- تقارير تشير إلى تدهور الوضع في غزة بعمليات قتل، إصابات، وتهجير قسري، إلى جانب دمار البنية التحتية، مما يعكس استراتيجية إسرائيلية لإنشاء مناطق عازلة وتغييرات جغرافية وديموغرافية.
- على الصعيد السياسي، هناك مؤشرات على مخططات إسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، مع التأكيد على أهمية الوحدة الفلسطينية والدعم العربي والدولي لمواجهة التحديات والحفاظ على أمل تحقيق الاستقلال.
النكبة مستمرةٌ؛ هو العنوان الأبرز للتعاطي والتفاعل مع الذكرى السنوية لاحتلال فلسطين هذا العام؛ ولتأسيس الكيان الاستعماري الصهيوني فيها، علمًا أن العنوان الأشمل والأدق تحديدًا هذا العام هو "النكبة مستمرةٌ وتتمدد"، قياسًا لما جرى ويجري في قطاع غزّة، والنكبة التي أوقعها الاحتلال بها وبأهلها. بالتأكيد، يبدو عنوان "النكبة مستمرةٌ" صحيحًا عامةً، لكون الاحتلال لا يزال مستمرًا في فلسطين، ولم تزُل أثار النكبة عبر دحره، وتحقيق الانتصار والتحرير، ونيل الآمال والحقوق الوطنية المشروعة في العودة والاستقلال، وتقرير المصير على كامل أرض فلسطين التاريخية.
هذا حصل رغم الصمود والتضحيات الهائلة للشعب الفلسطيني خلال الـ76 عامًا الماضية، الذي لم ينهَر أو يستسلم، رغم أن الجيل الأول مات إلّا أنّ الأجيال التالية لم تنسَ، أو تخضع كما توهّمت الأساطير الصهيونية، وهذا يخلق الأمل بحتمية الانتصار، وإزالة آثار النكبة، ولو بعد حين.
المؤسف هنا؛ تمدد النكبة بالاتجاه العربي أيضًا، بعد العجز عن إزالة آثارها في فلسطين، إذ تمددت النكبة منطقيًا وواقعيًا إلى العالم العربي، خصوصًا حواضره الكبرى الثلاث، القاهرة ودمشق وبغداد، التي فشلت أنظمتها في بناء دولٍ ومؤسساتٍ بالمعنى الحقيقي والجدي للمصطلح، نتيجة فشلها في تحرير فلسطين، وهزيمة المشروع الصهيوني، باعتباره يمثل خطرًا استراتيجيًا على الأمن القومي العربي، بمعناه الجوهري والدقيق.
بدلاً من الطريقة الإسرائيلية التقليدية البرية، أصبحنا أمام الطريقة الأميركية المتواطئة أيضًا ضدّ غزّة عبر البحر
بالعودة إلى العنوان الأدق "النكبة مستمرةٌ وتتمدد"، المرتبط بمجريات الحرب الإسرائيلية المجنونة على قطاع غزّة خلال الأشهر التسعة الماضية، والتي لامست حدود الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي مع قتل وإصابة قرابة الـ 200 ألف غزّيٍ، واضطرار قرابة ربع مليون إلى مغادرة القطاع قسرًا، ما يعني أنّ نصف مليون، أي ربع السكان تقريبًا، باتوا بين شهيدٍ وجريحٍ ومنفيٍّ.
إلى جانب ذلك، أجبرت إسرائيل مليوني مواطنٍ تقريبًا على النزوح مراتٍ عدّةً من الشمال إلى الوسط والجنوب، خانيونس ورفح، وبالعكس، ودمرت ثلاثة أرباع القطاع بمبانيه ومقدراته وثرواته وبناه التحتية. وكما تقول الأمم المتّحدة، فإنّ عملية إعادة الإعمار ستستغرق نحو 15 عامًا على الأقل، إن كانت وتيرة العمل أفضل بخمس مراتٍ مما جرى بعد حروب العقد الماضي.
أما أسوأ الأحوال، فقد تتواصل العملية إلى القرن الجديد، إذا استمرت بوتيرة السنوات الماضية، قبل الحرب الراهنة، وستكلّف ما بين 40 إلى 50 مليار دولارٍ، وهو رقمٌ ضخمٌ جدًا قياسًا للأزمة الاقتصادية التي تعانيها دول المنطقة، حتّى مع استعدادها ونيّاتها الطيبة المرتبطة بخلق أفقٍ سياسيٍ جدّيٍ، وتعانيه كلّ دول العالم، خصوصًا في السنوات الخمس العجاف الأخيرة، في ظل التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة لجائحة كورونا، ثمّ للغزو الروسي لأوكرانيا.
سياسيًا؛ لعل أخطر ما يحدث في ذكرى النكبة هذا العام هو وجود مخططٍ إسرائيليٍ لتصفية القضية الفلسطينية كلّيًا. مع فرض الاحتلال حقائق مستدامةً على الأرض، عبر ممر نتساريم وسط قطاع غزّة، الذي يفصله إلى قسمين شماليّ وجنوبيّ، ويمتد بطول 6 كم، وعرض مئات الأمتار تقريبًا، مع منطقةٍ عازلةٍ مدمرةٍ ومفتوحةٍ بمحيطه، وإقامة 3 معسكراتٍ أو مستعمراتٍ صغيرةٍ حوله، كما يقول الإعلام العبري، في ظلّ إبعاد الاحتلال ذلك عن الإعلام الغربي.
إضافةً إلى ذلك، تخلق المنطقة العازلة الحدودية وقائع دائمةً أيضًا، فهي تمتد بطول القطاع، من بيت لاهيا شمال غرب إلى بيت حانون شمال شرق، وإلى خانيونس ورفح جنوبًا، وتتوغل بعمق كيلو مترٍ لتقتطع سدس مساحة القطاع، بما في ذلك سلة غذائه في بيت لاهيا وشرق خانيونس.
كذلك؛ هناك الرصيف البحري العائم، المحروس بحرًا من الاحتلال الأميركي، وبرًّا من نظيره الإسرائيلي، ويبدو كذلك من الشواهد المريبة، ومتساوقًا مع الممارسات والوقائع التي فرضتها إسرائيل، وبُرر بدوره في سدّ رمق أهل غزّة، وإعادة وصل "السيروم" المحلول الغذائي، الذي يوفر الحدّ الأدنى من السعرات الحرارية لبقاء الناس، أو من بقي منهم على قيد الحياة. لكن بدلاً من الطريقة الإسرائيلية التقليدية البرية، أصبحنا أمام الطريقة الأميركية المتواطئة أيضًا ضدّ غزّة عبر البحر.
المؤسف هنا؛ تمدد النكبة بالاتجاه العربي أيضًا، بعد العجز عن إزالة آثارها في فلسطين، إذ تمددت النكبة منطقيًا وواقعيًا إلى العالم العربي
نشرت صحيفتا هآرتس ويديعوت أحرونوت مقالين منفصلين، فيهما قراءاتٌ وتحليلاتٌ متشابهةٌ عن جدية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تكريس احتلالٍ دائمٍ، وفرض سيطرةٍ عسكريةٍ على قطاع غزّة، وفصله عن الضفّة الغربية، التي تشهد كذلك مزيدًا من التهويد والاستيطان وفرض الوقائع فيها. وإن غالبية الحكومة المتطرّفة الحالية تؤيد ذلك، ونحو 40% من الجمهور المتطرف المنزاح يمينًا، وهي نسبةٌ معتبرةٌ جدًا ومتساويةٌ تقريبًا مع المعارضين اليهود لأسبابٍ خاصّةٍ بمصلحة الدولة العبرية وبقائها، مع الأخذ بالاعتبار، رفض عرب الـ 48 للفكرة جملةً وتفصيلًا، بما في ذلك رفضهم الحرب العدوانية ذاتها.
في السياق نفسه، حذّر رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم الأحد الماضي من وجود مخططٍ سياسيٍ لتصفية القضية الفلسطينية، الأمر الذي بات واضحًا للعيان، معتبرًا أنّ إفشاله بيد الفلسطينيين حصرًا، عبر إنهاء الانقسام، وتشكيل قيادةٍ وسلطةٍ وطنيةٍ موحدةٍ في قطاع غزّة والضفّة الغربية.
عمومًا؛ باتت المخاطر جديةً، ومواجهتها سياسيًا، مع الانتباه والتذكير بحقيقة أن الحرب لن تدوم، وهي استمرارٌ للسياسة بوسائل أخرى أصلًا، ما يعني بالضرورة العودة للأصل السياسي بعد انتهائها.
نلمس بالموجهة المستمرة بارقة أملٍ، من خلال صمود الشعب الفلسطيني وعناده، إضافةً إلى أزمات الاحتلال البنيوية، الذي يعيش انقساماتٍ مركبةً ومتكاثرةً، حتّى قبل طوفان الأقصى والحرب، فعلى الرغم من التوحد بذهنية القبيلة في مواجهة الطوفان لشهورٍ عدّةٍ، تعمّقت الاستقطابات وعادت إلى الظهور بقوّةٍ خلال الأيّام والأسابيع الماضية.
بالتأكيد، لم تعد الدولة العبرية تمتلك قياداتٍ من الوزن والعيار الثقيل، وللأسف نحن كذلك أيضًا، ولكننا أصحاب الأرض الأصليين، مع اليقين التام بالانهيار الحتمي للمشرع الصهيوني الاستعماري، كما كلّ السوابق التاريخية المماثلة، خصوصًا مع تأسيس نظام فصلٍ عنصريٍ في فلسطين، ما يعجّل بزواله، في ظلّ تآكل القبة الفولاذية الغربية الأميركية والأوروبية وتشققها، التي حمته لسنواتٍ، بل لعقودٍ مع تحوّله التدريجي البطيء والمستمر إلى عبءٍ لا ذخرٍ، على كلّ المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.
في الأخير، يبقى الأمل والتفاؤل حاضرين رغم النكبة بل النكبات كلّها، مع الانتباه إلى أن تسارع سيرورة التحرر والاستقلال ودحر الاحتلال مرتبطٌ كما كان دائمًا بطريقة تصرف الفلسطينيين والعرب كون القضية كانت ولا تزال عربيةً بامتياز.