على مرأى العين وعند الوصول إلى مناطق التجمّع الخمس على طول الحدود الشرقية، تتكرّر حالة التتر مع متظاهري الحدود من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، فما أن يطلق الاحتلال قنابل الغاز عليهم، حتى يركضوا هرباً من تأثيرها، وسط تكبيراتهم وأصوات أبواق الإسعاف، لكن الواضح أنه لا أمان من بنادق الاحتلال.
المشهد نفسه يُعاد مع آلاف الفلسطينيين على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة في كل جُمعة يتظاهرون فيها على نقاط التماس للمطالبة بحق عودتهم إلى أراضيهم المحتلة، لكن الاحتلال يُداوم على ممارسة العنف ضد هؤلاء اللاجئين، ويضربهم بقنابل الغاز والرصاص الحي والمتفجر المحرّم دولياً. وأحيا الفلسطينيون فعاليات "مسيرة العودة الكبرى" في الجمعة الخامسة منها، أمس الجمعة، والتي حملت اسم "جمعة الشباب الثائر"، على طول الحدود الشرقية وعند نقاط التجمع الخمس من شمال قطاع غزة حتى جنوبه، والتي يحتشدون عندها منذ انطلاق الفعاليات في الثلاثين من مارس/آذار الماضي في ذكرى يوم الأرض.
وبعد أن قُدمت للتتر الإسعافات الأولية في الميدان، قال لـ"العربي الجديد": "أنا كل جمعة باجي شرق جباليا حتى أتظاهر وأطالب بحق عودتنا لأراضينا المحتلة، المُغيظ إنه نكون واقفين ما بنشكل أي خطر على الاحتلال، لكن قنابل الغاز ورصاص القناص الإسرائيلي تستهدفنا الواحد تلو الآخر في كل مرة".
وينشر جيش الاحتلال جنوده عند السياج الحدودي الفاصل مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، في إطار تأهبه وتعبئة ذخيرته للتصدي لآلاف المتظاهرين، وهو الأمر الذي أوقع نحو 40 شهيداً وآلاف الجرحى في صفوف الفلسطينيين منذ انطلاق الفعاليات، التي من المقرر أن تستمر حتى ما بعد ذكرى النكبة في منتصف مايو/أيار المقبل.
ولأن المدنيين العُزّل من الفلسطينيين يُطالبون بحق العودة إلى أراضيهم أمام أنظار جنود الاحتلال المتستّرين خلف الكثبان الرملية، حتى وصلت رسالتهم إلى العالم، بدا الاحتلال منزعجاً من تلك الأهداف التي يسعى خلفها اللاجئون، فبات الاستهداف بالرصاص وأنواعه المختلفة أسلوباً يتصدّى به لهم، موقعاً شهداء وجرحى.
ويتصاعد دخان قنابل الغاز التي يُطلقها الاحتلال في المناطق المفتوحة على الحدود الشرقية مع السياج الفاصل، غير أن الفلسطينيين باتوا يعرفون أسلوب التصدي لهذه الممارسات ضدهم، فتجد بعضهم موشحاً بالأقنعة أو بالكوفية الفلسطينية، في حين أن آخرين وجدوا حلولاً بدائية مثل "البصل" للتخفيف من حدة تأثير تلك القنابل.
في الوقت نفسه، لا يسلم الفلسطينيون المستهدَفون من رصاصات القناصة الإسرائيليين الذين يُصوّبون فوهات بنادقهم تجاه المتظاهرين، ليصيبوهم في أنحاء متفرقة من أجسادهم، بعضها يصل إلى حدّ التسبب بإعاقات دائمة. فالرصاص المستخدم ضد الفلسطينيين محرّم دولياً، كما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في تصريحات عدة لها.
المشاهد المصورة من حدود غزة، تُظهر تعمّد الاحتلال قنص الفلسطينيين وإيقاع الشهداء في صفوفهم، كما أنه تمّ استخدام الرصاص الناري المتفجّر ضدهم، وهو ما بدد روايات الاحتلال في سعيه لـ"الدفاع عن النفس" أمام المجتمعات الدولية، والتي باتت تُطالب بفتح تحقيقات حيال جرائم الاحتلال ضد مدنيي غزة.
هذه الجرائم المتعمدة في استهداف المتظاهرين بالرصاص، ظهرت في مقطع فيديو عرضته وسائل إعلام إسرائيلية في الأيام الماضية، قام بالتقاطه جنودٌ إسرائيليون على حدود غزة، وأظهر قنص شاب فلسطيني يقف مسالماً أمام السياج الفاصل، قبل أن يصرخ جنود الاحتلال فرحاً بعدما أصابوه بالرصاص المباشر.
لا يسلم كبيرٌ أو صغير، شاب أو فتاة، ولا حتى أطفالٌ أو صحافيون، من رصاصات القناصة الإسرائيليين على حدود غزة، وهو ما ظهر في استهداف المصورين الصحافيين ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين والطفل محمد أيوب، برصاص ناري أدى إلى سقوطهم شهداء، ضمن حصيلة واسعة من العنف الإسرائيلي.
وكان مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن رعد الحسين، قد طالب أمس الجمعة، سلطات الاحتلال الإسرائيلي بـ"معالجة مسألة القوة المفرطة في قطاع غزة"، وقال: "إن فقد الأرواح أمر يستحق الشجب وعدد مصابي غزة صادم"، وهو ما تؤكده أيضاً إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية منذ انطلاق المسيرات.