في ظل المخاوف من صراع روسي أميركي حول مواقع النفوذ في ليبيا، برزت إلى السطح الخلافات الإقليمية بين معسكر الدول الداعمة للواء المتقاعد، خليفة حفتر، في حربه على طرابلس من جهة، وحكومة الوفاق التي وقعت مع تركيا أخيرا مذكرتي تفاهم، إحداهما حول التعاون الأمني، والثانية مذكرة تفاهم في المجال البحري.
ورغم موجة الانتقادات والاعتراضات المحلية والإقليمية حول توقيع المذكرتين، بعد لقاء جمع رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، شدد الأخير على نفاذ الاتفاق وأنه سيدخل حيز التنفيذ بجميع بنوده، بل اعتبره أمراً واقعاً.
واستند المعترضون على توقيع مذكرتي الاتفاق بالقول إنه "لا يعني شيئا وغير معترف به ولا ينتج عنه أي أثر قانوني"، بحسب بيان مجلس النواب، وكونه "مخالفا للاتفاق السياسي" بحسب اعتراض القاهرة. ويرى المحلل السياسي الليبي، سعيد الجواشي في هذه الاعتراضات أنها "محاولة لعرقلة تنفيذ الاتفاق، فلو لم يكن فاعلاً ومؤثراً لما شهدنا هذه الموجة المرتعبة من آثار الاتفاق".
وتساءل الجواشي في حديثه لــ"العربي الجديد" عن شرعية الاتفاقات التي يبرمها حفتر مع مصر وروسيا وفرنسا وحلفائه لجلب أسلحة ودعم عسكري ولوجستي، قائلاً "هل عمليته العسكرية على طرابلس حظيت بنصاب قانوني داخل مجلس النواب لنتحدث عن الشرعية، بل أغلب قرارات مجلس النواب الداعمة لحفتر صدرت بقرار فردي من رئيس المجلس فقط"، في إشارة إلى عقيلة صالح.
ولفت إلى أن حكومة الوفاق هي من تملك الشرعية في الحقيقة حاليا باعتراف المجتمع الدولي بها، مضيفاً أن "حكومة الوفاق تدرك أنها تواجه عدوانا مدعوما من دول إقليمية ومن ورائها دول كبرى برا وجوا، وبالتالي فمن حقها البحث عن حليف لصد هذا العدوان".
وأوضح أن الاعتراض توقف فقط عند حد الدول الداعمة لحفتر دون أن يشمل أوروبا مثلاً أو الولايات المتحدة الأميركية أو الأمم المتحدة، في حال كان في الاتفاق خلل أو تعد.
وتوقع أن يغير اتفاق أنقرة وطرابلس قريباً مواقف الكثير من الدول الداعمة لحفتر، وسيكون له تأثيره أيضاً على مخرجات قمة برلين المرتقبة، وتتفق معه الصحافية الليبية، نجاح الترهوني، إذ ترى أن "آثار الاتفاق بين العاصمتين تجاوز الملف الليبي ليشمل ملفات أخرى على علاقة بدول المتوسط، فتركيا تخوض مواجهة مع عدة دول، ولذا فموقفها في ليبيا لن يتخذ خطوات إلى الوراء وسيكون أكثر حزما من ذي قبل"، مشيرة إلى أن شكوى عواصم الدول الكبرى، ومنها روسيا المعنية بالأمر، دليل واضح على سلسلة مراجعات تحدث في الأثناء.
وأكدت أن الاتفاق سيخفض من حدة التصعيد العسكري في ليبيا وتحديداً جنوب طرابلس، موضحة أنه لن يكون مقبولاً من أي مراقب أن يقبل المعترضون بوجود طيران إماراتي وخبرات عسكرية فرنسية ومقاتلين روس على الأرض في ليبيا، ويعترضون على وجود تركي مصالحه في ليبيا أكثر من مصالح تلك الدول الراغبة في وضع قدم لها.
وترى الترهوني أنه "كما لروسيا وفرنسا مصالح في ليبيا كذلك لتركيا، وكلهم يسعى للحفاظ عليها، وأصبح لتركيا غطاء شرعي الآن لدعم حكومة الوفاق للحفاظ على مصالحها"، مؤكدة أن موسكو التي لم تعترف بوجودها العسكري في ليبيا، وفضلت التحرك في الخفاء، سيصدر عنها بكل تأكيد مواقف جديدة من حرب حفتر على العاصمة طرابلس.
واستبعدت الصحافية الليبية أن تقوم فرنسا أو روسيا برفع حجم وجودهما إلى جانب حفتر، بل على العكس لن تقدما على خطوة للمواجهة مع عضو أساسي في حلف شمال الأطلسي (ناتو) كتركيا.
وأكدت أن توقيع مذكرة الاتفاق كانت رسالة واضحة لدول تسعى لتغليب مصالحها على مصالح دول أخرى، وقالت "من الواضح أنها رسالة أميركية أيضاً لروسيا التي تسعى لزيادة وجودها في ليبيا، ومفادها أن لديها شركاءها الإقليميين الذين يمكنهم التشويش على خطط موسكو ليس في ليبيا فقط".
الترهوني أشارت أيضاً إلى أن مواقف حفتر إزاء الوجود الروسي داخل صفوفه باتت مرتبكة، خصوصا بعد سقوط طائرة مسيرة تابعة لقوات "افريكوم"، ما اضطر حفتر للاعتذار نيابة عن موسكو، التي يعرف كل العالم أنها من تمتلك تكنولوجيا يمكنها إسقاط طائرة أميركية.
من جهته، عبر المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، في تصريح لوكالة "فرانس برس" أمس، عن مخاوف من صراع أميركي روسي على مواقع النفوذ في ليبيا، وهي مخاوف يقف عندها الباحث الليبي في الشؤون السياسية، مروان ذويب ليؤكد أن الساحة الليبية مقبلة على مستجدات كبيرة.
ويقول ذويب لــ"العربي الجديد" إن "المشهد المقبل لن يكون للسلاح فيه وجود، وسيشهد تزايد النفوذ الخارجي في ليبيا ووقوع ليبيا في أيدي الأطراف الخارجية المتصارعة التي قد تحتاج مصالحها لشخصيات أخرى بديلة عن حفتر أو السراج، أو حتى شخصيات أخرى تدفع بها تلك المصالح إلى البروز وخلق مناطق صراع جديدة، ففرنسا لا تزال تصوب نظرها إلى الجنوب الليبي".
واعتبر ذويب أن اتفاق أنقرة وطرابلس سيقلل من حدة التصعيد العسكري جنوب طرابلس، موضحا أن "موجة الغضب من الاتفاق تعكس تضايق حفتر وداعميه من الوجود التركي الذي سيرغمهم على معاودة دراسة مواقفهم، وعلى رأسها إمكانية انقلاب موازين المعركة إذا قدمت تركيا دعما عسكريا لحكومة الوفاق بناء على الاتفاق".