حظيت حكومة الاحتلال الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، بمهلة شهر ونصف الشهر لإعداد قانون التجنيد الذي يهدّد الحريديم في حال عدم تشريعه وفق مطالبهم بترك الحكومة والخروج من الائتلاف الحكومي وإسقاط حكومة نتنياهو. وجاء قرار المحكمة الإسرائيلية العليا بعد ظهر أمس الأحد، قبل ساعات من انتهاء مهلة سابقة منحتها للحكومة في سبتمبر/ أيلول الماضي لتشريع القانون المذكور. وكان يفترض أن تنتهي عند منتصف ليلة أمس، لكن المحكمة استجابت لتوجه الحكومة الإسرائيلية بمنحها مهلة بفعل التغيير الذي حصل في موازين قوى الائتلاف الحكومي بعد استقالة أفيغدور ليبرمان في الشهر الماضي من منصب وزير الأمن، وانسحاب كتلته من الائتلاف الحكومي الذي تراجع عدد أعضائه إلى 61 عضواً.
وكانت الحكومة قدمت مشروعاً على مسودة قانون أعدتها وزارة الأمن وبالتنسيق بين الجيش وليبرمان، وسط احتجاج الحريديم وإعلانهم معارضة القانون في حال مر بصيغته الأولى. لكن التغيير في الائتلاف الحكومي، وإصرار نائب وزير الصحة، يعقوف ليتسمان، على ألا يشمل القانون الجديد إجراءات جنائية ضد الشبان الحريديم أو عقوبات مالية شخصية عليهم من جهة، وموقف ليبرمان الجديد الذي يصر، بعد أن بات في المعارضة، على النص الأصلي الذي يقترحه الجيش، يهدّد بعدم تمكن الحكومة الحالية من تشريع القانون، وهو ما قد يؤدي إلى أزمة ائتلافية جديدة في ائتلاف نتنياهو، الذي نجا قبل أسبوعين من أزمة مماثلة بعد استقالة ليبرمان من الحكومة على خلفية وقف إطلاق النار بين إسرائيل وفصائل المقاومة، وتهديد زعيم البيت اليهودي، نفتالي بينت، بالاستقالة من الحكومة، ما لم يعين وزيراً للأمن خلفاً لليبرمان. وقد تراجع بينت في اللحظة الأخيرة بفعل ضغوط من حاخامات التيار الديني الصهيوني عليه.
وبالرغم من حصول نتنياهو أمس على مهلة لمدة شهر ونصف الشهر، إلا أن حكومته قد تواجه أزمة أخرى، وإن كانت غير مباشرة، بعدما نشرت الشرطة الإسرائيلية أمس رسمياً توصياتها النهائية بشأن تقديم لائحة اتهام رسمية ضد نتنياهو وزوجته بتهم تلقي الرشاوى وخيانة الأمانة العامة وتشويش مجرى التحقيقات، وهي توصيات قد تستغرق النيابة العامة الإسرائيلية، ممثلة بالمستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، بعض الوقت، لإعلان موقف رسمي حيال هذه التوصيات وقبولها، وبالتالي تقديم لائحة اتهام رسمية، وهو ما من شأنه أن يسرع في انهيار الحكومة وائتلافها الحالي، خصوصاً إذا انضم وزير المالية وزعيم حزب "كولانو"، موشيه كاحلون، إلى مطالبي نتنياهو بالاستقالة من منصبه في حال قدمت ضده لوائح اتهام رسمية. ومع إقرار كثير من المتابعين في إسرائيل أن محاولات نتنياهو في الفترة الأخيرة تلافي تبكير موعد الانتخابات، بالأساس بفعل خوفه من قرارات الشرطة، وسعيه لتحديد موعد مناسب له، يقدر المتابعون أنه سيكون في مايو/ أيار المقبل، إلا أن توصيات الشرطة أمس، زادت من حدة موقف نتنياهو الرافض لها إلى درجة التشكيك في مهنية الشرطة ونزاهتها، وحتى في دوافع تحديد موعد الأمس لنشر توصياتها، لكون المفتش العام للشرطة، روني الشيخ، ينهي اليوم الإثنين ولايته رسمياً، وعليه فقد حرص على نشرها قبل إنهاء ولايته، وفق مزاعم المقربين من نتنياهو، بفعل التوتر وتردي العلاقة بين الرجلين.
ويحاول نتنياهو، وبشكل ثابت، التقليل من شأن توصيات الشرطة، ومكانتها القانونية لتبرير موقفه الرافض للاستقالة من منصبه، بفعل نشر هذه التوصيات. وتشكل توصيات الشرطة أمس الثالثة من نوعها بحق نتنياهو. فالتوصيات التي نشرت أمس تتصل بالملف 4000، وفق اسمه الرسمي، والخاص بقيام نتنياهو بمنح رجل الأعمال ومدير شركة "بيزك" للاتصالات الأرضية، شاؤول إيلوفيتش، امتيازات تقدرها الشرطة بمليار شيقل (الشيقل يساوي 3.7 دولارات)، مقابل نشر تقارير وأخبار إيجابية عن نتنياهو وزوجته سارة في موقع "والاه" الإخباري، الذي كان إيلوفيتش يملكه. وقام نتنياهو ومستشار عائلته الإعلامي، نير حيفتس، (تحول لاحقاً إلى شاهد ملكي ضد نتنياهو في نفس القضية)، بين عامي 2012 و2015، بتزويد الموقع بأخبار وتقارير إيجابية عن نتنياهو بشكل يومي، فضلاً عن التدخل لمنع نشر انتقادات لشخص عقيلة نتنياهو سارة نتنياهو.
وتنضم هذه التوصيات إلى توصيات للشرطة الإسرائيلية ضد نتنياهو وزوجته في ملفين آخرين، هما الملف 1000 الذي يتصل بتلقي هدايا خلافاً للقانون، والملف 2000 الذي يتعلق بمحاولات إبرام صفقة رشاوى مع ناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت"، عبر عدم إصدار ملحق أسبوعي لصحيفة "يسرائيل هيوم" التي توزع مجاناً، مقابل تعديل خط تحرير الصحيفة لصالح نتنياهو. وستمثل هذه التطورات، برأي كثيرين من متابعي حكومة نتنياهو، العامل أو الاعتبار الرئيسي لدى نتنياهو بشأن تبكير موعد الانتخابات وفقاً لوضعه القانوني، إلا أن نتنياهو سارع أمس إلى رفض توصيات الشرطة والقول إنها لا تملك أي مكانة قضائية ملزمة. ولم يكتف نتنياهو بذلك، بل حدد معالم ما يبدو أنه خطه الدعائي الانتخابي في حال تم تبكير موعد الانتخابات، بشكل يضرب مصداقية الشرطة كلياً، من خلال الإعلان أمس أن هذه التوصيات أعدت وسربت للصحافة حتى قبل بدء التحقيق الشرطي رسمياً. وقال نتنياهو، في بيان عممه على وسائل الإعلام، إن "توصيات الشرطة بشأني وبشأن زوجتي لم تفاجئ أحداً، ولا موعد وتوقيت النشر المكشوف". وأضاف "هذه التوصيات حددت وسربت حتى قبل بدء التحقيقات أصلاً. توصيات الشرطة لا مكانة قضائية لها. وقد رفضت الجهات المخولة (يقصد مندلبليت والنيابة العامة)، أخيراً وبشكل جارف، توصيات الشرطة ضد شخصيات جماهيرية وعامة. كلي ثقة بأنه في هذه الحالة أيضاً فإن الجهات المخولة، بعد أن تفحص الأمور، ستصل إلى نفس الاستنتاج، بأنه لم يكن هناك شيء، لأن شيئاً لم يحدث".
ويحاول نتنياهو استغلال النشر، وما سبق من تسريب عن نوايا الشرطة التوصية بتقديمه للمحاكمة لتكريس خط دعاية بأن الملفات ضده كلها ملفقة، وأنها محالة من الشرطة وجهات مختلفة في إسرائيل، وعلى رأسها اليسار الإسرائيلي، لإسقاط حكومة اليمين وإسقاط اليمين كله، وليس استهدافاً شخصياً له بسبب شبهات الفساد وتلقيه الرشوة والهدايا خلافاً للقانون. وعليه فإنه من المتوقع أن تشهد إسرائيل، هذا الأسبوع، تصعيداً في دعوات المعارضة لنتنياهو إلى الاستقالة من منصبه، ودعوة حزب الليكود إلى اختيار بديل لنتنياهو لرئاسة الحكومة إلى حين إجراء الانتخابات، وفق دعوة زعيم حزب "ييش عتيد"، يئير لبيد، وزعيمة المعارضة، تسيبي ليفني، أمس. في المقابل بدا واضحاً منذ أمس أن نتنياهو مصرّ على تجاهل التوصيات وتوظيفها للدعاية والتحريض ضد اليسار ونخبه المسيطرة على الإعلام، واتهامه بمحاولة قلب الحكم في إسرائيل عبر ملفات الشرطة وليس عبر صناديق الاقتراع.