السبب الأوّل هو أنّ السعودية اعترفت للمرة الأولى بأنّ عليها مسؤولية في قضية اختفاء خاشقجي، فقد لزمت جانب الانكار منذ دخل الأخير القنصلية في الثاني من أكتوبر/تشرين الأوّل الحالي ولم يخرج. وهي اكتفت سابقاً بالقول إنه خرج من القنصلية ولا تعرف شيئاً عن مصيره. أمّا السبب الثاني، فهو أنّ التحقيق الداخلي مقدّمة لتحديد موقف معيّن من القضية، سواء في ما يتعلّق بخاشقجي كمواطن سعودي وما لحق به، أو بدور الجهات المسؤولة عما حصل. وهذا الإعلان سيوجّه رداً رسمياً من طرف السعودية على الحملة العالمية ضدها، كما أنّ من شأنه أن يساعد الادعاء التركي على توجيه التهمة، وملاحقة المتورطين بعملية القتل.
وسبق هذين التطوّرين اتصالٌ هاتفيٌ مساء الأحد من قبل الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وجاء الخبر على وكالة الأنباء السعودية "واس"، قبل أن تبثّه وسائل إعلام تركية. واللافت فيه عودة الرياض إلى استخدام لغة غير معهودة تجاه تركيا ذات طابع تصالحي ودّي، وهي "التأكيد على صلابة العلاقات الثنائية"، وأنّه "ليس في وسع أحد أن ينال منها". أمّا مصادر الرئاسة التركية فقد اكتفت بتعليق بارد لوسائل الإعلام يفيد بأنّ النقاش تطرّق في صورة أساسية إلى مصير الصحافي والكاتب جمال خاشقجي.
وجاء اتصال الملك سلمان في الوقت الذي كانت تستعدّ فيه أنقرة للإعلان عمّا بحوزتها من تفاصيل عن تصفية خاشقجي جسدياً داخل القنصلية السعودية، أي وقائع الشريط المسجّل الذي يدوم حوالي 20 دقيقة، ويوثّق ما حدث بين فريق الأمن السعودي الذي قدم من الرياض، وبين خاشقجي الذي تمّ احتجازه في مكتب القنصل فور دخوله، وبين أعضاء الوفد بعد قتل خاشقجي. ولم تكن أنقرة تريد الإعلان منفردة عن التفاصيل الجنائية التي تملكها عن الجريمة، بل فتحت الأبواب كافة أمام السعودية لتشاركها التحقيق في الجريمة، ولهذا استقبلت يوم الخميس الماضي وفداً سعودياً رفيعاً يقوده أمير منطقة مكة، خالد الفيصل، وجرى خلال الزيارة الاتفاق على تشكيل لجنة تحقيق مشتركة، وكانت التقديرات تشير إلى بدء عمل الفريق المشترك يوم السبت الماضي، بتفتيش القنصلية وبيت القنصل. ولكن السعودية عاودت النظر في الأمر، وتراجعت عن الخطوة، ممّا دفع السلطات التركية إلى التصعيد يوم الأحد، حيث اتهم وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو السعودية بالمماطلة. وفي هذا اليوم، جرى اتصال الملك سلمان مع أردوغان، والذي سبقه قيام رئيس الاستخبارات السعودية، خالد الحميدان، بزيارة أنقرة والاجتماع مع مسؤولين من الاستخبارات التركية ومكتب المدعي العام التركي.
وترى مصادر إعلامية تركية أنّ قبول السعودية بتفتيش القنصلية والإعلان عن تفتيش داخلي، سوف ينقل القضية إلى مستوى جديد، وصار ممكناً الحديث عن الخطوة الثانية، والتي تتمثّل بإعلان نتائج التحقيق، وهذا الأمر لن يستغرق وقتاً طويلاً، وهناك من يجزم بأنّه بات وشيكاً، حيث ينتظر عدد كبير من ممثلي الصحافة الدولية في اسطنبول إعلان ساعة الحقيقة.