"رمضان الجذور" يعود في قرى سيناء
للمرة الأولى منذ سبع سنوات، عادت أجواء شهر رمضان إلى عدد من قرى محافظة شمال سيناء التي دمرها القتال ومنع سكانها خلال هذه المدة من الاحتفال بشهر الصوم في أجواء إيمانية وأمنية مناسبة، مع اضطرار بعضهم إلى ترك منازلهم ومساجدهم التي استهدفت بالرصاص والمدافع، وإحياء عادات رمضان في مناطق بديلة اضطروا إلى اللجوء إليها والمكوث فيها. وعاد السكان إلى الديار منذ أشهر قليلة فقط، بعدما تحسن الوضع الأمني وتراجع نفوذ تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش".
وفي مطلع العام الحالي عاد تحديداً سكان عدد من قرى مدينة الشيخ زويد، وتلاهم عدد كبير من أفراد قبائل قرى جنوب رفح، وذلك بالتنسيق مع أجهزة الأمن المصرية، ما جعل المنطقة الجنوبية لمدن رفح والشيخ زويد تنشط بأهلها خلال شهر رمضان الحالي، بالتزامن مع فتح الطرق المؤدية إلى القرى، وإطلاق عمليات إعادة إعمار المساجد، وإصلاح الشبكات التي توصل الكهرباء والمياه إليهم. وهم لجأوا إلى السكن في خيام من قش وصفيح، في انتظار استكمال إعمار منازلهم التي تضررت نتيجة العمليات العسكرية والهجمات المسلحة والقصف الجوي والمدفعي التي طاولتها لسنوات.
وعن أجواء رمضان في قرى جنوب الشيخ زويد، يقول المواطن العائد سالم أبو رفاعي، لـ"العربي الجديد": "يختلف رمضان هذا العام تماماً عن السنوات الماضية، حيث حل بلا مظاهره الاعتيادية إلا على صعيد الالتزام بالشعائر الإسلامية، فالحقيقة التي يعرفها الجميع أن رمضان في سيناء لا يشبه رمضان في أي مكان آخر، لأن المواطنين يعيشونه بكل تفاصيله في ظل أجواء إيمانية وأخوية تتصف بالبساطة والزهد، لا سيما أن طبيعة الحياة في شمال سيناء، خصوصاً قرى رفح والشيخ زويد، تشبه إلى حدّ كبير حياة المسلمين الأوائل على صعيد طبيعة المأكل والمشرب، والاعتماد على الأدوات القديمة في الوصول إلى مقومات الحياة، مثل الماء والطعام والاتصالات".
يضيف: "أصرّ السكان الذين عادوا إلى قراهم المهجّرة على قضاء الليالي الأولى من رمضان فيها، رغم أن منازلهم تعرضت لدمار، وكذلك المساجد. وهم حاولوا إيجاد الحد الأدنى من مقومات إحياء ليالي رمضان وأجوائه من خلال تجمع العائلات والجيران على موقد واحد للنار، وأداء صلاة الجماعةً في العراء، وطبخ المأكولات الخاصة بسيناء القديمة التي اشتاقوا إلى تناولها على أرضهم وبين أقربائهم، وهذا كان حلماً بالنسبة إليهم في ظل الحديث المتكرر عن تهجير السكان بلا عودة، حتى تحقق ذلك فعلاً بعدما نجحت الاتحادات القبلية في طرد تنظيم داعش من قراهم، وتنسيق عودة السكان الأصليين مع الجيش".
وعن تقاليد أبناء سيناء في شهر رمضان، يقول الشيخ أبو سلمان السواركة لـ"العربي الجديد": "لقاء المشايخ وكبار شخصيات المنطقة في ديوان القرية، وتناولهم الإفطار معاً، كان من أبرز سمات رمضان في سيناء، إضافة إلى تبادل الأطباق بين عائلات القرى، والتي نقلها الأطفال، ما جعل القرية كلها تتبادل المأكولات في أجواء عائلية زادت روابط المودة بين الجميع". يضيف: "في رمضان يجري إيقاف القضاء العرفي الذي يحل غالبية النزاعات بين القبائل والعشائر والعائلات المختلفة، وتمنح فرصة لحرمة شهر رمضان علّ ذلك يكون كافياً لنزع فتيل النزاعات بين الأطراف، إذ إنّ القبائل اعتادت أن تتفادى المشاكل والنزاعات وتحظرها في شهر رمضان".
ويؤكد أنّ "الأجواء القديمة لشهر رمضان بدأت تعود، ولو بوتيرة أقل من السابق، في ظل بصيص ضوء الأمل القادم من وسط الظلام بإمكان عودة آلاف المواطنين إلى القرى المهجّرة خلال الأسابيع المقبلة، تمهيداً لعودة سيناء إلى الحال التي كانت عليها قبل أن يدخلها الإرهاب الغاشم الذي قلب الحياة فيها رأساً على عقب، وهذا لم يكن ليحصل لولا وقوف كل القبائل في وجه الإرهاب، إذ إن قوات الأمن لم تستطع تحقيق ذلك طوال الفترة الماضية رغم الحرب الضروس التي شنتها ضد التنظيم الإرهابي والتي ألحقت أضراراً كبيرة بنا، وجعلتنا نخسر منازلنا ومزارعنا ونحتفظ بذكريات مؤلمة لها وسط آلات الحرب المدمرة التي لم تفرّق بين الأهداف المدنية والعسكرية، فخسرنا أبناءنا وأموالنا نتيجة هذه الحرب".
يشار إلى أنّ القرى التي عاد إليها سكانها في نطاق مدينة الشيخ زويد خلال العام الحالي هي أبو العراج وتجمعات الجغامين والعكور والبراوى والزهريات والعرجانى والعطاوين وأبو هولى وأبو عيطة والشتيويين وحي أبو فرج والقرعان وأبو خوار الدراوشة وأبو رفاعي، وفي قرى جنوب رفح، المهدية والجورة والعجراء والكيلو 17 ونجع شيبانة، في حين يجري العمل ميدانياً لتطهير مناطق بلعا والطايرة والحسينيات والمقاطعة وغيرها من المناطق التي لا يزال تنظيم "ولاية سيناء" يوجد فيها.