تتزامن التهديدات الإسرائيلية لقيادات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، خصوصاً لقائد حركة "حماس" في القطاع، يحيى السنوار، والتي زادت بشكل ملفت مع انتهاء جولة التصعيد الأخيرة، مع استمرار رفع درجة التأهب في صفوف الأجنحة العسكرية للفصائل في القطاع. وعممت قوى المقاومة، وفق مصادر "العربي الجديد"، على عناصرها بأخذ أقصى درجات الحيطة والحذر. ونفس التعميم وصل إلى قيادات الفصائل الرئيسية، الذين باتوا لا يظهرون بشكل علني كما في الأيام التي سبقت العدوان الأخير.
وقبل يومين، أخلت الأجهزة الأمنية الحكومية في قطاع غزة، بشكل مفاجئ، مقارها لنحو خمس ساعات. ويبدو أنّ معلومات نقلت لها جعلتها تقدم على هذه الخطوة التي أثارت قلق الفلسطينيين، خصوصاً مع تذكرهم مشاهد قصف المقار الأمنية الحكومية في عدوان العام 2008، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 200 عنصر أمن في ضربة واحدة. ولا تزال المقاومة في حال من التأهب، منذ انتهاء العدوان الأخير، نتيجة قراءة متقدمة لما جرى في التصعيد، وما تبعه من تأثيرات على الحكومة الإسرائيلية، والضغوط التي تمارس على رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي قد يذهب لاغتيال أحد قادة المقاومة والفصائل في غزة لترميم حالة الردع التي تآكلت، وفق ما يقول الإسرائيليون والفلسطينيون.
وهدد وزير إسرائيلي بارز باغتيال رئيس حركة "حماس" في غزة. وقال وزير الإسكان، يوآف غالانت، إن "وقت يحيى السنوار محدود" و"لن ينهي حياته في دار للمسنين"، في إشارة إلى قرار إسرائيلي باغتياله. وتعهد غالانت بأن تكون هناك حملة إسرائيلية أخرى في غزة، معتبراً أنه من الأفضل للسنوار "إعادة دراسة طريقه". وقال وزير الاستخبارات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، "نحن حالياً قريبون من حرب لا خيار عنها ضد حماس في غزة. يجب أن نضرب بقوة لاستعادة الردع". وأضاف "أي هجوم على إسرائيل يجب أن يواجه برد قاس. إذا أطلق السنوار أو هنية رصاصة أو قذيفة على جندي أو مدني إسرائيلي فسيكون الثمن رأسيهما". وكان السنوار أعلن، قبل أيام في مهرجان تأبيني لسبعة شهداء تصدوا للقوة الإسرائيلية المتسللة شرق خان يونس جنوبي القطاع، أنّ الرشقات الصاروخية التي ضُربت بها المستوطنات خلال المواجهة الأخيرة باتت أكثر عدداً ودقة، ورؤوسها التفجيرية باتت أكبر من ذي قبل، وأبطلت مفعول "القبة الحديدية". ونقل السنوار، خلال التأبين، رسالة من القائد العام لكتائب القسام، محمد الضيف، أنه لو زاد الاحتلال في الموجة الأخيرة لزدنا، وأنه رفض الكشف عن عدد الصواريخ في الرشقة التي كانت ستضرب تل أبيب، قائلاً له "دعها سراً وستتحدث عن نفسها إذا حدثت". ويبدو السنوار أكثر من غيره في دائرة التهديدات الإسرائيلية، فهو القيادي السياسي الأبرز لـ"حماس" في القطاع، كما أنه لا يُخفي علاقته بالذراع العسكرية للحركة، كتائب القسام، على عكس قيادات أخرى تلتزم بعملها السياسي الصرف.
ورأى الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، أنّ الاحتلال استعاض عن الرد العسكري بالتهديد، وأنه لو كان يريد القيام بعملية اغتيال لما قام بإطلاق مثل هذه التهديدات، وذهب إلى هذه العملية بسرية ودون إعلان. وقال المدهون، لـ"العربي الجديد"، إنّ الاحتلال الإسرائيلي منذ فترة طويلة وهو يطلق التهديدات لقادة المقاومة، خصوصا لرئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، والسنوار، كعناوين بارزة للمقاومة الفلسطينية، وهذا ليس التهديد الأول ولن يكون الأخير. وأضاف "اليوم هناك تعقيدات كبيرة تواجه الاحتلال في ظل ارتفاع تكلفة أي اغتيال. ونذكر أنه عندما اغتالت إسرائيل قائد القسام، أحمد الجعبري، رفعت المقاومة تكلفة الاغتيال وقصفت غوش دان وتل أبيب ما أدى لمواجهة محدودة لسبعة أيام". وأوضح المدهون أنّ التهديدات التي تصدر عن الاحتلال ورموزه "لها أهداف داخلية، وهي محاولة لتعويض ما فقده الاحتلال من قوة ردع، وأيضاً هروباً من النتيجة التي حدثت في المواجهة الأخيرة، والتي أدت لوقف إطلاق النار، بعد أنّ وسعت المقاومة دائرة ردها على العدوان". ولفت المدهون إلى أن ّالاغتيالات الإسرائيلية لا تؤثر على المقاومة بالحد الذي يزعمه الاحتلال الإسرائيلي، فالمقاومة اليوم "منظومة قوية، وهناك عشرات القيادات المركزية، ومئات القيادات الميدانية، وآلاف العناصر، ولا تعتمد على شخص واحد، أو أشخاص محددين".