تحاول حكومة طالبان التعامل مع الأزمة التي تسببت فيها عودة أعداد كبيرة من اللاجئين الأفغان من الخارج في وقت متزامن إلى أفغانستان وخصوصاً من باكستان المجاورة، لكن تظل أزمة الإيواء مشكلة حقيقية.
كشفت وزارة المهاجرين والنازحين في حكومة طالبان أن أكثر من مليون أفغاني عادوا إلى البلاد خلال عام 2023 الماضي، ومن مختلف البلدان، وكان جلهم من باكستان وإيران، وعدد قليل من تركيا، موضحة أنها وفرت كل ما يلزم للعائدين، وأن تجاراً وأثرياء لعبوا دوراً مهماً في تقديم الاحتياجات لهم، غير أن معظمهم مازالوا يواجهون مشكلة إيواء.
وأكدت الوزارة في بيان، أن العائدين من باكستان، وغالبيتهم تم ترحيلهم قسراً، واجهوا مشاكل كثيرة، إذ إن غالبيتهم لم يكونوا مستعدين للعودة، غير أن الحكومة عملت على أن تقدم لهم الاحتياجات الأولية الأساسية بالتنسيق مع المؤسسات الخيرية المحلية، لكن توفير الإيواء المناسب للجميع كان من أهم العراقيل.
وأضاف البيان أن "طريقة تعامل باكستان مع اللاجئين الأفغان كانت مخيبة للآمال، وكانت هناك حاجة ملحة لتحرك المجتمع الدولي لإقناع سلطات إسلام أباد بالتراجع عن قرار ترحيل اللاجئين الأفغان خلال موسم البرد، فخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023، تم ترحيل نحو نصف مليون لاجئ أفغاني، وجميع هؤلاء واجهوا مشاكل في الإيواء رغم ما قامت به حكومة طالبان والمجتمع الأفغاني لمساعدتهم".
وفي 14 فبراير/شباط الحالي، قال الناطق باسم وزارة اللاجئين والنازحين، عبد اللطيف حقاني، في تصريح صحافي، إنه "خلال النصف الأول من شهر فبراير/شباط، عاد إلى البلاد نحو 50 ألف لاجئ، من بينهم خمسة آلاف فقط من باكستان، و45 ألفاً من إيران، وبذلت الحكومة كل ما في وسعها لتقديم ما يلزم لهم، رغم أن هؤلاء أجبروا على المغادرة في موسم البرد القارس الذي لا يعد مناسباً لعمليات الترحيل".
ويلاحظ من يراقبون مستجدات قضية اللاجئين الأفغان في باكستان، أن وتيرة الترحيل تقلصت منذ بداية العام الحالي، ويرجع كثيرون السبب إلى انشغال السلطات الباكستانية بالانتخابات التشريعية، كما يشير البعض إلى أن حكومة إسلام أباد غيرت قليلاً من التعاطي السيئ مع ملف اللاجئين الأفغان.
وقالت الحكومة الباكستانية في بيان بعد اجتماع للمجلس الوزاري في الرابع من فبراير الحالي، إنها قررت تمديد فترة إقامة جميع اللاجئين الأفغان الذين انتهت مدة إقامتهم في البلاد إلى نهاية مارس/آذار القادم، وإنها أمرت الشرطة بأن لا تقوم بأية إجراءات ضد اللاجئين غير الشرعيين حتى ذلك الوقت.
وأفادت تسريبات صحافية بأن الاجتماع الوزاري ناقش خطة جديدة للتعامل مع ملف اللاجئين الأفغان، وكان فيها بعض التغييرات الكبيرة، لكن لم يصادق المجلس على تلك التعديلات بسبب بعض التحفظات، وأن الحكومة ستعمل من جديد على بنود تلك الخطة، ولفتت التسريبات إلى أن تلك التغييرات كانت نتيجة مباشرة لزيارة الزعيم الديني الباكستاني المولوي فضل الرحمن الأخيرة إلى العاصمة الأفغانية كابول.
يقول الناشط الباكستاني محمد إيمل خان لـ"العربي الجديد"، إن "باكستان كانت بحاجة إلى تغيير سياساتها تجاه اللاجئين الأفغان، وهذا ما أدركه صناع القرار في البلاد، فالسلطات لا تستطيع مواصلة التعامل مع أفغانستان على نفس المنوال السابق؛ إذ إن كل ما فعلته كان من أجل الضغط على حكومة طالبان كي تقبل بمطالبها، لكن الأشهر الماضية أثبتت أن طالبان لن تقبل الضغوط، بل باتت تنفر من تصرفات باكستان، والحكومة أدركت أنه لا يمكنها الاستمرار في المواقف العدائية مع طالبان، ومن هنا بدأت تغير سياساتها تجاه اللاجئين الأفغان".
يضيف خان: "ستكون هناك تأثيرات على حجم عودة اللاجئين إلى أفغانستان على المدى القريب إذا واصلت باكستان سياساتها غير المتشددة تجاههم، لكن على المدى البعيد، ستتواصل عودة اللاجئين الأفغان إلى بلادهم، فالأوضاع في أفغانستان أفضل حالياً منها في باكستان، أمنياً واقتصادياً ومعيشياً، كما أن التعامل الباكستاني خلال الفترة الأخيرة أرهق اللاجئين، وبالتالي لن يفضل غالبيتهم البقاء في باكستان، لكننا حالياً في موسم البرد الشديد، ما قد يؤجل عودة اللاجئين إلى بلادهم".
كان محمد هليل من بين اللاجئين الأفغان الذين قرروا تأجيل العودة إلى بلادهم إلى حين انتهاء موسم البرد، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا شك أننا نريد العودة إلى بلادنا، وهناك محفزات عدة على العودة، غير أننا أجلنا قرار العودة في الوقت الحالي بسبب البرد، لكن أسرتي جاهزة للمغادرة إلى أفغانستان، وقد رتبنا أمورنا كلها، وأنهينا أعمالنا التجارية في باكستان، وتغير تعامل الشرطة الباكستانية معنا ساهم في قرار البقاء إلى حين انتهاء موسم البرد، لكن لن نبقى في باكستان على أية حال، فهذه البلاد تعاملها مع اللاجئين مخز، وقد تغير سياساتها تجاههم في أي لحظة مجدداً".