تصادف اليوم الذكرى السنوية الحادية والعشرون لهبّة القدس والأقصى في الداخل الفلسطيني التي سقط فيها على مدار ثمانية أيام من التظاهرات والمواجهات مع شرطة الاحتلال، 13 شهيداً برصاص حرس الحدود والقناصة.
واندلعت الهبّة، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول عام 2000، رداً على اقتحام رئيس المعارضة الإسرائيلية وقتها أريئيل شارون، بموافقة من رئيس الحكومة آنذاك إيهود براك، للمسجد الأقصى المبارك، يرافقه مئات الجنود وعناصر الشرطة، مما أشعل مواجهات دامية في المسجد.
وعلى أثر تدنيس شارون للأقصى وانتهاكه، أقرت لجنة المتابعة العليا للفلسطينيين في الداخل إعلان إضراب شامل وعام في أراضي الجليل والمثلث والنقب، في الأول من أكتوبر، لكن شرطة الاحتلال، وعلى ضوء نجاح الإضراب، ردت على التظاهرات بعنف وبإطلاق الرصاص على المتظاهرين، لينتهي اليوم الأول بسقوط ثلاثة شهداء من الداخل الفلسطيني، أعقبه استمرار المواجهات بين الفلسطينيين في الداخل، وقوات الشرطة الإسرائيلية على مدار ثمانية أيام، تخللتها تظاهرات ومواجهات بين المواطنين العزّل في الداخل وقوات الشرطة، وسط إغلاق طرقات رئيسية ولا سيما شارع وادي عارة.
وأصدر رئيس حكومة الاحتلال في ذلك الوقت إيهود براك، ووزير شرطته شلومو بن عامي، أوامر بفتح محاور الطرق بأي ثمن، مما زاد من همجية عناصر الشرطة في إطلاق الرصاص الحي واستخدام القناصة في قمع الهبّة والتظاهرات.
وخلال الأيام الثمانية للهبّة، سقط برصاص الشرطة الإسرائيلية 12 شهيداً من الداخل الفلسطيني، وشهيد من دير بلح كان يعمل في مدينة أم الفحم في الداخل وانضم للتظاهرات.
والشهداء الـ13 هم: رامي غرة، أحمد ومحمد جبارين، أسيل عاصلة، علاء نصار، وليد أبو صالح، عماد غنايم، إياد لوابنة، مصلح أبو جرادات، محمد خمايسي، رامز بشناق، عمر عكاوي ووسام يزبك.
وحاولت حكومة براك الالتفاف على استشهاد المواطنين الثلاثة عشر بتشكيل لجنة فحص، لكن فلسطينيي الداخل فرضوا على الحكومة تشكيل لجنة تحقيق رسمية. وقد شكلت الحكومة الإسرائيلية لاحقاً لجنة تحقيق برئاسة القاضي ثيودور أور، لكن اللجنة حمّلت بعد عامين من المداولات، المسؤولية لثلاثة من قادة الفلسطينيين بالداخل، اتهمتهم بأنهم أججوا المشاعر في الداخل الفلسطيني وحرضوا على العنف، وهم المفكر العربي عزمي بشارة، زعيم حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، والشيخ رائد صلاح، رئيس "الحركة الإسلامية الشمالية" التي حظرتها حكومة الاحتلال عام 2015، وعضو الكنيست المحامي عبد المالك دهامشة عن الحركة الإسلامية الجنوبية.
بموازاة ذلك، شكلت الهبّة نقطة تحول مفصلي في حياة الفلسطينيين في الداخل، وكانت عاملاً بارزاً على غرار يوم الأرض في بلورة الهوية الفلسطينية، ولا سيما عند الأجيال الناشئة، لكنها أيضاً شكلت نقطة فارقة في مخططات الحكومات الإسرائيلية لكسر الهوية الوطنية وتفتيت المجتمع الفلسطيني في الداخل، ومنع أي شكل من أشكال التنظيم القومي.
وأطلقت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سلسلة من محاولات ملاحقة الحركة الوطنية والتيار الإسلامي في الداخل، فلاحقت ولفقت ملفاً أمنياً للمفكر العربي عزمي بشارة، اضطره للخروج إلى المنفى القسري، كما لاحقت حزب "التجمع الوطني"، وحركة "أبناء البلد" و"الحركة الإسلامية الشمالية" برئاسة الشيخ رائد صلاح، وصولاً إلى حظرها وإخراجها عن القانون في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015.