لا يشبه الإعلام الجزائري إعلام أي بلد آخر. لا هو بإعلام حر ولا هو مقيد، ولا مفتوح ولا مغلق تماماً. حالة فريدة تعمدت السلطة تكريسها منذ عقود لإبقاء الإعلام والمؤسسة الصحافية في منطقة رمادية، يشوبها القلق من غموض الإطار القانوني والالتباس في علاقة بالمشهد السياسي والسلطة والجيش والمخابرات. في عام 2012، صدر قانون الإعلام الجديد الذي سمح، للمرة الأولى، بفتح الفضاء السمعي البصري وإنشاء قنوات مستقلة، لكنه كان يتعيّن انتظار صدور قانون السمعي البصري، الذي تأخر حتى فبراير/ شباط 2014، لبدء وضع هذه القنوات في إطار رسمي. لم يحدث ذلك، لأن السلطة وضعت في ذلك القانون "مسمار جحا"، وهو انتظار تعيين الهيئة العليا للسمعي والبصري. وكان يتعيّن على الصحافيين والمؤسسات انتظار سنتين بعد ذلك، حتى يونيو/ حزيران 2016، لكي تقدم السلطة على إنشاء الهيئة.
لم تنته القصة هنا، فما زال هناك "مسمار جحا" آخر عالق في جدار الصحافة والقنوات المستقلة حتى الآن. "دفتر الشروط" الذي يتضمّن الترتيبات الفنية والتقنية لإنشاء القنوات، لم يصدر بعد أكثر من سبع سنوات من صدور قانون يتيح إنشاء قنوات وإذاعات مستقلة، مثله مثل قانون الإشهار المعلق منذ سنوات، كما لو كان الأمر يتعلق ببرنامج طاقة نووية. في الجزائر عشرات القنوات التلفزيونية التي تعمل وتبث من دون أن تحوز رخصة قانونية كقناة محلية. بل إن الصورة الكاريكاتورية يلخصها وجود خمس قنوات جزائرية خالصة، تعمل بكامل الطاقم والمضمون الجزائري في البلاد، لكنها في نظر القانون مكاتب لقنوات أجنبية، ويمكن إقفالها في أي وقت، تماماً كما حدث مع قنوات "الأطلس" و"الوطن".
يعمل في الجزائر عشرات الزملاء المراسلين للقنوات الأجنبية من دون الحصول على بطاقة اعتماد من الحكومة، برغم تقديمهم ملفاً كاملاً. ويمكن لأي مراسل دولي في الجزائر أن يقدم طلباً، لكن عدداً قليلاً جداً يحصل على اعتماد رسمي، والباقي يحصل على "غمزة عين"، والتي تعني اعمل حتى نراك ونرى الخط والمضمون. هذا هو الوضع بالمكشوف، إعلام في "السوق السوداء الموازية"، والدولة هي التي تشجع السوق السوداء في مجال الإعلام، وترفض تسوية الوضع وتنظيمه كما الدولة المحترمة، لأن السلطة وحدها المستفيدة من هذه الفوضى التي تتيح لها تسيير هذا المجال الحيوي وإمساكه بقبضة أمنية، وتفرض اتجاهاً واحداً على قاعات التحرير، أكثر مما يحدده خط تحريري وافتتاحي. يفسر هذا إلى حد بعيد المأزق الراهن للإعلام في الجزائر، المتجه نحو حالة قطيعة تتكرّس مع الوقت بين المؤسسة الإعلامية والشارع، وتباعد بين الصورة التي تقدمها الصحف والقنوات. وجزء من النقد الذاتي والموضوعي القائم بين الصحافيين يقرّ بهذا الوضع المأزوم الذي يجب أن يتغير كأساس مركزي وشرط من اشتراطات أي تحول ديمقراطي.
يعمل في الجزائر عشرات الزملاء المراسلين للقنوات الأجنبية من دون الحصول على بطاقة اعتماد من الحكومة، برغم تقديمهم ملفاً كاملاً. ويمكن لأي مراسل دولي في الجزائر أن يقدم طلباً، لكن عدداً قليلاً جداً يحصل على اعتماد رسمي، والباقي يحصل على "غمزة عين"، والتي تعني اعمل حتى نراك ونرى الخط والمضمون. هذا هو الوضع بالمكشوف، إعلام في "السوق السوداء الموازية"، والدولة هي التي تشجع السوق السوداء في مجال الإعلام، وترفض تسوية الوضع وتنظيمه كما الدولة المحترمة، لأن السلطة وحدها المستفيدة من هذه الفوضى التي تتيح لها تسيير هذا المجال الحيوي وإمساكه بقبضة أمنية، وتفرض اتجاهاً واحداً على قاعات التحرير، أكثر مما يحدده خط تحريري وافتتاحي. يفسر هذا إلى حد بعيد المأزق الراهن للإعلام في الجزائر، المتجه نحو حالة قطيعة تتكرّس مع الوقت بين المؤسسة الإعلامية والشارع، وتباعد بين الصورة التي تقدمها الصحف والقنوات. وجزء من النقد الذاتي والموضوعي القائم بين الصحافيين يقرّ بهذا الوضع المأزوم الذي يجب أن يتغير كأساس مركزي وشرط من اشتراطات أي تحول ديمقراطي.