لم تعد استعدادات قوات النظام السوري خافية لبدء عملية عسكرية واسعة على الشمال الغربي من سورية، بل إن وسائل إعلام النظام تتحدث عن تطبيق اتفاق سوتشي، الموقّع بين موسكو وأنقرة أواخر عام 2018، بقوة النيران لاستعادة السيطرة على طريقين يربطان شمال سورية بوسطها وساحلها. ومن غير الواضح موعد هذه العملية ولكن القصف الجوي المكثف وحشد القوات مع عناصر من المليشيات في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، من الدلائل التي تؤكد أن العملية باتت قاب قوسين أو أدنى، إلا إذا توصل الطرفان التركي والروسي إلى تفاهم جديد. وفي جديد المعطيات، أكدت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام أن قواته تواصل استقدام تعزيزاتها العسكرية إلى جبهات القتال في محاور الريفين الجنوبي والشرقي لإدلب، معتبرة منطقة خفض التصعيد الرابعة التي تضم محافظة إدلب ومحيطها "أكبر خزان للإرهابيين في البلاد". ونقلت الصحيفة عن "مصدر ميداني في ريف إدلب الجنوبي"، تأكيده أن قوات النظام استقدمت تعزيزات عسكرية كبيرة وجديدة، أمس الأول الإثنين، إلى مناطق تعتبر خطوط تماس، مثل خان شيخون، جنوب إدلب، وسنجار شرقها، مشيراً إلى أن سنجار التي تقع في ريف إدلب الشرقي "هي منطلق لعمليات عسكرية جديدة قد ينفذها الجيش في أي وقت، بانتظار أوامر قيادته العسكرية".
في السياق، أشار المصدر إلى أن قوات النظام "في حال قصوى من الجهوزية والاستعداد، تمكّنها من تنفيذ أي عمل عسكري ضخم، في جميع محاور القتال في إدلب وفي الأرياف المجاورة لها في اللاذقية وحماة وحلب"، مضيفاً: "سلاح الجو المشترك السوري الروسي، نفذ ضربات موجعة ضد تجمّعات وتحرّكات ومعاقل الإرهابيين على طول جبهات القتال، ولا سيما الواقعة في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، وريف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي، وريف حلب الجنوبي الغربي". ولم تستبعد "الوطن"، التي يوجه النظام رسائل من خلالها، أن تشن قوات النظام "عملية عسكرية واسعة وبدعم من القوات الجوية الروسية". وتحدثت عن "نفاد صبر دمشق وموسكو من مماطلة النظام التركي في سحب الإرهابيين من (المنطقة منزوعة السلاح) التي أقرّها اتفاق سوتشي، الذي ينصّ في أحد بنوده على فتح الطريقين الدوليين من حلب إلى كل من حماة واللاذقية أمام حركة المرور والترانزيت بنهاية عام 2018". وذكرت الصحيفة أن عدم ضغط أنقرة على من سمّتهم بـ"الإرهابيين" لتنفيذ الاتفاق بصفتها ضامناً له، سيدفع قوات النظام إلى تطبيقه بقوة النيران. من جهته، أكد القيادي في فصائل المعارضة السورية في إدلب العقيد مصطفى البكور، لـ"العربي الجديد"، وجود حشود روسية "كبيرة" على أكثر من محور قتال.
في غضون ذلك، واصل الطيران الروسي وطائرات النظام الحربية والمروحية، أمس الثلاثاء، قصف مدن وبلدات وقرى في محافظة إدلب. وقُتل مدني بقصف جوي على محيط قرية بابيلا بريف إدلب الجنوبي، بالتزامن مع قصف قوات النظام المتمركزة في قرية الحويز بقذائف الدبابات والهاون قرية الحويجة، شمالي غرب مدينة حماة.
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل عنصر من قوات النظام، يوم الاثنين، جراء الاشتباكات المتبادلة على محور الكركات بريف حماة الشمالي الغربي، مشيراً إلى مقتل عنصرين وإصابة 3 آخرين من قوات النظام، جراء استهداف دشم لهم على محور تلة رشو بجبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي. وأشار إلى أن قوات النظام قصفت بوابل من القذائف والصواريخ مناطق: جمعية الكهرباء وحريتان وحيان وخان العسل والراشدين والبحوث العلمية في ريفي حلب الشمالي والغربي، مؤكداً اندلاع اشتباكات غرب بلدة الزهراء ومحيط الليرمون، بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، والفصائل المعارضة من جهة أخرى. وأوضح المصدر نفسه أن الطيران المروحي ألقى، أمس، أكثر من 18 برميلاً متفجراً على مناطق في الحراكي وبابولين وحاس وجرجناز والغدقة ومحيط تلمنس وبابيلا ومعرشمشة ومعرشورين بريف معرة النعمان الشرقي. كما استهدفت طائرات النظام الحربية أماكن في أبو حبة وأوتوستراد معرة النعمان، بينما شنت طائرات روسية 11 غارة على مناطق في صهيان وبابولين وجرجناز والقراطي والتح، في حين دارت اشتباكات عنيفة بين المجموعات المسلحة من جهة، وقوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة أخرى، على محور كبينة بجبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي.
ومن المتوقع أن تبدأ قوات النظام بقضم مناطق المعارضة في ريف إدلب الشرقي انطلاقاً من سنجار ومطار أبو الظهور العسكري، للوصول إلى مدينة معرة النعمان، كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي، والتي يمرّ منها الطريق الدولي حلب ـ حماة الاستراتيجي. كما تعدّ مدينة سراقب، كبرى مدن ريف إدلب الشرقي، من أهم أهداف قوات النظام كون المدينة عقدة طرق، حيث يلتقي الطريقان الدوليان "أم 4" و"أم 5" عندها، ومن ثم يتفرعان إلى اتجاهات عدة، وهو ما يكسب المدينة أهمية خاصة.
في غضون ذلك، أعلنت "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضم فصائل معارضة عن إفشال عملية تسلل لقوات روسية خاصة بريف حلب الجنوبي، مشيرة في بيان، أمس الثلاثاء، إلى أن قواتها قتلت ثلاثة عناصر من القوات الروسية في محور خلصة. وأكد قيادي في الجبهة أن القوات الروسية الخاصة تحاول بشكل مستمر التسلل إلى مواقع في محور خلصة الواقع في منطقة جغرافية مرتفعة، مشيراً إلى أن فصائل الجبهة اتخذت كل التدابير في المنطقة للحد من هذه المحاولات. ولا تزال المعارضة السورية تحتفظ بمناطق هامة في ريفي حلب الغربي والجنوبي من المتوقع أن تكون ميدان معارك طاحنة في حال بدء عملية النظام واسعة النطاق كما هو متوقع وفق المعطيات الميدانية.
في غضون ذلك، بدأت نذر مأساة إنسانية في محافظة إدلب مع بدء موجة نزوح جديدة مع اتساع نطاق القصف الجوي الذي يؤكد نية قوات النظام التقدم على الأرض مرة أخرى في عمق المحافظة المنكوبة. ونزحت مئات العائلات من مدينة معرة النعمان وريفها الشرقي، يوم الإثنين، بعد التعزيزات الضخمة التي استقدمتها قوات النظام إلى المنطقة. ونقل المرصد السوري عن مصادره في المنطقة أن أعداد النازحين بلغت أكثر من 8 آلاف شخص، توجهوا نحو المنطقة الشمالية عند الحدود السورية التركية. وبذلك يكون قد نزح 46 ألف مدني منذ مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي، من ريف معرة النعمان الشرقي (القرى الممتدة من أم جلال حتى معصران ومن معرة النعمان حتى محيط أبو الضهور)، بالإضافة لبلدات وقرى جبل الزاوية، جنوب مدينة إدلب، وقرى واقعة شرق بلدة سراقب بالقطاع الشرقي من ريف إدلب.