يبدو أن "خيبة الأمل الكبرى"، بحسب نظر المعترضين، التي تمكن زعماء دول الاتحاد الأوروبي من تحقيقها بعد الانتخابات الأوروبية الأخيرة، هي التوافق على اسم وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين لرئاسة المفوضية الأوروبية، وذلك نظراً لحجم الاعتراض على وصول هذه السيدة لهذا المنصب الأوروبي داخل بلدها ألمانيا، لا سيما أن التوافق تمّ رغم امتناع برلين، قاطرة الاتحاد الاوروبي، عن الانضمام إليه.
من هنا، يبدو أن ألمانيا، المتهمة دائماً بهيمنتها على قرارات بروكسل، تأخذ مسافة، ولو نسبية، من هذا الاختيار غير المتوقع وغير المنطقي لأسباب سياسية داخلية ألمانية. والمفارقة أيضاً هي أن اقتراح اسم فون دير لاين، المنتمية إلى حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، "المسيحي الديمقراطي"، جاء عبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأمر الذي اعتبره المحللون بادرة حسن نية من قبل الأخير تجاه المستشارة، ودليلاً منه على أنه ليس ضد تولي ألماني للمنصب التنفيذي في بروكسل، إنما الاعتراض كان على نقص الخبرة الدولية لدى مرشح "حزب الشعب الأوروبي"، الذي لديه أكبر عدد من نواب البرلمان الأوروبي، والمدعوم من ميركل، السياسي النشيط مانفريد ويبر.
في المقابل، يسود التململ في ألمانيا من توجهات ماكرون وقبوله بوصول رئيسة صندوق النقد الدولي الفرنسية كريستين لاغارد لرئاسة البنك الأوروبي، رغم عدم خبرة الأخيرة في الملف المالي والاقتصادي الأوروبي، وأنه كان الأجدر لهذا المنصب رئيس "المركزي" الألماني، ينس فيدمان. وهنا يبرز التشكيك من الواقع المستجد حول توزيع المناصب العليا، وعما إذا كان الأمر سيعزز سمعة الاتحاد الأوروبي واليورو، مع التخوف من أن يكون ما حصل فخاً نصب لكسر المستشارة في برلين وفرط الائتلاف الحاكم الذي تقوده مع "الاشتراكي الديمقراطي" الممتعض بقوة مما حصل خلف الغرف المغلقة في بروكسل.
وتوالت الانتقادات الشديدة للتوافق الأوروبي على المناصب، في ظلّ بعض الأمل بفشل وصول فون دير لاين لرئاسة المفوضية الأوروبية، وبالأخص بعدم التصويت لها من قبل ممثلي أحزاب "الاشتراكي" واليسار والخضر (داخل البرلمان الأوروبي)، لإصرارهم على أهمية الالتزام بالمرشحين الأوائل للأحزاب لهذا المنصب الأوروبي. وجدد "الاشتراكي الديمقراطي" تأكيده الالتزام بمرشحه الأعلى فرانس تيمرمانس، وفق ما ذكرت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية.
إلى ذلك، برز موقف أخيراً للرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الأيرلندي، أبدى فيه استغرابه لعدم اعتماد المجلس الأوروبي أياً من أصحاب صفة "المرشح الأعلى" لأحزابهم لقيادة المفوضية الأوروبية مستقبلاً، قائلاً إن "توقعات الناس هي أن تنعكس نتائج الانتخابات على التسميات والقرارات حول المناصب الرفيعة في بروكسل"، قبل أن يحذر من الاستمرار في النقاش حولها، والدخول في صراعات طويلة قد تشل المؤسسات مرة أخرى لأسابيع وأشهر مقبلة.
ونقلت "شبيغل أون لاين" أخيراً عن الزعيم الأسبق لـ"الاشتراكي" زيغمار غابرييل، استياءه من تصرف ميركل، واصفاً إياه بـ"الهراء"، ومعتبراً ما حصل "عملاً غير مسبوق من الخداع السياسي"، لافتاً إلى أنه إذا ما تم تعيين فون دير لاين دون موافقة الحكومة الاتحادية، فهذا سيعتبر انتهاكاً واضحاً لقواعد عمل التحالف الحاكم في برلين وسبباً لمغادرة الائتلاف الكبير - غروكو".
يذكر أنه وفقاً لإرادة الزعماء الأوروبيين، باتت فون دير لاين على بعد خطوة من المنصب الأوروبي الأكثر نفوذاً في أروقة بروكسل، وتجري الآن اجتماعاتها ومحادثاتها المكثفة مع المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، وقد طلبت في هذا الإطار دعم أعضاء برلمان ستراسبورغ لأنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت ستحظى بأغلبية كافية هناك تضمن لها رئاسة المفوضية الأوروبية.
وشددت الوزيرة الألمانية خلال زيارتها للبرلمان في ستراسبورغ، بحسب ما ذكرت "إيه ار دي"، على ضرورة العمل عن قرب مع أعضائه.
وقالت فون دير لاين إنه "في البرلمان الأوروبي ينبض قلب الديمقراطية الأوروبية، ولهذا من المهم بدء الحوار على الفور"، داعية إلى التماسك لمواجهة الخلاف حول ترشيحها، ومعتبرة أنه "من الضرورة بمكان إظهار الوحدة لأهميتها الحاسمة في تظهير شغفنا المشترك بأوروبا، وهو أمر بغاية الأهمية في هذا العالم، ويحتاج إلى أن يكون مرئياً ومسموعاً". وعليه لم يبق لفون دير لاين الآن سوى تقديم رؤيتها لأوروبا حتى منتصف يوليو/ تموز الحالي، الموعد المرتقب لانتخابها.