وتجرى انتقادات واسعة في أوساط السودانيين لأداء الشرطة إبان التظاهرات الأخيرة، التي أطاحت الرئيس المخلوع عمر البشير بعد 30 عاماً انحدرت فيها بلادهم إلى أوضاع اقتصادية بالغة السوء.
وحسب شهادات متطابقة لـ"العربي الجديد"، فإن مجمعات خدمة الجمهور التابعة للشرطة في مدن العاصمة الخرطوم تعطلت تقريباً عن ممارسة أنشطتها اليومية.
وقال حافظ الزاكي إنه سيضطر، شأن كثيرين، إلى معاودة زيارة مجمع الخرطوم في الغد لاستخراج وثيقة سفر جراء الإضراب.
وأفلحت الضغوط التي تقودها قوى الحرية والتغيير "قوى الثورة" في دفع مدير الشرطة السابق الطيب بابكر، واثنين من رفاقه، للاستقالة من المجلس العسكري جراء "شكوك تحوم حول انتمائهم للنظام السابق"، لكن المجلس لم ينظر الاستقالة بعد.
ويعيب الثوار على الشرطة أنها شاركت في قمع التظاهرات، أو صمتت على تعديات أجهزة أخرى نظامية "الأمن" وغير نظامية "الأمن الشعبي"، ما أدى إلى سقوط نحو 90 قتيلاً إبان الثورة التي اندلعت شرارتها في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018.
وبحسب مذكرة لضباط الشرطة من رتبة النقيب فما دون، فإن إضراب اليوم الواحد يأتي نتيجة "تجاهل" المجلس العسكري والمدير العام لقوات الشرطة لمذكرة رفعوها لإصلاح مؤسستهم عبر "خطوات ملموسة" من شأنها القضاء على الفساد.
ووصف الفريق الهادي يحيى، مدير شرطة كسلا السابق، إضراب اليوم بأنه "فريد من نوعه".
وأبان يحيى، في حديثه مع "العربي الجديد"، عن "رضاه التام من مساعي إصلاح جهاز الشرطة، بإبعاد العناصر المسيسة التي عاثت فساداً، وتسبب في إبعاد العناصر التي تتمتع بالكفاءة والمهنية".
وأخبر ضابط طبيب برتبة ملازم "العربي الجديد" بأنه لم يداوم اليوم تجاوباً مع دعوة الإضراب.
وقال الشرطي، الذي طالب بحجب اسمه لدواعٍ تتصل بمهنته، إن المركز الطبي الذي يعملون فيه بمدينة بحري متوقف عن العمل.
في المقابل، أفاد مصدر رفيع في الشرطة "العربي الجديد" بأن الإضراب لا يشمل الضباط، وأنه مقتصر على ضباط الصف.
وشدد على أن دواعي الإضراب تتمثل في تحسين مخصصات العاملين في الشرطة، وأشار إلى لقاءات جرت السبت، لكنه أشار إلى سببٍ آخر متمثل في "إرسال رسالة للكيانات السياسية التي تقدح في مهنية الشرطة".
وقال إن غياب الشرطة عن أداء أعمالها اليوم يمكن أن يعطل من مصالح الناس بشكل كبير.
وكانت قيادة الشرطة قد استبقت يوم الجمعة الإضراب المعلن بترقيات في أوساط ضباط الشرطة، غطت 3 آلاف ضابط من رتبة الملازم، وحتى رتبة المقدم.
في غضون ذلك، دخل المجلس العسكري وتحالف إعلان الحرية والتغيير في مفاوضات جديدة تجرى لليوم الثاني على التوالي، بعد تأكيدات بتوصل الطرفين، أمس السبت، إلى اتفاق على قيام مجلس سيادة من عسكريين ومدنيين يكون ضمن مثلث لأجهزة الحكم الانتقالي تشمل مجلساً للوزراء ومجلساً تشريعياً انتقالياً.
وبحسب المصادر، فإن الطرفين اختلفا حول نسب المشاركة في المجلس، إذ يقترح تحالف الحرية والتغيير تسمية 8 أعضاء من المجلس من المدنيين، و7 من العسكريين، أما المجلس العسكري فيرى تكوين مجلس السيادة من 7 من العسكرين، و3 من المدنيين.
وانتشرت أنباء عن اقتراب المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير من الاتفاق على ترتيبات المرحلة الانتقالية، وسط حالة من التفاؤل في الأوساط السياسية بعد تطاول أمد الاعتصام الشعبي في محيط قيادة الجيش، وإغلاق عدد من الكباري والطرق في وجه حركة المرور، فضلاً عن تعطل عدد من المؤسسات العامة، وبروز أزمات وشح في الجازولين والخبز.
وقال الصحافي عمرو شعبان، لـ"العربي الجديد"، إن المؤشرات تؤكد تقديم المجلس العسكري "تنازلات حقيقية وجوهرية لضمان تماسك الجبهة الداخلية وتحقيق الرضا الجماهيري، ما يؤدي إلى تغليب الرغبة الدولية الممثلة في الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي اللذين طالبا بسرعة تسليم السلطة للمدنيين، وذلك بالتزامن مع قرب انتهاء مهلة الاتحاد الأفريقي للمجلس العسكري التي ستنتهي في الـ30 من الشهر الجاري.
في غضون ذلك، يواصل آلاف السودانيين اعتصامهم أمام مقر قيادة الجيش السوداني، وتتواصل المواكب من داخل وخارج الخرطوم.