بعد أسابيع على انتهاء التوجس الإسباني من ترسيم المغرب حدوده البحرية في الأقاليم الجنوبية، ألقى استقبال كاتب الدولة الإسباني للحقوق الاجتماعية ناتشو ألفاريز وفدا عن جبهة البوليساريو الانفصالية بظلاله على العلاقات بين البلدين.
وشكّل استقبال ألفاريز، المنتمي للحزب اليساري "بوديموس"، الجمعة الماضي، مسؤولة في البوليساريو، خطوة كادت أن تتسبب في أزمة جديدة بين الرباط ومدريد، بعد أن اعتبر المغرب ذلك استفزازاً وتصرفاً غير مسؤول، إذ لم يسبق قط لأي مسؤول حكومي في تاريخ الحكومات الإسبانية المتعاقبة، ومهما كان انتماؤه، الإقدام على مثل تلك الخطوة.
وفيما زاد من حدة الغضب المغربي إعلان المسؤول الإسباني، عبر تدوينة على "تويتر"، وباسم الحكومة الإسبانية، عن "تضامنه مع الشعب الصحراوي"، سعت وزيرة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسبانية، أرانشا غونزاليس لايا، إلى نزع فتيل الأزمة وامتصاص الغضب المغربي الذي عبر عنه وزير الخارجية ناصر بوريطة، خلال الاتصال الهاتفي الذي جمعها معه أمس الأحد.
وأكدت أرانشا غونزاليس لايا أن "موقف إسبانيا لم يتغير باعتباره سياسة دولة". كما أكدت أن مدريد لا تعترف بـ"الجمهورية الصحراوية"، وأنها "تدعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة للتوصل إلى حل سلمي في إطار قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".
ويأتي "استفزاز" حزب "بوديموس"، الذي لا يخفي تأييده المطلق لجبهة البوليساريو، في ظل توجس كبير طبع علاقات البلدين خلال الشهرين الأخيرين، بسبب ترسيم المغرب حدوده البحرية الجنوبية، وكذا قراره إغلاق الباب أمام تجارة "التهريب المعيشي" عبر معبر "طارخال 2"، ما تسبب في خنق اقتصاد مدينة سبتة المحتلة.
وبرأي نوفل البعمري، الباحث في الشؤون الصحراوية، فإن موقف حزب "بوديموس" لا يمكن فصله عما يحدث اليوم في سبتة المحتلة، في ظل النتائج الهزيلة التي حققها الحزب في الانتخابات الأخيرة، مقابل طموحه في التموقع داخل المدينة، وكذا عن الإجراءات التي يقوم بها المغرب فيما يخص التهريب المعيشي، مشيراً، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحزب يحاول أن يمارس الضغط على المغرب من خلال ورقة الصحراء المغربية، وأن يجره إلى صراع مع الحكومة الإسبانية".
وحسب الباحث في الشؤون الصحراوية، فإنه "يتعين على الدبلوماسية المغربية أن تتنبه لما يخطط له "بوديموس"، بعدم الانزلاق نحو أي رد فعل سلبي تجاه الحكومة الإسبانية، على اعتبار أن الحزب، الذي يحمّل المغرب جزءا من المسؤولية عن خسارته الانتخابية في سبتة المحتلة، يبحث عن تأزيم العلاقة بين الرباط ومدريد على المستوى السياسي".
واعتبر الباحث أن وجود "بوديموس" في الحكومة لن يؤثر على السياسة الخارجية الإسبانية، لافتا إلى أن التصريح الذي كان قد قدمه رئيس الحكومة، بدرو سانشيز، لنيل ثقة البرلمان الإسباني، هو إشارة ليس إلى المغرب فقط، وإنما إلى العديد من دول أميركا اللاتينية، بما فيها تلك التي يرتبط بها حزب "بوديموس"، بأن "لا تغيير في السياسة الخارجية".
وفي الوقت الذي يرى فيه البعمري أن الرسالة التي حاول المسؤول الحكومي المنتمي لـ"بوديموس" بعثها، من خلال اجتماع هامشي مع قياديين في البوليساريو، على جدول الأعمال السياسي للحكومة الإسبانية، "لا تؤشر على أي تغيير في موقف الرسمي للحكومة الإسبانية"، يستبعد عبد الفتاح الفاتحي، مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية"، قدرة الحزب على "إحداث اختراق لصالح البوليساريو، سواء اليوم من موقعه كطرف في الحكومة الإسبانية، أو في حال ترؤسها مستقبلا".
وأوضح مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية" لـ"العربي الجديد" أن هناك سياقاً تاريخياً أكبر من أي توجه سياسي لحزب "بوديموس"، سواء كان في المعارضة أم في الحكم، مشيراً إلى أنه "لا يمكنه، بأي حال من الأحوال، أن يؤثر على العلاقات القوية بين البلدين، ويعطل مصالحهما البراغماتية حتى ولو أصبح على رأس الحكومة الإسبانية".
وسجل الفاتحي أنه "سيكون صعباً أن تضحي مدريد بعلاقات اقتصادية وسياسية وثقافية متينة مع الرباط لصالح قضية أفتى فيها الزمن في لحظة زمنية سابقة جداً"، مضيفاً: "رأينا اليوم، بمجرد إبداء المغرب شبه انزعاج من الاستقبال، كيف سارعت وزيرة الخارجية الإسبانية لتبرئة ذمة حكومتها من أي فهم خاطئ، خاصة بعد أن حاولت البوليساريو جعل الاستقبال بمثابة انتصار سياسي واختراق في العلاقات الإسبانية المغربية".
وخلص المتحدث ذاته إلى أنه "لا يمكن لإسبانيا أن تضحي، اليوم، بمسار متطور للعلاقات الثنائية، خاصة على المستويين الاقتصادي والتجاري، حيث عملت الرباط، منذ الأزمة المالية التي عاشتها الجارة الشمالية في 2008، على تقديم الدعم والإسناد، كما لا يمكنها التراجع عن ممارسات سياسية تاريخية، أثبتتها الوثائق التي أفرجت عنها، مؤخراً، الاستخبارات الأميركية بخصوص تعاون متين بين إسبانيا في عهد الملك السابق خوان كارلوس، والملك الراحل الحسن الثاني، من أجل تأكيد مغربية الصحراء بمساعدة أميركية".