وشهد تطور مسار المعارضة في المغرب اختلافات جذرية، فقد كانت بعض أحزاب هذه المعارضة في أيام الملك الراحل الحسن الثاني، خصوصاً في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، تواجه النظام بشراسة، سواء الأحزاب المرخص لها، كالاستقلال والاتحاد الاشتراكي، أو حركات يسارية عملت في السرّ، مثل "إلى الأمام"، ما أسفر عن "سنوات الرصاص".
وفطن الحسن الثاني في آخر سنوات حياته إلى ضرورة مد اليد إلى المعارضة وفسح المجال لها لممارسة السلطة عبر توليتها مناصب حكومية، عوض مواجهتها وإهدار "الزمن السياسي" في الاتهامات والاعتقالات، فكانت تجربة "حكومة التناوب التوافقي" التي صعد فيها حزب الاتحاد الاشتراكي بقيادة القيادي عبد الرحمان اليوسفي إلى الحكومة سنة 1998 إلى حدود 2002.
واعتبر مراقبون أن تلك اليد الممدودة التي أقدم عليها الملك الراحل أشهراً قليلة قبل وفاته في صيف 1999 كانت خطوة ذكية منه، فاستطاع احتواء معارضيه الأقوياء، بل "نزع أنياب المعارضة" التي أقلقته في كثير من المناسبات، كما هيأ بذلك جو الانتقال السلس للحكم إلى ابنه الملك الحالي محمد السادس.
وفي عهد العاهل المغربي الحالي منذ 1999، تغيرت المعارضة من معارضة لنظام الحكم وشكل الدولة إلى معارضة لسياسات الحكومة، تقوى أحياناً بمواقف وخطوات وقرارات قوية، وتضعف أحياناً أخرى بالنكوص إلى الوراء وخفوت الهمة والطموح، إذ تناوب عدد من الأحزاب على نيل "شرف المعارضة" وتذوق "حلاوة السلطة".
وفي الحكومة الثانية التي جاءت بعد ما سماه محللون الربيع المغربي الذي واكب رياح الربيع العربي سنة 2011، استمر حزب الأصالة والمعاصرة على نسق المعارضة كما في حزب "الإسلاميين" الأولى، وأُضيف إليه قبل أشهر قليلة حزب الاستقلال، بدون نسيان معارضة "فدرالية اليسار" الممثلة بنائبين فقط في البرلمان.
القيادي في حزب الاستقلال، عادل بن حمزة، رأى أن "لحزبه، الذي انضم أخيراً إلى صف المعارضة، أدواراً حاسمة كبرى في إيجاد حلول ومخارج للاحتقان الذي تعيشه البلاد، ومنها على الخصوص أحداث الريف التي نجمت عنها أحكام سجنية مديدة، اتسمت بالحكم على قائد الحراك بـ20 عاماً عليه".
ووفق القيادي نفسه، فإن "حزب الاستقلال يتحمل مسؤولية وطنية كبيرة لإيجاد مخارج مناسبة للجميع لما تعرفه البلاد من تشنج وسير حثيث إلى نقطة اللاعودة"، مستدلاً بزيارة زعيم الحزب نزار بركة إلى الريف قبل أيام، واعتبرها كسراً لحصار معنوي عن الريف، سواء من جهة أهل الريف أو من جهة الدولة.
وأورد بن حمزة أن "مبادرة حزب الاستقلال بكسر جدار الصمت ومبادرة فيدرالية اليسار الاشتراكي الموحد بخصوص مقترح قانون العفو العام، يؤشران إلى أنه لا زالت هناك بوادر حياة في المشهد الحزبي، وأن البلاد بحاجة إلى حوار، وأن الطرف الحائز على السلطة فعلياً من واجبه التاريخي أن يساهم في دفع هذا النفس الإيجابي في الحياة الحزبية".
وبخصوص حزب الأصالة والمعاصرة، كان أول ما تقدم به الأمين العام الجديد حكيم بنشماش الذي خلف إلياس العماري، هو التفكير والإعداد لملتمس رقابة يسقط حكومة سعد الدين العثماني، لكن محللين اعتبروا الخطوة رغم أهميتها وجرأتها صعبة التنزيل، لعسر الحصول على النصاب القانوني جراء تشرذم الخريطة السياسية. وينص دستور المملكة، في نسخته الأخيرة لسنة 2011، على السماح لخمسة أعضاء البرلمان بتقديم التماس الرقابة، ولا تصح الموافقة على الالتماس من قبل مجلس النواب، إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، مورداً أن الموافقة على التماس الرقابة يؤدي إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية.
وفي تاريخ البرلمان المغربي، منذ الاستقلال، تم استخدام التماس الرقابة مرتين فقط، الأولى سنة 1964 ضد حكومة الراحل محمد باحنيني، والثانية في العام 1990 ضد حكومة عز الدين العراقي، لكن أياً من الالتماسين لم يفض إلى إسقاط الحكومة، إذ لم تتوفر حينها الشروط القانونية. كما أنهما لم يحظيا بالتصويت من لدن الأغلبية المطلقة.
من جهته رأى عضو مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية، كريم عايش، أن "وجود معارضة سياسية قوية داخل البرلمان بغرفتيه لا يمكنه إلا أن يخدم الديمقراطية ويضبط عمل الحكومة، منتجاً في الآن نفسه ديناميكية سياسية كفيلة بشحذ همة الوزراء للعمل والعطاء في أفق تحقيق البرامج والاستجابة للمطالب الشعبية".
وسجل عايش أن "صعود نزار بركة غيَر من كيفية اشتغال المعارضة بتحول الحزب من معارضة ضجيج وفرجة إلى معارضة بناءة تتبنى استراتيجية نقد مقرون بتقديم حلول وبرامج بديلة، والأمر نفسه يتعلق بحزب الأصالة والمعاصرة الذي سيغير من أسلوب عمله بما يمكنه تحت إدارة حكيم بنشماش من العمل على تبني مقاربة نقدية أساسها إبراز مواطن الخلل والتشخيص الأدق للمشاكل والمعوقات".
وتأسّف عايش لـ"كون الفئات الاجتماعية بمختلف أطيافها تحتج وتناضل وتقاطع في غياب تام للمعارضة التي عوضتها مواقع التواصل الاجتماعي في إيصال بعض المطالب والأصوات الاحتجاجية". ولفت إلى أن "جلسات البرلمان أضحت تستعرض المشاكل بدون أن تقدم حلولاً سريعة وملموسة، وهو ما أفرغ المعارضة البرلمانية من محتواها الإيجابي، وأدخلها إلى دائرة الصراع السياسي المؤخر لحل القضايا وتعقيدها".
بدوره لا ينظر الأستاذ في جامعة مراكش محمد نشطاوي، بعين الرضا إلى أدوار المعارضة خصوصاً في البرلمان، معتبراً أن "تأثير أحزاب المعارضة غير محسوس بالنظر إلى الأغلبية المريحة للحكومة وتشرذم المعارضة وتباعد أفكارها واستراتيجيتها في التعامل مع الملفات الراهنة، من بطالة متفاقمة وتعليم متدهور وصحة غائبة وعالم قروي مهمش وبنية تحتية متآكلة".
ولاحظ نشطاوي أن "دور المعارضة بات معروفاً في الفضاء الأزرق، بدليل الحملة الناجحة لمقاطعة بعض المواد الاستهلاكية، لتصبح وسائط التواصل الاجتماعي منبر من لا منبر له"، مردفاً أن "الجميع بات واعياً بأن اللغط داخل قبة البرلمان سواء من قبل الأغلبية أو المعارضة ليست سوى تمثيلية سياسية تروم فقط كسب الأصوات والوصول إلى كراسي المناصب".