ومع أن الدراسة حاولت استشراف التحديات الاقتصادية الفلسطينية بفعل تداعيات كورونا، والخلاف مع حكومة الاحتلال بشأن رواتب ومخصصات عائلات الشهداء والأسرى، إلا أنها بعد أن أشارت إلى توقعات بنمو سلبي يصل إلى 3%، بحسب صندوق النقد الدولي و8% بحسب مجلة "ذي إيكونوميست"، ذهبت إلى القول إنه في ظل هذه التوقعات، وحقيقة ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، فإنه من دون حصول السلطة الفلسطينية على دعم من الدول المانحة، أو إسرائيل، لن يكون بمقدورها إطلاق مشاريع تنموية ولا الدفع قدماً بمشاريع عامة وإعادة تحريك الاقتصاد الفلسطيني. ويؤثر هذا الأمر بحسب الدراسة، التي أعدتها، الباحثة في المعهد، نوعا شوسطرمان، في قدرة السلطة الفلسطينية على دفع رواتب العاملين في القطاع العام، الذي يشمل أيضاً العاملين في القطاع الصحي والأمني، و"هما مركبان حيويان لأمن دولة إسرائيل، ويهدد المسّ بهما وجود السلطة الفلسطينية".
واستعرضت الدراسة توقف المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية منذ عام 2018، والتراجع في ميزانية "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا)، وأشارت إلى قانون اقتطاع الأموال من المقاصة الفلسطينية مقابل الأموال التي تدفعها السلطة لعوائل الشهداء والأسرى، وقرار الحكومة الإسرائيلية، الشهر الماضي، التحفظ على 450 مليون شيقل (نحو 128 مليون دولار) من أموال السلطة المستحقة لدى حكومة الاحتلال.
وأشارت إلى أن مقابل دفع الولايات المتحدة منحة بقيمة خمسة ملايين دولار، ولاحقاً في العاشر من الشهر الحالي، قرار وزارة المالية الإسرائيلية دفع "سلف" للسلطة الفلسطينية بقيمة 800 مليون شيقل (نحو 228 مليون دولار) على أربع دفعات لا تزال بعيدة عن "أن تساهم في وقف الانهيار الاقتصادي للسلطة الفلسطينية، خاصة أنه لا يزال غير معروف كيف ومتى ستنتهي جائحة كورونا".
وأبرزت الدراسة التناقض القائم بين سياسة الحكومة في سياق مواصلة الضغط على السلطة الفلسطينية "لوقف التحريض ووقف المخصصات" مقابل عقيدة ونهج المؤسسة الأمنية التي ترى في الاستقرار الاقتصادي بالضفة الغربية المحتلة، ورفع مستوى المعيشة، ما يساهم في الهدوء وخفض العنف. واعتبرت أن إسرائيل لا تملك استراتيجية واضحة لتطوير الاقتصاد الفلسطيني، وإنما تقوم بخطوات بهذا الاتجاه لتحسين وتكريس تفوق اقتصادي في الضفة الغربية المحتلة على الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، بما يمكّن الأجهزة الأمنية السلطوية من أداء عملها، لكن دون ترجمة ذلك إلى تحسين جوهري في الاقتصاد الفلسطيني بالضفة، أو تحقيق مردود سياسي من هذه الخطوات.
وتشير الدراسة إلى أن كلاً من إسرائيل والسلطة الفلسطينية تحاولان تخفيف وتقليل أهمية هذه الخطوات لاعتبارات سياسية مقابل استمرار اعتماد لهجة صدامية، كاتهام رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية، إسرائيل بالسعي إلى نقل العدوى عن سابق قصد، في الوقت الذي ساد فيه تنسيق صحي وثيق، شمل تزويد الضفة بعتاد طبي إسرائيلي.
وخلصت الدراسة إلى القول إن أزمة كورونا وضعت السلطة الفلسطينية في امتحان حقيقي لها، كسلطة فاعلة وقد اجتازته بنجاح، إذ تمكنت من منع كارثة صحية لم تكن لتبقى محصورة داخل أراضيها، ومن الواضح أن الأداء الفعلي الناجح ساعد في وقف تفشي الجائحة في أراضي السلطة الفلسطينية في الضفة، وحال دون فقدان السيطرة عليها.
وبحسب الدراسة، "فقد لعب التعاون مع إسرائيل دوراً طبياً - صحياً مهماً، لكن السلطة هي التي أدارت الأزمة، وكانت قادرة على العمل بنجاعة وفاعلية حتى خلال أزمة، وهذا أمر ضروري للأمن القومي، وذو أهمية كبيرة لإسرائيل في كل سيناريو سياسي أمني".
من هنا، اعتبرت الباحثة أن هذا النمط من إدارة الأزمة يفترض فيه أن يعزز رؤية الحكومة الإسرائيلية للسلطة باعتبارها شريكاً ضرورياً للاستقرار الإقليمي، كما أن ازدهار السلطة الاقتصادي مهم أيضاً لوقف تعاظم قوة "حركة حماس".
وتنصح الدراسة الحكومة الإسرائيلية بالامتناع عن خطوات تضعف أداء السلطة الفلسطينية، وتوصي بأن عليها الامتناع أولاً عن خطوات الضم أحادية الجانب التي ستهدم التعاون القائم وتهدد بانهيار السلطة.
ويشكل انهيار السلطة، بحسب الدراسة، خطراً وتهديداً لأمن إسرائيل. وترى الدراسة أنه على الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى الدفع نحو تحرك سياسي مع السلطة على أساس التوصيات المرحلية لتهيئة الظروف لاحقاً لوجود دولتين منفصلتين، إلا أن دعم الاقتصاد الفلسطيني بتشجيع إسرائيلي سيكون محفزاً لانضمام قيادة السلطة ومنظمة التحرير للمفاوضات السياسية.