صورة دراجة نارية تحمل لافتة كُتب عليها: "تاكسي وفّر مصاري ووقت - الراكب 3000 ليرة"، تداولها ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان، وعلقوا عليها بأنها "المنفذ الوحيد" لتفادي أزمة انقطاع مادّة البنزين من معظم محطات المحروقات، وتجنب طوابير السيارات التي تتوقف أمام هذه المحطات في انتظار دورها للحصول على بنزين، في مشهد بات يتكرر يومياً في كل المناطق.
الأكيد أن اللبنانيين الذين يرزحون تحت ثقل أزمة مالية وانهيار اقتصادي طاولت مختلف المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية تجعلهم، باتوا يبحثون اليوم عن وسائل وبدائل توفّر عليهم التكاليف الباهظة لحياتهم اليومية، وتلبّي متطلّباتها.
رنا كرزي، وهي أم لولدين، اختارت أن تقتني دراجة نارية حوّلتها لاحقاً بالصدفة إلى "تاكسي" مخصّص فقط للسيدات والشابات. تنطلق منذ ساعات الصباح الأولى من منزلها في بيروت مرتدية كمامة وخوذة واقية ونظارات شمسية وقفازين، وتجوب شوارع العاصمة على مدار الساعة حتى السادسة مساءً لنقل راكبة ثم أخرى، وتتعرّف مع كل توصيلة على قصص وتجارب ترويها سيدات وفتيات على مسمعها.
قبل نحو سنة أطلقت كرزي إعلانها الأول عبر مجموعات "واتس أب" التي نشرت فيها صورتها على دراجتها، مع عبارة "إمراة تقود دراجة - تاكسي" مكتوبة بالإنكليزية، وأرفقته أيضاً بتعليق: "وفّر وقت ومصاري (مال)". ولاقى الإعلان رواجاً كبيراً، وشكل بداية مثالية لعمل دائم يدر مدخولاً جيداً، ولا تزال تزاوله حتى اليوم.
تشرح كرزي، المقيمة في منطقة طريق الجديدة ببيروت، لـ "العربي الجديد" كيف راودتها الفكرة بعدما طلبت منها صديقتها أن تقلّ ابنها من طريق المطار إلى منزله، وتقول: "لاقت مبادرتي صدىً كبيراً لدى النساء والشابات اللواتي أبدين امتنانهن لعملي، وشعورهن بالراحة وثقتهن بي، إذ اتصلت بي عائلات عدة كي أوصل بناتهن، وشجعنني على المثابرة على هذا العمل الذي يوفّر الوقت والجهد والمال، ويتيح لهنّ الهرب من زحمة السير الخانقة".
تضيف كرزي التي تختار السيدات والفتيات بعناية حرصاً على سلامتها وسلامة مهنتها: "لم يتوقف عملي خلال انتشار جائحة كورونا، باستثناء فترات الإقفال وحظر التجوّل. وقد التزمت مع زبائني كل سبل الوقاية والتعقيم. أما مع ظهور أزمة البنزين في لبنان، فلم أواجه أي صعوبة في التزوّد بوقود، بل زاد عملي في هذه الفترة بسبب حاجة كثيرات للتنقّل، في حين أنهنّ لا يملكن وقودا في سياراتهن".
وتوضح أن "التعرفة كانت 3000 ليرة لبنانية (دولاران وفق سعر الصرف الرسمي 1500 لليرة اللبنانية في مقابل الدولار)، ثم ارتفعت إلى 5000 ليرة لبنانية (أقل من 4 دولارات وفق سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة لبنانية لكل دولار) مع غلاء المعيشة وارتفاع سعر صفيحة البنزين. وقد ترتفع قليلاً أيضاً في حال كانت المنطقة المقصودة ضمن العاصمة أبعد من غيرها".
وفي ظل الإقبال الكبير على خدمة "تاكسي الدراجة"، أرادت كرزي التي تخصّصت في مجال السياحة والسفر، وعملت سابقاً في هيئة رعاية شؤون الحج والعمرة ثم في مجال الأمن والحراسة، توسيع عملها فتعاونت لفترة مع عددٍ من الشابات اللواتي أصبحن زميلات لها في المهنة.
فكرة صديقة للبيئة
من جهته، امتهن فادي بدوي خدمة "تاكسي" مخصص للشباب، قبل أن تجبره الظروف الاقتصادية وأزمة البنزين إلى جانب انتشار فيروس كورونا على التوقّف. ويقول لـ "العربي الجديد": "راودتني فكرة العمل على موتو - تاكسي مع بدء الأزمة اللبنانية عام 2019، وقدمت خدماتي لمجموعة من الأصدقاء والأقرباء الذين اعتدت أن أوصلهم إلى المطعم أو البحر أو النادي الرياضي، أو لنقل أولادهم إلى المدرسة وأماكن أخرى. وامتلكت لاحقاً مجموعة دراجات نارية باتت لا تعمل الآن بسبب فقدان مادة البنزين".
ويلفت فادي إلى أنه سافر إلى دول عدة في الشرق الأقصى لاستيراد دراجات هوائية ونارية تعمل على البطارية والطاقة الشمسية، ومزودة بغطاء لتفادي الأمطار وأشعة الشمس، وتتسع لشخص أو شخصين. ويشير أيضاً إلى أنه أراد توسيع عمله وتطوير فكرته الصديقة للبيئة للمساهمة في تخفيف عدد السيارات والحدّ من الزحمة وتلوّث الهواء، خاصة ضمن بيروت، وبالتالي تحفيز ثقافة ركوب الدراجات أو اختيارها بين وسائل النقل. لكن يستدرك أن "المشاكل التي عصفت بالبلاد أطاحت بكل خططي، علماً أنني تعاونت مع شركاء آخرين وضعت معهم دراسة مفصّلة لمعايير السلامة المرورية عبر وسائل النقل تلك، وآلية تدريب السائقين والسائقات. وكان هدفنا تنفيذ مشروع تاكسي مخصص للشباب وآخر للشابات، يوفر طرق نقل سريعة وبكلفة بسيطة".
أما بدوي، الخمسيني والأب لستة أولاد، فنفذ مشروع "موتو -تاكسي" كمهنة بديلة بسبب الواقع السائد في لبنان" رغم أنه يملك شهادة ماجستير في التاريخ وبكالوريوس في إدارة الأعمال، وعمل منذ بداية الثمانينيات في بيع منتجات هدايا بالجملة في بيروت ومختلف المناطق اللبنانية، وذلك في موازاة متابعته دراسته الجامعية. ويقول بدوي لـ "العربي الجديد": آمل في أن يلقى مشروعنا الدعم المطلوب لأن الناس في أمسّ الحاجة له اليوم".