال السوري.
وعكس هذا التهديد حجم التوتر بين تركيا والولايات المتحدة بشكل كبير، بعدما صعّدت واشنطن من التزاماتها مع قوات حزب الاتحاد الديمقراطي، من خلال إعلانها تدريب قوات لتشكل حرس حدود للمناطق الخاضعة للحزب في وقتٍ باشرت البحث عن صياغة لإشراكه في محادثات السلام السورية، فضلاً عن عدم الالتزام بالوعد الذي قطعته إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، لتركيا بسحب قوات الاتحاد الديمقراطي من منبج بعد طرد تنظيم "داعش" منها.
وعلى الرغم من النبرة الحادة التي استخدمها أردوغان بما في ذلك قوله: "لقد قمنا سابقا بالقضاء على ثلاثة آلاف من عناصر داعش من جرابلس إلى الباب، وغداً إن استدعى الأمر سنقضي على ثلاثة آلاف إرهابي آخر، وعلى أولئك الذين يقفون ضدنا في قتالنا للإرهاب أن يعيدوا النظر"، إلا أن الرئيس التركي عبّر عن "رغبة بلاده بالتعاون مع الولايات المتحدة في سياساتها في المنطقة، بالقول: "نود أن نسيّر سياساتنا في المنطقة مع الولايات المتحدة، وهذا أمر لا يمكن أن يتم من طرف واحد. ومن يدخل جحر الأفعى بالنتيجة يشاركها، وإن أصرّت الولايات المتحدة على إلقاء نفسها في جحر الأفعى، عندها سنبحث عن حلول لأنفسنا".
جاءت تصريحات الرئيس التركي، بعد قيام هيئة من الخارجية الأميركية، يوم الجمعة الماضي، برئاسة الدبلوماسي الأميركي، ماكس مارتن، بزيارة مناطق قوات الاتحاد الديمقراطي في الشمال السوري، والتقت بكل من مجلس مدينة الرقة التابع لقوات "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، والقيادي في العمال الكردستاني، فرهاد جيلو (فرهاد عبدي شاهين)، وكذلك بهيئة من قيادات العمال الكردستاني قدمت من جبال قنديل، تضمّ كلاً من فوزي يوسف وبران جيا كرد. وطالبت قيادات الكردستاني، بحسب وكالة "الأناضول"، الولايات المتحدة بدعمهم للحصول على فيدرالية في سورية.
وكشف مصدر تركي مطلع لـ"العربي الجديد"، أن "اللقاءات التي أجرتها الهيئة الأميركية، لا تأتي فقط في إطار محاولات واشنطن جلب الدعم لإعادة إعمار المناطق التي يسيطر عليها الاتحاد الديمقراطي، ولكن الأساس فيها يعود إلى محاولات واشنطن إضفاء الشرعية والبحث عن طريقة لمشاركة الاتحاد الديمقراطي في مباحثات السلام السورية في جنيف". وأضاف أنه "حدثت اجتماعات في الخارجية الأميركية أخيراً بين ممثلين عن كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، شارك فيها عن المنطقة ممثلون عن كل من الأردن والسعودية، تم خلالها استبعاد تركيا رغم كونها عضوا في حلف شمال الأطلسي. وركزت هذه الاجتماعات على البحث عن غطاء لإشراك ممثلين عن الاتحاد الديمقراطي في مباحثات السلام في جنيف، الأمر الذي يعتبر تجاوزاً للخط الأحمر التركي، وترى القيادة التركية ضرورة مواجهته بكل الطرق ومهما كان الثمن".
وتابع المصدر قائلاً إن "أنقرة منفتحة على إمكانية التعاون مع واشنطن، لكن ذلك لا يمكن أن يتم مع محاولات الأميركيين شرعنة تنظيم إرهابي (العمال الكردستاني)، وبينما يتم رفع التواصل مع روسيا وإيران في هذا الشأن، فقد توجه وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، إلى الولايات المتحدة لجس النبض هناك، حتى يتم اتخاذ القرار النهائي في اجتماع مجلس الأمن القومي التركي المقبل"، المقرر في 17 يناير/كانون الثاني الحالي.