لا أحد يعرفُ حقيقة موقف إيمانويل ماكرون من النظام السوري. فالرئيس الفرنسي متأرجحٌ في تصريحاته، بين التهديد تارةً، وبين التأكيد على أن رحيل بشار الأسد ليس شرطاً أولياً مُسبقاً لأي حلٍّ سياسي في سورية.
وفي هذا الصدد، تُذكّر صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية، اليوم الخميس، بأن ماكرون، بمجرد وصوله إلى قصر الإليزيه، بَادَرَ إلى تقديم وعدٍ تمثل بأن استخدام الأسلحة الكيمائية في سورية سيكون "خطّاً أحمر"، وأنه إذا تمّ تجاوزُ هذا الخط، فسيكون النظام السوري هدفاً لـ "ردّ فوري". وأضاف الرئيس الفرنسي حينها بأن "الردّ يمكن أن يأتي من فرنسا لوحدها".
ويرى وزير الخارجية الفرنسي، جان - إيف لودريان، أنّ كل شيء في سورية يشير إلى أن "السلطات السورية، في هذه الأوقات، تلجأ في هجماتها ضد المعارضة إلى استخدام الكلور".
وهنا لا يزال الموقف الرسمي الفرنسي، الذي وعد به إيمانويل ماكرون، حذِراً. وهذا ما تراه "لو فيغارو" التي تستشهد برأي برونو تيرتريس، المدير المساعد "للمؤسسة من أجل البحث الاستراتيجي"، إذ يؤكد أن "الخط الأحمر الرئاسي يتضمن دائماً عنصرين، النصّ والروحية".
وترى "لو فيغارو" أن الروحية، التي تمّ نقاشها مع الأميركيين، تستمد من دون شكّ، مرجعيتها من الهجمات الفتّاكة والواسعة التي نفذها النظام السوري على غرار ما ارتُكب على يديه في الغوطة عام 2013، وفي خان شيخون في إبريل/نيسان 2017.
وقد رافق الهجوم على الغوطة ظهورُ مشروع غربي للانتقام من الأسد، سرعان ما تخلى عنه الرئيس الأميركي باراك أوباما، مسبّباً آنذاك امتعاضاً وغضباً فرنسيين، فيما عوقب الهجوم على خان شيخون، بِوَابلٍ من الصواريخ الأميركية، بأمر من الرئيس دونالد ترامب.
وتقارن "لو فيغارو" بين الأمس واليوم، وترى "أننا لم نصل إلى مرحلة الخط الأحمر"، وأن الغارات الأخيرة للنظام التي استهدفت سراقب ودوما، والتي استُخدمت فيها مادة الكلور، لم تتسبب في سقوط قتلى، ولا تزال موضع تحقيق من قبل الأمم المتحدة.
وبالرغم من ذلك، تأمل الصحيفة أن يساهم "تكرار هذه الهجمات من قبل النظام السوري، وكونها تحدث بعد المؤتمر الدولي الذي دعت إليه فرنسا للبحث في حظر الأسلحة الكيميائية، في تحريك الأمور".
ولكن العائق الأكبر في وجه كل عملٍ ضد النظام السوري، يظلُّ هو الموقف الروسي. وبالرغم من اعتراف الأميركيين بقلقهم من الهجمات الجديدة، وعدم استبعادهم استخدام القوة، إلا أن ما يغذّي انزعاجهم هو الموقف الروسي. فالحليف الروسي للنظام السوري، الذي أشرف على عملية الخروج الآمن من الأزمة في 2013، وأنقذ دمشق من الضربات الغربية، لم يتأكد من قيام حليفه بالتدمير الكلي للمخازن الكيميائية.
ومنذ عام 2013، لم يتوقف الروس عن حماية النظام السوري من الغضب الغربي بسبب هذه الاستخدامات. ولعلّ آخر الأمثلة على ذلك، ما حدث الخريف الماضي، حين أفشل الروس، باعتمادهم على الفيتو، المهمة الدولية حول استخدام الأسلحة الكيميائية، التي كانت تشير بأصابعها إلى النظام السوري.
كما أن الروس حاولوا، مؤخراً، تأخير تبنّي الإعلان الأميركي الذي يدين الهجمات الكيميائية الأخيرة، والذي يطالب بمحاكمة المسؤولين.
وتشير "لو فيغارو" إلى أن فرنسا أشهرت "تابو" الأسلحة الكيميائية، حيث لا تزال آثار التخلي الأميركي، عام 2013، بادية"، كما أنها "تتحلى باليقظة في مواجهة قضايا انتشار هذا النوع من الأسلحة".
وببعض التفاؤل، تشير الصحيفة الفرنسية اليمينية إلى أن العلاقات بين إيمانويل ماكرون ودونالد ترامب، أفضل من تلك التي كانت تربط باراك أوباما بفرانسوا هولاند.
لكن الأمر لم يصل بعد إلى الاتفاق بين البلدين حول الضربات التي يمكن توجيهها لنظام الأسد، لأنّه، كما يشير الباحث برونو تيرتريس "لا يمكننا أن نطرح سؤالاً حول امكانية القيام بعملية عسكرية من دون دراسة السياق الدبلوماسي، ومن دون التساؤل حول ما إذا كانت مثل هذه العملية ستخدم أم لا مَصالحَنا". أي أن المصالح الغربية فوق أي اعتبار!