بعد رفض "طالبان" للحوار مع كابول: خطط الحركة والحكومة

04 مايو 2018
باشرت طالبان هجوم الربيع السنوي (هارون سباوون/الأناضول)
+ الخط -
مع بداية موسم الربيع، توقع الأفغان إعلان حركة "طالبان" عمليات الربيع العسكرية السنوية، كما كانوا في انتظار إعلان الحركة موقفها إزاء خطة السلام التي عرضها الرئيس الأفغاني أشرف غني أخيراً. ولكن ما أثار استغراب هؤلاء هو بدء الحركة عمليات الربيع (تحت اسم الخندق لهذا العام) ضد القوات الأميركية والأفغانية من جهة، ورفض خطة السلام في آن واحد، بحجة أن "خطة السلام هي محاولة من الحكومة لدحر مقاومة المحتلين". في هذا السياق، عدّت "طالبان" مساعي الحكومة الأفغانية بشأن المصالحة مسعى لدحر ما وصفتها بـ"مقاومة المحتلين"، وقالت إن "ما يبذله المسؤولون الأفغان من جهود داخل البلاد وخارجها تحت شعار السلام مع وجود خطط وفعاليات أميركية ضد بلادنا وشعبنا، هي في الحقيقة تتم بأمر من المحتلين وليس القصد منها إنهاء الحرب".

في المقابل، جاءت ردة فعل الحكومة على خلاف ما توقعه الأفغان وربما "طالبان"، بقول الرئيس الأفغاني أشرف غني في كلمة له أمام اجتماع لزعماء القبائل والسياسيين في القصر الرئاسي يوم السبت الماضي، أن "الناس كانوا يتوقعون أن نعلن الحرب ضد طالبان وأن نقول إن الحوار قد ولى، وإننا نركن إلى الخيار العسكري بعد أن رفضت الحركة الحوار وأعلنت عمليات الربيع، لكني أقول إن المصالحة مع طالبان ما زالت الخيار المفضل". واعتبر أن "هناك في طالبان من يرغب في الحوار ونحن سنتواصل معهم. وستستعين الحكومة ببعض الدول الإسلامية، ومن المتوقع أن تعقد قمة المصالحة في يوليو/تموز المقبل في الرياض وقد تحدث المجلس الأعلى للمصالحة مع الحكومة السعودية بهذا الخصوص".

ودعا الرئيس الأفغاني مرة أخرى إلى "حقن دماء الشعب عبر الحوار"، مؤكداً أن "هناك من يتهمنا بأننا لا نريد المصالحة، وفي الحقيقة أنا حاضر لأضحّي بكل شيء لأجلها وهذا ما يثبته عرضنا لحركة طالبان. نحن عرضنا كل ما كانت تريده الحركة وطلبنا منها أن تعرض مطالبها على طاولة الحوار كي نتباحث بشأنها"، لافتاً إلى "إبرام الحكومة المصالحة مع الحزب الإسلامي وزعيمه قلب الدين حكمتيار"، الذي انخرط في السياسة استعداداً لخوض الانتخابات البرلمانية بعد ستة أشهر.


كذلك، دعا حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الحركة إلى الحوار وترك العمل المسلح، وطلب الحلف في بيان له بعد اجتماع وزراء خارجية أعضاء الحلف من "طالبان" العودة إلى المفاوضات، داعياً كلا من "روسيا وإيران إلى التعاون مع المصالحة الأفغانية". كما طالب أيضاً باكستان بـ"قطع الطريق على المسلحين والقضاء على مراكز إيوائهم".

وعلى الرغم من كل تلك الدعوات والمواقف الداعمة للحوار، بدا أن "طالبان" مصمّمة على المضي قدماً في عمليات الربيع، ورفضها للحوار، ما يطرح السؤال حول سيناريوهات مرحلة ما بعد رفض الحوار، وما إذا كانت ستواصل الحرب على المنوال السابق، وهي التي تصف استراتيجية الحرب الجديدة ضدها بـ"استراتيجية (دونالد) ترامب الخطيرة".

وبالنظر إلى المتغيرات على الأرض لا يبدو أن "طالبان" قادرة على مواصلة حربها على المنوال نفسه، إذ لم يعد في وسعها أن تشنّ عمليات كبيرة تهدف إلى الاستيلاء على المدن كما كانت تفعله في السابق، خصوصاً مع تزايد العمليات الجوية من قبل القوات الأميركية والأفغانية، كما تشير إليه الحركة عند الإعلان عن عمليات الربيع.

من هنا تشير المعطيات على الأرض، كما تشير إليه تصريحات المسؤولين في القوات الأميركية والأفغانية إلى أن تركيز "طالبان" سيكون على العمليات الانتحارية واستهداف كل ما يؤلم الحكومة ويؤدي إلى ضعفها، ما يعني توسّع دائرة الاستهدافات. وكان قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال جون نيكولسن قد أكد أن "طالبان فقدت قوتها وأنها قررت التركيز على العمليات الانتحارية بدلاً من شن هجمات ميدانية موسعة". كذلك، من خلال تتبع طبيعة اعتداءات الحركة، قد تكون الاغتيالات في صفوف رجال الأمن وموظفين ومسؤولين في الحكومة، أهم ما ستركز عليه طالبان في الفترة المقبلة. وفي هذا الصدد قُتل عشرات من رجال الأمن والشرطة ضمن سلسلة من الاغتيالات في مختلف مناطق البلاد، لا سيما المدن الأساسية كالعاصمة كابول وجلال أباد وقندهار.

علاوة على ذلك سيكون من ضمن اهتمام "طالبان" إفشال المشاريع الحكومية، لا سيما السياسية منها، لتأليب الأفغان ضد الحكومة وإفقادهم الثقة فيها. وفي ظلّ اهتمام الحكومة هذه الأيام بالانتخابات البرلمانية، ستعمل "طالبان" من جهتها على إفشال هذه العملية. وقد تسببت معارضتها للانتخابات في عدم رغبة المواطنين في التوجه إلى مراكز تسجيل الناخبين، تحديداً في مناطق قبائل البشتون حيث لـ"طالبان" نفوذ أكبر، خشية التعرض لخطر أمني.



في المقابل، ستركز الحكومة على ضرب مواقع "طالبان" ومخابئها في المناطق النائية، من خلال القصف الجوي المتزايد والاستعانة بالسلاح الجوي الأميركي. وبالفعل، شهدت الأشهر الثلاثة الماضية من العام الحالي معدلاً قياسياً لعمليات القصف الأميركية في أفغانستان، وهي فاقت كل أرقام العمليات الجوية الأميركية في أفغانستان منذ عام 2001، ما يشير إلى أن القوات الأميركية والأفغانية ستعوّل كثيراً على العمليات الجوية، إضافة إلى عمليات القوات الخاصة الأفغانية التي عادة ما تستهدف مراكز "طالبان" في المناطق النائية.

أيضاً، سيكون من ضمن استراتيجية الحكومة استهداف قيادة "طالبان" الميدانية. وقد تمكنت خلال الفترة الماضية من استهداف قيادة الحركة ميدانياً. كذلك ستشنّ الحكومة بمساندة القوات الأميركية عمليات كبيرة ضد حركة "طالبان" في مختلف مناطق البلاد، لا لبسط نفوذها بل لانشغال الحركة بالدفاع عن نفسها بدلاً من شن الهجمات على الأهداف الحكومية.

وفيما يتعلق بالمصالحة، ستواصل الحكومة مساعيها رغم إدراكها أن "طالبان" لن ترضخ لها ولكن الهدف منها سيكون تشتيت الحركة، لا سيما وأن هناك قياديين بارزين في الحركة يعارضون زعيم الحركة الملا هيبة الله أخوند، ويريدون المصالحة مع الحكومة.

في هذا السياق، قال مسؤول أمن إقليم قندهار، الجنرال عبد الرازق في مؤتمر صحافي، إن "طالبان ليست على قلب رجل واحد حيال الحوار مع الحكومة"، مشيراً إلى أن "نحو 60 من قياديي الحركة الميدانية والسياسية في تواصل مع الحكومة للوصول إلى حلّ معها".

ويتوقع أن يكون كذلك ضمن استراتيجية الحكومة المستقبلية، جعل علماء الدين وجهاً لوجه مع حركة "طالبان"، وستطلب الحكومة منهم إصدار فتوى ضد الحركة وأن يعلنوا أن حرب "طالبان" غير مشروعة دينياً. وتسعى الحكومة لعقد قمة ثلاثية باكستانية وأفغانستانية وماليزية لعلماء الدين في كوالالمبور في الفترة القريبة لتأمين إجماع "شرعي" ضد "طالبان". ولن تكتفي الحكومة بذلك فحسب بل سيكون من ضمن الاستراتيجية المستقبلية، تحريك المواطنين ضد "طالبان" والجماعات المسلحة، وتكثيف خيم الاعتصام المنتشرة حالياً في شرق وشمال وجنوب البلاد، ودعوة الناس للمكوث فيها. مع العلم أن تلك الخيم أحرجت كثيراً "طالبان"، إذ لا تستطيع أن تفعل شيئاً ضدها لأن من شأن الاعتداء عليها أن يضعها في وجه الشعب.

المساهمون