يدفع الفقر والحاجة إلى مجرّد القوت اليومي العمال المياومين شرقي سورية إلى تحمّل أقصى المشقّات من دون أن ينالوا ما يستحقونه. وهؤلاء ليسوا فقط من الرجال إنّما من النساء كذلك.
ينتظر محمد الحسن مرتدياً ثياب العمل مع عدد من المياومين منذ الصباح الباكر عند حافة رصيف في السوق المركزي لمدينة القامشلي الواقعة في محافظة الحسكة شمال شرقي سورية، مرور شخص ما يبحث عن عمّال لنقل مواد بناء أو رمل وأكياس إسمنت. هو ينشد لقمة العيش كي يُعيل أفراد أسرته فقط لا غير، ويعلم أنّ لا أفق في مستقبل أفضل. يخبر الحسن "العربي الجديد" أنّه يجلس على الرصيف منذ الساعة السابعة صباحاً، ويصف نفسه بأنّه "من طبقة العمّال الفقراء"، مشيراً إلى أنّ ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في مقابل الليرة السورية والأجور القليلة صعّبا ظروف العيش. ويؤكد الحسن أنّه يرزح "تحت خط الفقر بدرجات مثل زملاء آخرين يزاولون أعمالاً يتعرّضون فيها إلى شتى أنواع الاستغلال". يضيف الحسن: "إذا كان بدل العمل 15 ألف ليرة سورية (4.28 دولارات أميركية بحسب سعر الصرف في السوق السوداء المحدّد بـ3500 ليرة في مقابل الدولار الواحد) فنحن نحصل على ستة آلاف ليرة (1.71 دولار)، علماً أنّنا نزاوله منذ الساعة السابعة صباحاً حتى الساعة الخامسة عصراً. ولقد دمّرنا تفشّي وباء كورونا وارتفاع قيمة الدولار، فنحن نعمل بالكاد في مقابل أجر زهيد يكفي بشق النفس قوتنا اليومي".
لا شك في أنّ العمّال المياومين في معظم مناطق شرقي سورية الخاضعة لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) تأثروا بحظر التجوّل في خلال أزمة كورونا التي منعتهم من ممارسة أعمال عتالة البضائع في المستودعات ومتاجر البيع بالجملة، ونقل مواد البناء والمشاركة في مشاريعها البسيطة من بينها ترميم منازل من طين، وكذلك من حصد القطن وقطف الزيتون وتعبئة القمح في المواسم الزراعية. وباتوا بالتالي يبحثون عن أيّ عمل بطرق عشوائية، مع عدم توفّر أيّ دعم لهم من مسؤولي المنطقة ولا مساعدات غذائية.
عبد الكريم الجاسم عامل مياوم آخر يقول لـ"العربي الجديد": "أجتمع مع زملائي كلّ صباح في موقع بالسوق المركزي لمدينة القامشلي، وننتظر قدوم صاحب عمل، ونناقش معه تنفيذ مهمة يومياً أو ربما ثلاث مهمات، والتي قد تختلف من تحميل بضائع ونقلها، إلى أعمال بناء من بينها المشاركة في ورش للتمديدات الصحية، وأخرى تتطلب جهداً بدنياً وقوة عضلية وتُعَدّ مرهقة جداً مثل تحضير جبلات (خليط) إسمنت أو بناء جدار أو ترميمه، أو نقل أكياس إسمنت أو رمل". يضيف الجاسم أنّ "ما بين 10 و15 عاملاً أو أكثر أحياناً ينتظرون في العادة في مكان التجمّع، ويُحظون جميعاً بفرص عمل تمتدّ يوماً كاملاً أو نصف أو ربع يوم، ويعودون بمعظمهم سيراً على الأقدام في المساء لأنّهم لا يستطيعون جمع بدل سيارة أجرة أو حافلة في كلّ الأحوال".
يضيف الجاسم: "نحمل معنا أدوات بسيطة مثل مجرفة أو سطل، ويتنقل بعضنا على دراجة هوائية لتوفير المال. ونحن نعمل بلا أفق مستقبلي في ظلّ عدم توفّر أيّ نقابة لنا، في حين يعاني بعضنا من أمراض وقد تجاوز آخرون الأربعين. لكنّنا نفضّل ممارسة عمل حرّ بدلاً من وظيفة، حتى لو حظينا بفرصة جيدة للخروج من الشارع. ونحن نعلم أنّ ما نتقاضاه قليل، وأنّ حقوقنا تُسلب أحياناً في ظل نيلنا أجراً يومياً بمعدل يتراوح ما بين سبعة آلاف ليرة (نحو دولارَين) و10 آلاف ليرة (نحو ثلاثة دولارات)، في وقت قد نضطر إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى مكان صاحب العمل. لكنّ ثمّة خيّرين يعطوننا مساعدات مالية أو غذائية أحياناً".
ويلفت الحسن إلى أنّ "فصل الشتاء بات على الأبواب، ولن يكون سهلاً بالنسبة إليّ توفير وقود للتدفئة وملابس شتاء لأطفالي، الأمر الذي سوف يدفعني إلى طلب العون من منظمات إنسانية تنشط في المنطقة". ويؤكد أنّ "العامل المياوم في هذه الأيام بالكاد يجني ما يكفيه لسدّ المصاريف المطلوبة لتغطية احتياجاته من طعام وشراب والحصول على خدمات أساسية من ماء وكهرباء".
من جهتها، تخبر العاملة المياومة نرجس عثمان "العربي الجديد" أنّها بحثت لمدّة عام تقريباً عن عمل تستطيع من خلاله توفير دخل لها ولأفراد عائلتها، "لكنّ الظروف لم تسمح بذلك حتى اقترحت عليّ جارتي بالصدفة العمل في تحميل وتنزيل بضائع في مستودعات مواد غذائية". تضيف أنّ "العمل كان صعباً في البداية، ولا يمكن احتمال الإرهاق فيه، ما جعلني أشعر بأنّني أخوض مغامرة. لكنّني اعتدت عليه مع مرور الأيام، وكذلك على رفقة زميلاتي، وبدأت أجده عملاً حراً لا أخجل من مزاولته. لكنّني لا أنوي الاستمرار فيه لأنّني أحمل شهادة معهد متوسط، وأحاول الحصول على عمل في تخصّص يناسبني كامرأة". وتتابع عثمان: "أتطلع مثل كلّ النساء اللواتي يفتقرن إلى معيل أو مصدر دخل إلى الحصول على عمل مناسب. وآمل بأن تتوفّر مستقبلاً نقابات تنظّم عمل النساء وتوفّر لهنّ فرص عمل تسمح لهنّ بإعالة أسرهنّ. العمل في العتالة متعب ويتطلب بذل جهد كبير، وتوقيته في الليل في الغالب ويستمر لساعات طويلة. ونحن كعاملات عتالة نصارع للحصول على لقمة العيش، وهو الأمر الوحيد الذي يجعلنا نصبر ونتحمّل المشقّات".
وتُعَدّ العتالة أحد الأعمال التي تعتمد عليها نساء وفتيات كثيرات في مناطق شمال شرقي سورية، من بينهنّ نساء فقدنَ المعيل وفتيات يواجهنَ ظروف أسرهنّ الصعبة، علماً أنّها مرهقة جسدياً لهنّ. في المقابل يعتمد الرجال المياومون في الغالب، خصوصاً في فصل الشتاء، على العمل في ورش بناء لتأمين دخلهم في ظل انعدام الأمان وعدم توفّر نقابة تجمعهم أو جهة تدافع عن حقوقهم.