حلت الذكرى السنوية الثالثة لمجزرة مسجد الروضة التي وقعت في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، والتي راح ضحيتها أكثر من 300 مصري، بينهم 27 طفلاً، بخلاف عشرات الإصابات، في أعقاب هجوم مسلح استهدف مسجداً في قرية الروضة بنطاق مدينة بئر العبد، لم تتبنّه أي جهة. ولم يعرف سكان القرية – أولياء الدم – بعد مصير التحقيق الأمني حول الحادثة التي وقعت في منطقة عسكرية مغلقة، تتبع في كل إداراتها إلى الجيش المصري، كما ينتشر فيها تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش".
يومها اقتحم مسلحون مجهولون مسجد الروضة الذي يؤمّه أتباع إحدى الطرق الصوفية، قرب مدينة بئر العبد، خلال أداء مئات المواطنين لصلاة الجمعة. وفتح المسلحون النار على المصلين من كل الاتجاهات، ما أدى لمقتل غالبية من كانوا في المسجد، فيما أحرق المسلحون السيارات التي كانت في ساحة المسجد منعاً لاستخدامها في ملاحقتهم أو نقل الضحايا. وانسحب المسلحون من دون أن يصاب أي منهم بأذى، كما تؤكد ذلك الروايات الأهلية والرسمية، في حين وصلت قوات الجيش إلى المكان بعد ساعة من وقوع الحدث الذي كان في وضح النهار وقرب الطريق الدولي الذي يضم عشرات المواقع والثكنات العسكرية التابعة للجيش.
الواقع يشير إلى نسيان الدولة المصرية لحقّ الضحايا في ظل عدم المرور على ذكرهم في ذكرى المجزرة
ورغم التعويضات المالية والمادية والمعنوية التي مُنحت لأهالي قرية الروضة من الدولة المصرية، بمؤسساتها المختلفة وكذلك المؤسسات الدينية والمحلية والخيرية، إلا أنها لم تكن سبباً في نسيانهم دماء أبنائهم، أو تخليهم عن الرغبة في القصاص ممن ارتكب الجريمة، والتعرف عليه من خلال التحقيقات الرسمية، أو بمعرفتهم الخاصة. وتعيش محافظة شمال سيناء واقعاً معقداً منذ الانقلاب العسكري صيف العام 2013، حيث شهدت عشرات الجرائم على يد قوات الجيش و"ولاية سيناء" على حد سواء، كان ضحيتَها المدنيون المصريون، سواء قتلى أو جرحى أو مفقودين، أو مختفين قسرياً على يد الطرفين.
وفي التعقيب على ذلك، قال أحد وجهاء القرية، لـ"العربي الجديد": "ما فعلته معنا الدولة المصرية، والمؤسسات المختلفة، يُعد أقل الواجب الذي يمكن أن يقدم لأناس فقدوا كل أحبائهم وأهلهم في هذه المجزرة البشعة التي لم يعرف التاريخ المصري شبيهاً لها منذ عقود. لكن الواجب الأكبر الذي ننتظره جميعاً يتمثل في إعادة حق الضحايا، من خلال الوصول للجناة وتدفعيهم ثمن جريمتهم البشعة التي راح ضحيتها غالبية رجال وأطفال القرية، بلا أي ذنب سوى أنهم اجتمعوا لأداء صلاة الجمعة، كما يفعل كل المسلمين في الأرض". وأوضح أن الواقع يشير إلى نسيان الدولة المصرية لحق الضحايا، في ظل عدم المرور على ذكرهم في ذكرى المجزرة، ودون أي صدى في المؤسسات الأمنية والحكومية لما جرى قبل ثلاث سنوات، ما يضعنا أمام حقيقة أن الدم الذي سال في المسجد كان مقابله التعويضات وحجارة المنازل التي تمت إعادة ترميمها على يد الدولة والمؤسسات الشريكة.
وأوضح أنه في حال لم تتمكن الدولة المصرية من إعادة حق الضحايا، فإن ذلك يشجع من فعلها في المرة الأولى على أن يعيد الكرة مرة أخرى، وفي مواضع أخرى، ليدفع المواطن السيناوي الفاتورة مرة أخرى، في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل. واعتبر أن مجزرة مسجد الروضة كانت بداية دخول تنظيم "داعش" إلى مدينة بئر العبد، والتي كان آخرها السيطرة على عدة قرى غرب المدينة لعدة أشهر. وأشار إلى أن أهالي الروضة منعوا في أكثر من محفل من إبداء موقفهم من نسيان قضية أبنائهم. وأوضح أنه تم رفض إعطاء تصريح بالخروج في اعتصامات أو تظاهرات في عدة نقاط، لإعلاء صوتهم وإيصاله للمسؤولين بضرورة الإعلان عن المجرم الذي يقف وراء المجزرة بشكل صريح. وكذلك مدى الإنجاز في قضية الرد على المجزرة، وحجم الضرر الذي أصاب الفاعلين في حال تم التوصل إليهم من قبل قوات الجيش خلال العملية العسكرية الشاملة في فبراير/شباط 2018.
أهالي الروضة منعوا في أكثر من محفل من إبداء موقفهم من نسيان قضية أبنائهم
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية بصور المجزرة، والضحايا الملقين على أرض المسجد وفي محيطه، وآثار الدماء التي غطت سجاد أرضيته، والسواد الذي عمّ سيناء بأكملها إثر المجزرة، وسط مطالبات بضرورة الانتقام لدمائهم، والكشف عن مرتكب الجريمة بشكل علني. كما طالبوا بالوقوف إلى جوار أهالي قرية الروضة، بكل الجهود المادية والمعنوية، بما يخفف من الضرر الذي تعرضوا له نتيجة الجريمة التي هزت مصر بأكملها، وليس سيناء فحسب. في هذا الوقت، لم يأتِ على ذكر المجزرة أي من المسؤولين العسكريين أو الأمنيين أو حتى الحكوميين، في ذكراها الثالثة، ما يشير إلى أنها ذهبت أدراج الرياح، ولم تعد على سلم أولويات الدولة المصرية بمؤسساتها المختلفة.
يشار إلى أن تنظيم "ولاية سيناء" يحارب الطريقة الصوفية بأكملها، وبشتى أشكالها في محافظة شمال سيناء. وقد عمد خلال السنوات الماضية إلى الإضرار بأتباعها، سواء بقتلهم أو تفجير أماكن لقاءاتهم أو ملاحقتهم في مدن المحافظة، والتي كان من أبرزها قتل الشيخ الطاعن في السن سليمان أبو حراز، وتدمير أضرحة وقبور تابعة لهم على مدار السنوات الماضية. وقد وضع هذا الأمر التنظيم في دائرة الاتهام بوقوفه وراء مجزرة الروضة، إلا أنه لم يعلن عن ذلك، على غير العادة، في حال استهدافه لأتباع الصوفية، ما دفع الكثيرين إلى التشكيك في وقوف الإرهابيين وراء الجريمة وفقاً للرواية الرسمية المصرية.