وفي السياق، أشارت مصادر عدة إلى أنّ المليشيات الإيرانية و"حزب الله" موجودة اليوم إمّا في قواعد عسكرية تتبع لقوات النظام السوري، أو من خلال تشكيلات خاصة بها معروفة أو مستحدثة، وتنتشر في عموم الجنوب، خصوصاً قرب المناطق الحدودية مع الأردن وفلسطين المحتلة.
وقد كانت الزيارة التي قام بها وفد إيراني رسمي إلى مدينة درعا في 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي برئاسة أبو فضل الطبطبائي، ممثل المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، بمثابة التعبير العلني الأبرز عن اهتمام إيران الخاص بهذه المنطقة. وهو ما عبّر عنه طبطبائي خلال حضوره فعاليات رسمية وشعبية وعسكرية هناك، بقوله إنّ خامنئي شخصياً "مهتم بأهالي درعا"، حيث ستعمل إيران خلال الأشهر المقبلة على "مشاريع البنية التحتية وإعادة الإعمار وتعزيز المجتمع المحلي"، بحسب قوله، واعداً بمزيد من الزيارات للوفود الإيرانية إلى الجنوب.
التجنيد
وتأتي هذه الزيارة مع تواتر أنباء عن الأبعاد المختلفة للتغلغل الإيراني في الجنوب السوري عبر تشكيلات عسكرية تابعة لطهران أو لـ"حزب الله" اللبناني، ودفع رواتب مالية لإغراء شباب التسويات مع النظام بالانضمام إليها. وتشير هذه الأنباء إلى ظهور مجموعات تتبع للحزب في المنطقة الشرقية، خلال الأسابيع الأخيرة، تقوم بتقديم إغراءات لعناصر المعارضة، منها البقاء في المحافظة، ورواتب أعلى مما يتقاضونه في "الفرقة الرابعة" التابعة للنظام أو "الفيلق الخامس" الذي تشرف عليه روسيا.
وحسب تحقيق نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، مطلع الشهر الجاري، فقد عملت إيران عبر أذرعها الموجودة في سورية، على شراء ولاء فصائل مسلحة منتشرة في الجنوب السوري، ضمن استراتيجية جديدة لتعويض سحبها لمليشياتها هناك، مشيرةً إلى تمكّن "حزب الله" حتى الآن من "استمالة ألفي مقاتل من الفصائل التي كانت مدعومة سابقاً من الولايات المتحدة".
وقالت الصحيفة إنّ "حزب الله" وإيران يفهمان "أنّ اللعبة الفائزة هي لعبة الأرض: تحتاج إلى دمج نفسك في المجتمعات، تحتاج إلى بناء وجود وتكون جزءًا من الاقتصاد والبنية التحتية المحلية، وهذا الوجود، إضافة إلى لبنان، سيكون نقطة ارتكاز الصراع المقبل".
من جهته، قال "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إنّ الإيرانيين و"حزب الله" عادوا "إلى التوغّل في الجنوب السوري على شكل خلايا تتبع لهم، وتفرض نفوذهم الإداري والاستخباراتي في المنطقة ومناطق محاذية للحدود مع الجولان السوري المحتل، ومع الأردن، عبر موظفين يتبعون للحزب ولإيران، مقابل رواتب مالية مغرية".
وحسب تقرير "وول ستريت جورنال"، فإنّ الانضمام إلى "حزب الله" يوفّر ضمانة ضدّ الاعتقال من قبل النظام السوري، إضافة إلى إغراء المرتب الشهري الذي يبلغ 250 دولاراً، وهو أكثر مما يعطيه جيش النظام، وكذلك يزيد عن الراتب الذي كان يتقاضاه هؤلاء العناصر من فصائلهم السابقة في المعارضة.
إلى ذلك، نشر ناشطون قبل أيام تسجيلاً مصوراً يظهر المئات من العناصر المسلحين بزيٍ موحّد، في تخريج دورة لمقاتلين تابعين لمليشيا "حزب الله" اللبناني في منطقة اللجاة، شمال شرق محافظة درعا. ويظهر في التسجيل ضابط في قوات النظام برتبة عميد، يتحدّث خلال تخريج الدورة عن "الجهود المبذولة" من قبل "حزب الله" في تدريب العناصر المنضمة حديثاً، لافتاً إلى أنّ هؤلاء العناصر سيكونون الأداة التي سيعتمد عليها نظام الأسد لاستعادة كامل الأراضي السورية. وفي السياق، قالت مصادر محلية إنّه تمّ تخريج هذه الدورة، بتاريخ 16 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وضمّت حوالي 60 عنصراً. وتعدّ منطقة اللجاة بأرضها الوعرة، مناسبة لإقامة قواعد عسكرية فيها.
وأكّدت المصادر أنّ الحزب تمكّن من تجنيد حوالي 700 عنصر، من المدنيين والعناصر السابقين في "الجيش السوري الحر"، في بلدات صيدا والحارة وكحيل والمسيفرة، بريف درعا الشرقي، خلال الفترة الماضية، في حين يجول ضباط إيرانيون على مخيمات للنازحين في المنطقة لتجنيدهم في وحدات عسكرية. وتسعى إيران ومعها مليشيا "حزب الله"، عبر عمليات التطويع هذه، إلى بسط نفوذها في الجنوب السوري، عبر كوادر محلية تنفّذ أجندتها، للالتفاف على التفاهمات الدولية التي قضت بإبعاد إيران ومليشياتها نحو 100 كيلومتر عن الجولان المحتل.
وتأكيداً على استمرار وجود إيران ومليشياتها في المنطقة، فقد ظهر قائد مليشيا "أبو الفضل العباس" العراقية في درعا، برفقة ضابط روسي في مدرسة تتخذها المليشيا مقراً عسكرياً لها في منطقة داعل غربي درعا، فيما نعت مواقع إيرانية الضابط في الحرس الثوري الإيراني، محمد إبراهيم رشيدي، الذي قتل في المعارك مع تنظيم "داعش" شرقي السويداء. كذلك أشارت مصادر محلية منتصف الشهر الماضي، إلى مقتل ضابط في صفوف مليشيا "حزب الله" إضافة إلى عدد من مرافقيه في مدينة جاسم شمالي غرب محافظة درعا بهجوم من جانب مسلحين مجهولين.
وكانت تفاهمات روسية - إسرائيلية قد أفضت الصيف الماضي إلى إبعاد إيران ومليشياتها عن الجنوب، فيما أكّدت مصادر المعارضة أنّ مقاتلي المليشيا كانوا يرتدون زي الجيش النظامي السوري في محاولة للبقاء في المنطقة، ولتجنّب الضربات الجوية الإسرائيلية.
تنسيق مع روسيا
تعليقاً على ذلك، قال عضو قيادة المنطقة الجنوبية في المعارضة سابقاً، أبو توفيق الديراني، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "التشكيلات التي يتم التجنيد فيها تتبع لحزب الله وللحرس الثوري الإيراني، بمعزل عن التجنيد الذي يتم لصالح الروس وجيش النظام". ورأى الديراني أنّه "وإن كانت روسيا هي التي تقود النظام والإيرانيين، وتقود اللعبة كلها في الجنوب وعموم سورية، وهي تحاول توظيف التدخّل الإيراني لصالحها، لكن للإيرانيين خططهم الخاصة والسرية، وأحياناً لا تستطيع روسيا مواكبة هذه الخطط ولا حتى إيقافها".
وعمّا إذا كان التجنيد في الجنوب يتمّ باسم "حزب الله" بشكل مباشر أم يتخفّى خلف أسماء تنظيمات أخرى، قال الديراني إنّه "يتمّ في بعض القرى بشكل مباشر وبدون مواربة، وفي قرى أخرى عبر واجهات محلية مثل الانتساب إلى الفرقة 313 التي تتبع لحزب الله، بالإضافة إلى بعض التشكيلات العراقية"، مشيراً إلى أنّ "المنتسبين لا يخفون هويتهم من خلال لباسهم والشعارات التي تظهر عليها، وهي شعارات ذات صبغة طائفية". ولفت الديراني إلى أنّ أغلب هذه الأنشطة "تتم في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وتلك القريبة من الحدود مع فلسطين المحتلة أو القرى التي تعتبر فقيرة ونائية مثل مخيم درعا ومناطق شرق حوران"، موضحاً أنّ "حزب الله دفع بمجموعة أمنية تابعة له كموظفين مدنيين يعملون في شركات التخليص الجمركي".
حركة تشيّع
وبالتوازي مع هذا التمدّد العسكري، تنشط حركة تشيّع في العديد من مناطق الجنوب السوري، وفق مصادر متطابقة. وفي هذا الإطار، قال "المرصد السوري" إنه "جرى فتح مكاتب ومراكز تابعة للإيرانيين وحزب الله اللبناني، ومزارات تعود للطائفة الشيعية في محافظة درعا، وتحديدًا في مناطق صيدا وكحيل والشيخ مسكين ومدينة درعا ومناطق أخرى من ريف المحافظة الجنوبية".
وتفيد تقارير بأنّ المليشيات الإيرانية، ومنها "لواء الإمام الحسن"، و"فرقة الرضوان"، و"لواء أبو الفضل العباس" العراقي، تسعى إلى صناعة أذرع لها في مناطق مختلفة من درعا عبر نشر المذهب الشيعي بين الأوساط المحلية. وقد أنشأت إيران في أواخر الشهر الماضي، أي بعد زيارة مبعوث خامنئي إلى المنطقة، فرعًا لمنظمة دينية شيعية، وهي "الزهراء"، في محافظة درعا.
والواقع أنّ الاهتمام الإيراني بالجنوب السوري يعود إلى فترة الحرب العراقية - الإيرانية ووصول اللاجئين العراقيين إلى درعا، الذين كان لهم دور في نشر المذهب الشيعي بطرق مختلفة. كذلك لعبت المستشارية الثقافية الإيرانية دوراً بارزاً في عملية التشيّع، معتمدةً على بعض الأشخاص المقربين من النظام مثل زيدان غزالي، أحد أقرباء رستم غزالي، الذي كان أحد أقوى قادة الأفرع الأمنية في سورية سابقاً، إذ ظهرت منذ ذلك الوقت العديد من الحوزات العلمية والحُسينيات بمدينة درعا، وفي بعض المناطق التي يوجد بها الشيعة.
وتغدق إيران على اتباع المذهب الشيعي الأموال والمساعدات العينية، والكتب والمنشورات الدينية. وقد عبر القيادي العسكري السابق في "الجيش الحر"، أدهم أكراد، عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، عن القلق من هذه الأنشطة الإيرانية، بقوله "ما يحدث حالياً، أخطر من الصراع العسكري، حيث نحارَب عقائدياً وفكرياً ووجودياً من خلال التمدّد الشيعي، الذي يعمل على شراء العقارات والأراضي من خلال أدوات رخيصة، وتشييع المناطق النائية والبسيطة، بل وشراء الأسلحة ووهبها إلى جهات مخفية"، مضيفاً "حقيقة، ما يحاك لحوران ينذر بحراك وحرب طائفية تفرض وجودها، رغم الآلام والجراح المثخنة لدى شعبنا". وأطلق أكراد صرخة في منشور آخر بقوله: "حوران تُلتهم من قبل حزب الله".
تغلغل اقتصادي وإداري
إلى جانب كل هذا، حرصت إيران على التمدّد الاقتصادي في الجنوب عبر شراء الأراضي والعقارات المختلفة، إضافة إلى دفع عناصر موالية لها للعمل داخل معبر نصيب على الحدود السورية الأردنية، والذي افتتح أخيراً.
وقالت مصادر محلية إنّ عناصر من "حزب الله" قاموا بإدخال العشرات من الأشخاص إلى المعبر والجمرك القديم في درعا البلد وتوظيفهم مقابل رواتب تراوح بين 200 و350 دولاراً.
كذلك ذكرت المصادر أنّ شخصيّات مقربة من "حزب الله" وإيران دخلت ضمن مجلس محافظة درعا التابع للنظام، وذلك بعد أن تمّ ترشيحهم من جانب المجلس المحلي لمدينة بصرى الشام (جزء من سكانها من الطائفة الشيعية)، ليكونوا أعضاء في المكتب التنفيذي للمحافظة، ومنهم محمود الخضر ومرعي النجار، علماً أنّ هذه الشخصيّات كانت معروفة بأنها كانت تعمل ضمن التشكيلات العسكريّة التابعة لـ"حزب الله" وإيران قبل وبعد خروجها من بصرى الشام، وتعود الآن إلى الشأن العام بزي آخر.