وباتت مدينة عفرين شبه محاصرة من قبل الجيشين التركي و"السوري الحر"، بعد 54 يوماً على بدء عملية "غصن الزيتون"، إذ لم يعد يفصلهما عن ذلك سوى كيلومتر واحد من الجهة الشمالية حيث يتمركزان في بلدة الهوى، في حين أصبح الجيشان على مسافة 5 كيلومترات من الجهة الجنوبية حيث وصلا إلى بلدة كوجكا.
ولا تزال "الوحدات الكردية" تسيطر على عشرات القرى إلى الغرب من مدينة عفرين، وفي قلب هذه القرى بلدة معبطلي التي تتمركز فيها قوات تتبع للنظام السوري كان أدخلها أخيراً إلى عفرين تحت مسمى "قوات شعبية". ومن غير الواضح ما إذا كان الجيش التركي ينوي محاصرة عفرين جغرافياً بشكل كامل. لكن مصادر مطلعة أكدت لـ"العربي الجديد"، أن مدينة عفرين باتت محاصرة نارياً، مشيرةً إلى أنّ الوحدات الكردية "باتت مشلولة وفقدت القدرة على المناورة والدفاع عن مواقعها المتبقية".
وأعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أمله في أن يسيطر جيش بلاده، وفصائل تتبع للجيش "السوري الحر"، على مدينة عفرين السورية بالكامل بحلول مساء (أمس) الأربعاء. إلا أن مصدراً في الرئاسة التركية أوضح لاحقاً أن أردوغان يأمل في التوصل إلى "تطويق كامل" لعفرين، موضحاً بذلك تصريحات لأردوغان قال فيها إنه يأمل "بسقوط المدينة".
وأكد أردوغان في خطاب ألقاه لدى لقائه بممثلي المخاتير في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، أنّ قوات غصن الزيتون "تتخذ كافة أشكال الحذر والحيطة، وتعمل حالياً على إخراج المدنيين من عفرين بواسطة سيارات عبر ممر خاص"، موضحاً أنه "تم تحييد حوالي 3500 إرهابي وتطهير نحو 1300 كيلومتر مربع من الأراضي خلال العملية"، بحسب ما نقلت عنه وكالة "الأناضول".
من جانبهم، وصف أكراد سورية تصريحات الرئيس التركي حول عفرين بأنها "أحلام يقظة"، وفق ما قال قيادي رفيع لوكالة "فرانس برس". وقال ريدور خليل، مسؤول مكتب العلاقات العامة في قوات سورية الديمقراطية، التي تعد الوحدات الكردية أبرز مكوناتها: "يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحلم أحلام اليقظة من خلال قوله إن عفرين ستسقط الليلة"، مضيفاً "في المدينة مئات الآلاف من المدنيين، والمدافعون عنها على أسوارها، ولن يسمحوا باقتراب الجيش التركي وفصائله الإرهابية منها بهذه السهولة". وحذّر من أنّ "النتائج ستكون عليهم كارثية ومكلفة جداً".
وقال أردوغان أيضاً إن "الطرقات التي يستخدمها الإرهابيون في الشرق للدخول إلى المنطقة والخروج منها، ستغلق اليوم (أمس)، أو غداً (اليوم)، إن شاء الله". وكرّر القول إنه بعد عفرين ستقوم تركيا "بتطهير" المدن الأخرى الخاضعة لسيطرة "وحدات حماية الشعب الكردية" في شمال سورية، بينها منبج التي ينتشر فيها أيضاً جنود أميركيون. وانتقد أردوغان التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش"، بقوله: "قوات التحالف الدولي ساعدت الإرهابيين على حفر الأنفاق في الجبال، لأنهم لا يملكون هذا القدر من الذكاء".
كذلك، تعهد أردوغان بسحق المسلحين الأكراد في العراق، وقال إن بلاده وحكومة بغداد "ستشنّان حملة عسكرية مشتركة عليهم هناك"، مضيفاً "نبحث عن الخلايا الإرهابية في شمال العراق في كل فرصة ممكنة. سنجهز بقوة على الإرهابيين هناك".
إلى ذلك، أعلنت رئاسة الأركان التركية، أمس الأربعاء، عن "تحييد 3444 إرهابياً منذ انطلاق عملية غصن الزيتون في منطقة عفرين"، مشيرةً في بيان، إلى أن العملية العسكرية المتواصلة منذ 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، "تهدف إلى تحييد عناصر الوحدات الكردية في المنطقة وإنقاذ الشعب الصديق والشقيق هناك من الظلم والضغوط، فضلاً عن تحقيق الأمن والاستقرار على الحدود التركية السورية". ونقلت وكالة "الأناضول" عن مصادر عسكرية أن جندياً تركياً قتل جراء "انفجار قنبلة وضعها إرهابيون بين صفحات مزقوها من القرآن الكريم في قرية درمشكانلي" التابعة لمنطقة عفرين السورية.
وقالت المصادر إن الحادث وقع الثلاثاء، خلال تنظيف منطقة سكنية من المتفجرات والألغام من قبل وحدة من الخبراء الأتراك المختصين، مشددةً على أن "هذه العمليات الإرهابية لن تعرقل عملية غصن الزيتون بأي شكل من الأشكال". وأكّدت أن الخبراء الأتراك "رصدوا العديد من القنابل والألغام الموضوعة في أماكن لا تخطر على بال كثيرين، مثل ملابس داخلية ونسائية ومواد غذائية، وأن بعضها مرتبط بأجهزة تحكم عن بعد".
وأوضحت المصادر العسكرية "أن أجهزة استخبارات أجنبية ساعدت ودربت الإرهابيين على وضع مثل هذه المتفجرات"، مشيرةً إلى أن "الطرق المتبعة في وضع الكمائن بعفرين، كانت القوات التركية قد رصدتها سابقاً خلال عملياتها ضد حزب العمال الكردستاني شرقي وجنوب شرقي تركيا".
وفي تطوّر ميداني لافت، قتل خمسة عناصر من مليشيات موالية للنظام السوري بقصف جوي تركي على حاجز الحرش، شمال بلدة نبل، بريف حلب الشمالي. ونقلت وكالة "رويترز" عمّن وصفته بـ"قائد موال" لقوات النظام، إن "ثلاث ضربات جوية تركية أصابت نقطة تفتيش تابعة لمقاتلين شيعة موالين للنظام على الطريق إلى عفرين في شمال غرب سورية، يوم الأربعاء، ما أسفر عن مقتل خمسة من المقاتلين"، موضحاً أن "المقاتلين الشيعة، الذين يسيطرون على قريتي نبل والزهراء القريبتين، سيطروا في الآونة الأخيرة على الموقع وفق اتفاق مع وحدات حماية الشعب الكردية السورية".
وفي السياق نفسه، أكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن "عدد قتلى المليشيات الموالية للنظام أكبر من العدد المعلن"، مشيرةً إلى "وجود تنسيق وتعاون بينها وبين الوحدات الكردية". وأكّدت أن هذه المليشيات "تسهّل مرور أسلحة وذخائر ومقاتلين لمساندة الوحدات. كما يتعاون الطرفان في تسهيل خروج مدنيين من منطقة عفرين إلى مدينة حلب ومناطق أخرى تحت سيطرة النظام، مقابل مبالغ مالية تصل إلى ما يعادل نحو ألف دولار وأكثر عن كل عائلة تريد النزوح".
ولاحقاً ردت المليشيات على الضربة التركية التي استهدفتها بقصف مواقع تركية في شمالي البلاد. وقال قائد موال للنظام السوري، في تصريحات لوكالة "رويترز"، إن "مقاتلين شيعة استخدموا المدفعية لاستهداف مواقع تركية في مدينة مارع، شمالي حلب".
إلى ذلك، ذكرت مصادر كردية لـ"العربي الجديد"، أن نحو "2000 مدني من منطقة عفرين نزحوا خلال الأيام القليلة الفائتة جراء الأعمال العسكرية"، مشيرةً إلى أنّ "جلهم اتجهوا نحو مناطق سيطرة النظام، خصوصاً حلب". وأوضحت أن "أحداً من عفرين لم يصل بعد إلى مناطق سيطرة الوحدات الكردية في شرقي نهر الفرات".
وقدرت هذه المصادر وجود نحو 600 ألف مدني في مدينة عفرين وريفها المترامي الأطراف، حيث تتبع لها مئات القرى الصغيرة والمتوسطة والبلدات. وجلّ سكان منطقة عفرين هم من الأكراد السوريين، ولكنها احتضنت خلال سنوات الثورة السورية السبع نازحين من مناطق عدة. وقلّلت مصادر محلية من أهمية حركة النزوح، مشيرةّ إلى أنها "محدودة" قياساً بعدد السكان الموجودين في منطقة عفرين. وأكّدت أنّ "عدداً كبيراً من المدنيين آثروا البقاء في قراهم وبلداتهم التي باتت تحت سيطرة الجيش التركي".